Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 63, Ayat: 1-6)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِذْ جَاءَكَ المُنَافِقُون } يعني عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه ، { قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ لَكَـٰذِبُونَ } ، لأنهم أضمروا خلاف ما أظهروا . { ٱتَّخَذُوۤاْ أَيْمَـٰنَهُمْ جُنَّةً } ، سترة ، { فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } ، منعوا الناس عن الجهاد والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم . { إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون } . { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ ءَامَنُوا } ، أقرُّوا باللسان إذا رأوا المؤمنين ، { ثُمَّ كَفَرُوا } ، إذا خلوا إلى المشركين , { فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم } ، بالكفر ، { فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } ، الإيمان . { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَـٰمُهُمْ } ، يعني أن لهم أجساماً ومناظر ، { وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ } ، فتحسب أنه صدق . قال عبد الله بن عباس : كان عبد الله بن أُبّي جسيماً فصيحاً ذلق اللسان ، فإذا قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم قوله : { كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ } ، أشباح بلا أرواح وأجسام بلا أحلام . قرأ أبو عمرو والكسائي : " خُشْب " بسكون الشين ، وقرأ الباقون بضمها . { مُسَنَّدة } ممالة إلى جدار , من قولهم : أسندت الشيء , إذا أَمَلْتُه ، والتثقيل للتكثير ، وأراد أنها ليست بأشجار تثمر , ولكنها خشب مسندة إلى حائط ، { يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ } ، أي لا يسمعون صوتاً في العسكر بأن نادى منادٍ أو انفلتت دابة أو أنشدت ضالة , إلا ظنوا - من جبنهم وسوء ظنهم - أنهم يُرادون بذلك , وظنوا أنهم قد أُتوا , لما في قلوبهم من الرعب . وقيل : ذلك لكونهم على وجل من أن ينزل الله فيهم أمراً يهتك أستارهم ويبيح دماءهم ثم قال ، { هُمُ العَدُوّ } ، هذا ابتداء وخبره ، { فَـٱحْذَرْهُمْ } ، ولا تأمنهم ، { قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ } ، لعنهم الله { أَنَّى يُؤْفَكُونَ } ، يصرفون عن الحق . { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ } ، أي عطفوا وأعرضوا بوجوههم رغبة عن الاستغفار . قرأ نافع ويعقوب " لَوَوا " بالتخفيف , وقرأ الآخرون بالتشديد ، لأنهم فعلوه مرة بعد مرة . { وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدّونَ } ، يُعرضون عمّا دُعُوا إليه ، { وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ } ، متكبرون عن استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم . { سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ } ، يا محمد ، { أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلفَـٰسِقِين } , ذكر محمد بن إسحاق وغيره عن جماعة , من أصحاب السير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بَلَغَهُ : أن بني المصطلق يجتمعون لحربه وقائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو جويرة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم يقال له المُرَيْسيع من ناحية قُدَيْد إلى الساحل ، فتزاحف الناس واقتتلوا فهزم الله بني المصطلق ، وقتل من قتل منهم ، ونقل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناءهم ونساءهم وأموالهم فأفاءها عليهم ، فبينما الناس على ذلك الماء إذ وردت واردة الناس ومع عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار ، يقال له جهجاه بن سعيد الغفاري يقود له فرسه فازدحم جهجاه وسنان بن وبرة الجهني , حليف بني عوف بن الخزرج , على ذلك الماء فاقتتلا ، فصرخ الجهني : يا معشر الأنصار ! وصرخ الغفاري : يا معشر المهاجرين ! وأعان جهجاهاً الغفاريَّ رجلٌ من المهاجرين يقال له جُعال ، وكان فقيراً , فغضب عبد الله بن أُبّي بن سلول وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم , غلام حديث السن ، فقال ابن أُبّي : أفعلوها ؟ قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا , والله ما مَثَلُنا ومثلُهم إلا كما قال القائل : سمِّن كلبك يأكلْك ، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليُخْرِجَنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ ، يعني بالأعز نفسه وبالأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أقبل على من حضره من قومه فقال : هذا ما فعلتم بأنفسكم , أحللتموهم بلادكم ، وقاسمتموهم أموالكم ، أما والله لو أمسكتم عن جعال وذويه فضل الطعام لم يركبوا رقابكم , ولتحولوا إلى غير بلادكم ، فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضُّوا من حول محمد ، فقال زيد بن أرقم : أنتَ - والله - الذليل القليل المبغض في قومك , ومحمد صلى الله عليه وسلم في عزّ من الرحمن عزّ وجلّ ومودة من المسلمين ، فقال عبد الله بن أبي : أسكت , فإنما كنتُ ألعب . قال : فمشى زيد بن أرقم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك بعد فراغه من العدو , فأخبره الخبر , وعنده عمر بن الخطاب , فقال : دعني أضرب عنقه يا رسول الله ، قال : كيف يا عمر إذا تحدَّث الناس أن محمداً يقتل أصحابه ؟ ولكن أذّن بالرحيل وذلك في ساعة لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتحل فيها فارتحل الناس . وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أُبّي فأتاه فقال : أنت صاحب هذا الكلام الذي بلغني ؟ فقال عبد الله : والذي أنزل عليك الكتاب ما قلتُ شيئاً من ذلك ، وإن زيداً لكاذبٌ ، وكان عبد الله في قومه شريفاً عظيماً ، فقال من حضر من الأنصار من أصحابه : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم عسى أن يكون الغلام أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قاله . فَعَذَره النبي صلى الله عليه وسلم وفَشَتِ الملامةُ في الأنصار لزيدٍ , وكذَّبوه ، وقال له عمه وكان زيد معه : ما أردت إلى أن كذبك رسول الله صلى الله عليه وسلم , والناسُ مَقَتُوك , وكان زيد يساير النبي صلى الله عليه وسلم فاستحيا أن يدنو من النبي صلى الله عليه وسلم . فلما استقلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار لقيه أسيد بن حضير فحياه بتحية النبوة وسلم عليه ، ثم قال : يا رسول الله لقد رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح فيها . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أو ما بلغك ما قال صاحبكم عبد الله بن أٌبّي ؟ قال : وما قال ؟ قال : زعم إن رجع إلى المدينة أخرج الأعز منها الأذل . فقال أسيد : فأنت والله يا رسول الله تخرجه إن شئت ، هو والله الذليل وأنت العزيز ، ثم قال : يا رسول الله أرفق به فوالله لقد جاء الله بك ، وإن قومه ينظمون له الخرز ليتوجوه فإنه ليرى أنك قد استلبته ملكاً " . وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أُبيّ ما كان من أمر أبيه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي لِمَا بلغك عنه ، فإن كنت فاعلاً فَمُرْنِي به , فأنا أحمل إليك رأسه ، فوالله لقد علمتِ الخزرج ما كان بها رجلٌ أبرّ بوالديه مني , وإني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله , فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد الله بن أُبي يمشي في الناس فأقتله ، فأقتل مؤمناً بكافر . فأدخل النار . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بل نرفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا " . قالوا : وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم يومهم ذلك حتى أمسى , وليلتهم حتى أصبح , وصدر يومهم حتى آذتهم الشمس ، ثم نزل بالناس فلم يكن إلا أن وجدوا مسَّ الأرض وقعوا نياماً . وإنما فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس من حديث عبد الله بن أُبي . ثم راح بالناس حتى نزل على ماء بـ الحجاز فُوَيْقَ النَّقِيع ، يقال له نقعاً فهاجت ريح شديدة آذتهم وتخوَّفوها ، وضلّت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم وذلك ليلاً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تخافوا فإنما هبَّتْ لموت عظيم من عظماء الكفار توفي بالمدينة ، قيل : من هو ؟ قال : رفاعة بن زيد بن التابوت ، فقال رجل من المنافقين : كيف يزعم أنه يعلم الغيب ولا يعلم مكان ناقته ؟ ألا يخبره الذي يأتيه بالوحي ! فأتاه جبريل فأخبره بقول المنافق وبمكان الناقة ، وأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ، وقال : ما أزعم أني أعلم الغيب وما أعلمه ، ولكن الله أخبرني بقول المنافق وبمكان ناقتي ، هي في الشعب قد تعلق زمامها بشجرة فخرجوا يسعون قبل الشعب فإذا هي كما قال ، فجاؤوا بها من ذلك الشعب وآمن ذلك المنافق . فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت قد مات ذلك اليوم ، وكان من عظماء اليهود وكهفاً للمنافقين ، فلما وافى رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة , قال زيد بن أرقم : جلست في البيت لما بي من الهم والحياء ، فأنزل الله تعالى سورة المنافقين في تصديق زيد وتكذيب عبد الله . فلما نزلت أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأُذن زيد وقال : " يا زيد إن الله قد صدقك وأوفى بأذنك " . وكان عبد الله بن أُبي بقرب المدينة ، فلما أراد أن يدخلها جاءه ابنه عبد الله بن عبد الله حتى أناخ ( راحلته ) على مجامع طرق المدينة ، فلما جاء عبد الله بن أبي قال : وراءك ، قال : مالك ويلك ؟ قال : لا والله لا تدخلها أبداً إلا بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولتعلمن اليوم مَنِ الأعز مِنَ الأذل ، فشكا عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع ابنه ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن خل عنه حتى يدخل ، فقال : أما إذا جاء أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنعم ، فدخل فلم يلبث إلا أياماً قلائل حتى اشتكى ومات . قالوا : فلما نزلت الآية وبان كذب عبد الله بن أُبي قيل له : يا أبا حباب إنه قد نزل فيك آيٌ شداد فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك ، فلوى رأسه ثم قال : أمرتموني أن أؤمن فآمنت ، وأمرتموني أن أعطي زكاة مالي فقد أعطيت فما بقي إلاّ أن أسجد لمحمد فأنزل الله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ } الآية .