Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 147-148)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ } ، بتأخير العذاب عنكم ، { وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ } ، [ عذابه ] { عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ } إذا جاء وقتُه . { سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } ، لمّا لزمتهم الحجة وتيقّنوا بطلان ما كانوا عليه من الشرك بالله وتحريم ما لم يحرّمه الله [ قالوا ] : { لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلآ آبَآؤُنَا } ، من قبل ، { وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَىْءٍ } ، من البحائر والسوائب وغيرهما ، أرادوا أن يجعلوا قولهم : { لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا } ، حجةً لهم على إقامتهم على الشرك ، وقالوا : إن الله تعالى قادر على أن يحول بيننا وبين ما نحن عليه حتى لا نفعله ، فلولا أنه رضي بما نحن عليه وأراده منّا وأمرَنَا بِهِ لَحَالَ بيننا وبين ذلك ، فقال الله تعالى تكذيباً لهم : { كَذَٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } ، من كفار الأمم الخالية ، { حَتَّىٰ ذَاقُواْ بَأْسَنَا } ، عذابنا . ويستدل أهل القدر بهذه الآية ، يقولون : إنهم لما قالوا : لو شاء الله ما أشركنا كذّبهم الله وردّ عليهم ، فقال : { كَذَٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } . قلنا : التكذيب ليس في قولهم " لو شاء الله ما أشركنا " ، بل ذلك القول صدق ولكن في قولهم : إن الله تعالى أمرنا بها ورضي بما نحن عليه ، كما أخبر عنهم في سورة الأعراف : { وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } [ الأعراف : 28 ] ، فالردّ عليهم في هذا كما قال : { قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ } [ الأعراف : 28 ] . والدليل على أن التكذيب ورد فيما قلنا لا في قولهم : " لو شاء الله ما أشركنا " ، قوله : { كَذَٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } ، بالتشديد ولو كان ذلك خبراً من الله عزّ وجلّ عن كذبهم في قولهم : { لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا } ، لقال كذلك كذب الذين [ من قبلهم ] بالتخفيف فكان ينسبهم إلى الكذب لا إلى التكذيب ، وقال الحسن بن الفضل : لو ذكروا هذه المقالة تعظيماً وإجلالاً لله عزّ وجلّ ، ومعرفة منهم به لما عابهم بذلك ؛ لأنّ الله تعالى قال : { ولو شاء اللهُ ما أشركوا } ، وقال : { مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [ الأنعام : 111 ] ، والمؤمنون يقولون ذلك ، ولكنهم قالوه تكذيباً وتخرصاً وجدلاً من غير معرفة بالله وبما يقولون ، نظيره قوله عزّ وجلّ : { وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ } [ الزخرف : 20 ] ، قال الله تعالىٰ : { مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } [ الزخرف : 20 ] . وقيل في معنى الآية : إنهم كانوا يقولون الحق بهذه الكلمة إلا أنهم كانوا يعدونه عذراً لأنفسهم ويجعلونه حجة لأنفسهم في ترك الإيمان ، وردّ عليهم في هذا لأنّ أمر الله بمعزل عن مشيئته وإرادته ، فإنهُ مريدٌ لجميع الكائنات غير آمر بجميع ما يريد ، وعلى العبد أن يتبع أمره وليس له أن يتعلق بمشيئته ، فإن مشيئته لا تكون لا عذراً لأحد . { قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ } ، أي : كتاب وحجة من الله ، { فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ } ، حتى يظهر ما تدَّعون على الله تعالى من الشرك أو تحريم ما حرمتم ، { إِن تَتَّبِعُونَ } ، ما تتبعون فيما أنتم عليه ، { إِلاَّ ٱلظَّنَّ } ، من غير علم ويقين ، { وَإِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ } ، تكذبون .