Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 74-76)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عزّ وجلّ : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ لأَبِيهِ ءَازَرَ } قرأ يعقوب { آزر } بالرفع ، يعني : { آزَرُ } ، والقراءة المعروفة بالنصب ، وهو اسم أعجمي لا ينصرف فينصب في موضع الخفض . قال محمد بن إسحاق والضحاك والكلبي : آزر اسم أبي إبراهيم وهو تارخ أيضاً مثل إسرائيل ويعقوب وكان من كوثى قرية من سواد الكوفة ، وقال مقاتل بن حيان وغيره : آزر لقب لأبي إبراهيم ، واسمه تارخ . وقال سليمان التيمي : هو سبّ وعيب ، ومعناه في كلامهم المعوج ، وقيل : معناه الشيخ الهِمُّ بالفارسية ، وقال سعيد بن المسيّب ومجاهد : آزر اسم صنم ، فعلى هذا يكون في محل النصب تقديره أتتخذ آزر إلهاً ، قوله : { أَصْنَاماً ءَالِهَةً } ، دون الله ، { إِنِّىۤ أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } . { وَكَذَلِكَ نُرِىۤ إِبْرَٰهِيمَ } ، أي : كما أريناه البصيرة في دينه ، والحق في خلاف قومه كذلك نريه ، { مَلَكُوتَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } ، والملكوت الملك زيدت فيه التاء للمبالغة ، كالجبروت والرحموت والرهبوت ، قال ابن عباس : يعني خلق السمٰوات والأرض ، وقال مجاهد وسعيد بن جبير : يعني آيات السموات والأرض ، وذلك أنه أقيم على صخرة وكشف له عن ملكوت السموات والأرض حتى العرش وأسفل الأرضين ونظر إلى مكانه في الجنّة ، فذلك قوله تعالى : " وآتيناه أَجْرَهُ في الدنيا " ، يعني : أريناه مكانه في الجنّة . ورُوي عن سلمان رضي الله عنه ، ورفعه بعضهم [ عن عليّ رضي الله عنه ] " لمّا أُرِي إبراهيم ملكوت السموات والأرض أبصر رجلاً على فاحشة فدعا عليه فهلك ، ثم أبصر آخر فدعا عليه فهلك ، ثم أبصر آخر فأراد أن يدعو عليه فقال له الرب عزّ وجلّ : « يا إبراهيم إنك رجل مستجاب الدعوة ، فلا تدعونَّ على عبادي فإنما أنا من عبدي على ثلاث خصال : إمّا أن يتوب إليّ فأتوب عليه ، وإمّا أن أخرج منه نسمة تعبدني ، وإمّا أن يبعث إليّ فإن شئتُ عفوتُ عنه ، وإن شئتُ عاقبتُه » ، وفي رواية : « وإمّا أن يتولى فإنّ جهنم من ورائه » " . وقال قتادة : ملكوت السموات : الشمس والقمر والنجوم ، وملكوت الأرض الجبال والشجر والبحار . { وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلْمُوقِنِينَ } ، عطف على المعنى ، ومعناه : نُريه ملكوت السموات والأرض ، ليستدلّ به وليكون من الموقنين . { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً } ، الآية ، قال أهل التفسير : ولد إبراهيم عليه السلام في زمن نمرود بن كنعان ، وكان نمرود أول من وضع التاج على رأسه دعا الناسَ إلى عبادته ، وكان له كهان ومُنجّمون ، فقالوا له : إنه يولد في بلدك هذه السنة غلام يغيّر دين أهل الأرض ويكون هلاكك وزوال ملكك على يديه ، ويقال : إنهم وجدوا ذلك في كتب الأنبياء عليهم السلام . وقال السدي : رأى نمرود في منامه كأن كوكباً طلع فذهب بضوء الشمس والقمر حتى لم يبق لهما ضوء ، ففزع من ذلك فزعاً شديداً ، فدعا السحرة والكهنة فسألهم عن ذلك ، فقالوا : هو مولود يُولد في ناحيتك في هذه السنة ، فيكون هلاكك وهلاك مُلْكك وأهل بيتك على يديه ، فأمر بذبح كل غلام يولد في ناحيته في تلك السنة ، وأمر بعزل الرجال عن النساء ، وجعل على كل عشرة رجال رجلاً فإذا حاضت المرأة خلّى بينها وبين زوجها ، لأنهم كانوا لا يجامعون في الحيض ، فإذا طهرت حال بينهما ، فرجع آزر فوجد امرأته قد طهرت من الحيض فواقعها ، فحملت بإبراهيم عليه السلام . وقال محمد بن إسحاق : بعث نمرود إلى كل