Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 51-52)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عزّ وجلّ : { وَأَنذِرْ بِهِ } ، خوّف به ، أي : القرآن ، { ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوۤاْ } ، يجمعوا ويبعثوا ، { إِلَىٰ رَبِّهِمْ } ، وقيل : يخافون أي يعلمون ، لأن خوفهم إنّما كان من علمهم ، { لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ } ، من دون الله ، { وَلِيٌّ } قريب ينفعهم ، { وَلاَ شَفِيعٌ } ، يشفع لهم ، { لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } ، فينتهون عمّا نُهوا عنه ، وإنّما نفى الشفاعة لغيره - مع أن الأنبياء والأولياء يشفعون - لأنهم لا يشفعون إلاّ بإذنه . { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ } ، قرأ ابن عامر " بالغُدْوَةِ " بضم الغين وسكون الدال وواو بعدها ، ها هنا وفي سورة الكهف ، وقرأ الآخرون بفتح الغين والدال وألف بعدها . " قال سلمان وخباب بن الأرت : فينا نزلتْ هذه الآية ، جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري وذووهم من المؤلّفة قلوبهم ، فوجدوا النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً مع بلال وصهيب وعمار وخباب في ناس من ضعفاء المؤمنين ، فلمّا رأوهم حوله حقّروهم ، فأتوه فقالوا : يا رسول الله لو جلست في صدر المجلس ونفيت عنّا هؤلاء وأرواح جبابهم ، وكان عليهم جباب صوف لها رائحة لم يكن عليهم غيرها ، لجالسناك وأخذنا عنك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهم : « ما أنا بطارِدِ المؤمنين » ، قالوا : فإنّا نحب أن نجعل لنا منك مجلساً تعرف العرب به فضلنا ، فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب مع هؤلاء الأعبد ، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنّا ، فإذا نحن فرغنا فاقعدْ معهم إن شئت ، قال : نعم ، قالوا : اكتب لنا عليك بذلك كتاباً ، قال : فدعا بالصحيفة ودعا علياً ليكتب ، قالوا ونحن قعود في ناحية إذْ نزل جبريل بقوله : { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } ، إلى قوله : { بالشاكرين } ، فألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة من يده ، ثم دعانا فأتيناه وهو يقول : ( سلامٌ عليكم كتبَ ربُّكم على نفسه الرحمة ) ، فكنَّا نقعد معه فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا ، فأنزل الله عزّ وجلّ : { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } [ الكهف : 28 ] ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقعد معنا بعد وندنو منه حتى كانت ركبنا تمسّ ركبته ، فإذا بلغ الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم ، وقال لنا : « الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع قوم من أمتي معكم المحيا ومعكم الممات » " . وقال الكلبي : " قالوا له : اجعل لنا يوماً ولهم يوماً ، قال : « لا أفعل » ، قالوا : فاجعل المجلس واحداً فاقبل علينا وولِّ ظهرك عليهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية : { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ } " قال مجاهد : قالت قريش : لولا بلال وابن أم عبد لبايعنا محمداً ، فأنزل الله هذه الآية : { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ } ، قال ابن عباس : يعني : يعبدون ربهم بالغداة والعشي ، يعني : صلاة الصبح وصلاة العصر ، ويُروى عنه : أن المراد منه الصلوات الخمس ، وذلك أن ناساً من الفقراء كانوا مع النبيّ عليه السلام ، فقال ناس من الأشراف : إذا صلّينا فأَخّر هؤلاء فليصلوا خلفنا ، فنزلت هذه الآية ، وقال مجاهد : صليت الصبح مع سعيد بن المسيّب : فلمّا سلّم الإمام ابتدر الناس القاص ، فقال سعيد : ما أسرع الناس إلى هذا المجلس قال مجاهد : فقلت يتأوّلون قوله : { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ } ، قال : أفي هذا هو إنما ذلك في الصلاة التي انصرفنا عنها الآن ، وقال إبراهيم النخعي : يعني يذكرون ربَّهم ، وقيل المراد منه : حقيقة الدعاء ، { يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } ، أي : يريدون الله بطاعتهم . قال ابن عباس رضي الله عنهما : يطلبون ثواب الله ، فقال : { مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَىْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَىْءٍ } ، أي : لا تكلف أمرهم ولا يتكلفون أمرك ، وقيل : ليس رزقهم عليك فتملّهم ، { فَتَطْرُدَهُمْ } ولا رزقك عليهم ، قوله : { فَتَطْرُدَهُمْ } ، جوابٌ لقوله : { مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَىْءٍ } ، وقوله : { فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } ، جوابٌ لقوله : { وَلاَ تَطْرُدِ } ، أحدهما جواب النفي والآخر جواب النهي .