امرأة حُبلى بقرية ، فحبسها عنده إلاّ ما كان من أمِّ إبراهيم عليه السلام ، فإنه لم يعلم بحبلها لأنها كانت جارية حديثة السن ، لم يعرف الحبل في بطنها . وقال السدي : خرج نمرود بالرجال إلى معسكر ونحاهم عن النساء تخوّفاً من ذلك المولود أن يكون ، فمكث بذلك ما شاء الله ثم بدت له حاجة إلى المدينة ، فلم يأتمن عليها أحداً من قومه إلاّ آزر ، فبعث إليه ودعاه وقال له : إنّ لي حاجة أحببت أن أوصيك بها ولا أبعثك إلا لثقتي بك ، فأقسمت عليك أن لا تدنو من أهلك ، فقال آزر : أنا أشح على ديني من ذلك ، فأوصاه بحاجته ، فدخل المدينة وقضى حاجته ، ثم قال : لو دخلت على أهلي فنظرت إليهم فلمّا نظر إلى أم إبراهيم عليه السلام لم يتمالك حتى واقعها ، فحملت بإبراهيم عليه السلام . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : لمّا حملت أم إبراهيم قال الكهان لنمرود : إن الغلام الذي أخبرناك به قد حملته أمُه الليلة ، فأمر نمرود بقتل الغلمان ، فلمّا دنت ولادة أم إبراهيم عليه السلام وأخذها المخاض خرجت هاربة مخافة أن يطّلع عليها فيقتل ولدها ، فوضعته في نهر يابس ثم لفته في خرقة ووضعته في حلفاء ، فرجعت فأخبرت زوجها بأنها ولدت وأن الولد في موضع كذا وكذا فانطلق أبوه فأخذه من ذلك المكان وحفر له سرباً عند نهر ، فواراه فيه وسدّ عليه باب بصخرة مخافة السباع ، وكانت أمه تختلف إليه فترضعه . وقال محمد بن إسحاق : لمّا وجدتْ أم إبراهيم الطلق خرجت ليلاً إلى مغارة كانت قريبة منها فولدت فيها إبراهيم عليه السلام وأصلحت من شأنه ما يصنع بالمولود ، ثم سدّت عليه المغارة ورجعت إلى بيتها ثم كانت تطالعه لتنظر ما فعل فتجده حياً يمصّ إبهامه . وقال أبو روق : قالت أم إبراهيم ذات يوم : لأنظرنّ إلى أصابعه ، فوجدته يمص من أصبع ماءً ، ومن أصبع لبناً ومن أصبع عسلاً ، ومن أصبع تمراً ، ومن أصبع سمناً . وقال محمد بن إسحاق : كان آزر قد سأل أم إبراهيم عن حملها ما فعل ؟ فقالت : قد ولدتُ غلاماً فمات ، فصدقها فسكت عنها ، وكان اليوم على إبراهيم في الشباب كالشهر والشهر كالسنة ، فلم يمكث إبراهيم في المغارة إلا خمسة عشر شهراً حتى قال لأمه أخرجيني فأخرجته عِشاءً فنظرَ وتفكّر في خلق السمواتِ والأرضِ ، وقال : إن الذي خلقني ورزقني وأطعمني وسقاني لربي الذي ما لي إله غيره ، ثم نظر إلى السماء فرأى كوكباً قال : هذا ربي ، ثم أتبعه بصره ينظر إليه حتى غاب ، فلما أفل ، قال : لا أحب الآفلين . فلما رأى القمر بازغاً قال : هذا ربّي ثم أتبعه ببصره حتى غاب ، ثم طلعت الشمس هكذا إلى آخره ، ثم رجع إلى أبيه آزر وقد استقامت وجهته وعرف ربه وبرىء من دين قومه إلا أنه لم ينادهم بذلك ، فأخبره أنه ابنه وأخبرته أم إبراهيم أنه ابنه ، وأخبرته بما كانت صنعت في شأنه فَسُرَّ آزر بذلك وفرح فرحاً شديداً . وقيل : إنه كان في السرب سبع سنين ، وقيل : ثلاث عشرة سنة ، وقيل : سبع عشرة سنة ، قالوا : فلمّا شبّ إبراهيم عليه السلام ، وهو في السرب قال لأمه : مَنْ ربّي ؟ قالت : أنا ، قال : فمنْ ربُّكِ ؟ قالت : أبوك ، قال : فمن ربُّ أبي ؟ قالت : نمرود ، قال : فمنْ ربُّه ؟ قالت له : اسكت فسكت ، ثم رجعت إلى زوجها فقالت : أرأيت الغلام الذي كنّا نحدث أنه يغيّر دين أهل الأرض فإنه ابنك ، ثم أخبرته بما قال ، فأتاه أبوه آزر ، فقال له إبراهيم عليه السلام : يا أبتاه مَنْ ربي ؟ قال : أمُّك ، قال : فمن ربُّ أمي ؟ قال : أنا ، قال : فمن ربُّك ؟ قال : نمرود ، قال : فمن رب نمرود ؟ فلطمه لطمة وقال له : اسكت فلما جنَّ الليل دنا من باب السرب فنظر من خلال الصخرة فأبصر كوكباً قال : هذا ربي . ويقال : إنه قال لأبويه أخرجاني فأخرجاه من السرب وانطلقا به حين غابت الشمس ، فنظر إبراهيم إلى الإبل والخيل والغنم ، فسأل أباه ما هذه ؟ فقال : إبل وخيل وغنم ، فقال : ما لهذه بدّ من أن يكون لها ربُّ وخالق ، ثم نظر فإذا المشتري قد طلع ، ويقال : الزهرة ، وكان تلك الليلة في آخر الشهر فتأخّر طلوع القمر فيها ، فرأى الكوكب قبل القمر ، فذلك قوله عزّ وجلّ : { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلَّيْلُ } ، أي : دخل ، يقال : جنّ الليل وأجنّ الليل ، وجنّه الليل ، وأجنّ عليه الليل يجنّ جُنُوناً وجَنَاناً إذا أظلم وغطى كل شيء ، وجنون الليل سواده ، { رَأَى كَوْكَباً } قرأ أبو عمرو ( رأى ) بفتح الراء وكسر الألف ، ويكسرهما ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر ، فإن اتصل بكاف أو هاء فتحهما ابن عامر , وإن لقيها ساكن كسر الراء وفتح الهمزة حمزة وأبو بكر , وفتحهما الآخرون . { قَالَ هَـٰذَا رَبِّى } . واختلفوا في قوله ذلك : فأجراه بعضهم على الظاهر ، وقالوا : كان إبراهيم مسترشداً طالباً للتوحيد حتى وفقه الله وآتاه رشده فلم يضرّه ذلك في حال الاستدلال ، وأيضاً كان ذلك في حال طفوليته قبل قيام الحجة عليه ، فلم يكن كفراً . وأنكر الآخرون هذا القول ، وقالوا : لا يجوز أن يكون لله رسول يأتي عليه وقتٌ من الأوقات إلاَّ وهو لله موحّدٌ وبه عارف ، ومن كل معبود سواه بريء وكيف يتوهم هذا على من عصمه الله وطهّره وآتاه رشده من قبل وأخبره عنه ؟ وقال : { إِذْ جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [ الصافات : 84 ] ، وقال : { وكذلك نُري إبراهيم ملكوت السمواتِ والأرض } ، أفتراه أراه الملكوت ليوقن فلما أيقن رأى كوكباً قال : هذا ربي معتقداً ؟ فهذا ما لا يكون أبداً . ثم قالوا : فيه أربعة أوجه من التأويل : أحدها : أن إبراهيم عليه السلام أراد أن يستدرج القوم بهذا القول ويعرفهم خطأهم وجهلهم في تعظيم ما عظّموه ، وكانوا يعظّمون النجوم ويعبدونها ، ويرون أن الأمور كلها إليها فأراهم أنه معظّم ما عظموه ومُلتمس الهدى من حيث التمسوه ، فلما أفل أراهم النقص الداخل على النجوم ليثبت خطأ ما يدَّعون ، ومثل هذا مثل الحواريّ الذي ورد على قوم يعبدون الصنم ، فأظهر تعظيمه فأكرموه حتى صَدَروا في كثير من الأمور عن رأيه إلى أن دهمهم عدو فشاوروه في أمره ، فقال : الرأي أن ندعو هذا الصنم حتى يكشف عنّا ما قد أظلنا ، فاجتمعوا حوله يتضرّعون فلما تبيّن له أنه لا ينفع ولا يدفع دعاهم إلى أن يدعوا الله فدعوه فصرف عنهم ما كانوا يحذرون ، فأسلموا . والوجه الثاني من التأويل : أنه قاله على وجه الاستفهام تقديره : أهذا ربي ؟ كقوله تعالى : { أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ ٱلْخَالِدُونَ } [ الأنبياء : 34 ] ؟ ، أي : أفهمُ الخالدون ؟ وذكره على وجه التوبيخ منكراً لفعلهم ، يعني : ومثل هذا يكون رباً ، أي : ليس هذا ربي . والوجه الثالث : أنه ذكره على وجه الاحتجاج عليهم ، يقول : هذا ربي بزعمكم ؟ فلمّا غاب قال : لو كان إلهاً لمَا غاب ، كما قال : { ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيم } [ الدخان : 49 ] ، أي : عند نفسك وبزعمك ، وكما أخبر عن موسى أنه قال : { وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ } [ طه : 97 ] ، يريد إلهكَ بزعمك . والوجه الرابع : فيه إضمار وتقديره يقولون هذا ربي ؛ كقوله تعالىٰ : { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ } [ البقرة : 127 ] ، أي : يقولون ربّنَا تقبّلْ منّا . { فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لاۤ أُحِبُّ ٱلأَفِلِينَ } ، ومالا يدُومُ .