Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 66, Ayat: 6-12)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عزّ وجلّ : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } ، قال عطاء عن ابن عباس : أي بالانتهاء عما نهاكم الله تعالى عنه والعمل بطاعته ، { وَأَهْلِيكُمْ نَاراً } ، يعني : مروهم بالخير وانهوهم عن الشر ، وعلموهم وأدبوهم , تَقُوهُمْ بذلك ناراً ، { وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ عَلَيْهَا ملاَئِكَةٌ } ، يعني خزنة النار ، { غلاظ } ، فظاظ على أهل النار ، { شداد } ، أقوياء يدفع الواحد منهم بالدفعة الواحدة سبعين ألفاً في النار , وهم الزبانية , لم يخلق الله فيهم الرحمة ، { لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون } . { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَعْتَذِرُواْ ٱلْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ تُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً } ، قرأ الحسن , وأبو بكر عن عاصم " نُصوحاً " بضم النون ، وقرأ العامة بفتحها , أي : توبة ذات نصح تنصح صاحبها بترك العود إلى ما تاب منه . واختلفوا في معناها قال عمر , وأُبيّ , ومعاذ : " التوبة النصوح " أن يتوب ثم لا يعود إلى الذنب ، كما لا يعود اللبن إلى الضرع . قال الحسن : هي أن يكون العبد نادماً على ما مضى ؛ مجمعاً على ألا يعود فيه . قال الكلبي أن يستغفر باللسان ويندم بالقلب ويمسك بالبدن . قال سعيد بن المسيب : توبة تنصحون بها أنفسكم . قال القرظي : يجمعها أربعة أشياء : الاستغفار باللسان , والإقلاع بالأبدان , وإضمار ترك العود بالجنان , ومهاجرة سيئ الإخوان . { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَـٰتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ يَوْمَ لاَ يُخْزِى ٱللَّهُ ٱلنَّبِىَّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَه } ، أي لا يعذبهم الله بدخول النار ، { نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وبأيْمَانِهِمْ } ، على الصراط ، { يقولون } ، إذ طفئ نور المنافقين ، { ربَّنَا أتْمِمْ لَنَا نُورَنَا واغْفِرْ لَنَا إنَّكَ عَلَى كُلّ شَيءٍ قَدِير } . { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } ، ثم ضرب الله مثلاً للصالحين والصالحات من النساء فقال جلّ ذكره : { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمْرَأَتَ نُوحٍ } ، واسمها واعلة ، { وَٱمْرَأَتَ لوط } ، واسمها واهلة . وقال مقاتل : والعة ووالهة . { كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحِين } ، وهما نوح ولوط عليهما السلام ، { فَخَانَتَاهُمَا } ، قال ابن عباس : ما بغت امرأة نبي قط وإنما كانت خيانتهما أنهما كانتا على غير دينهما ، فكانت امرأة نوح تقول للناس : إنه مجنون , وإذا آمن به أحد أخبرت به الجبابرة ، وأما امرأة لوط فإنها كانت تدل قومه على أضيافه , إذا نزل به ضيف بالليل أوقدت النار ، وإذا نزل بالنهار دخنت ليعلم قومه أنه نزل به ضيف . وقال الكلبي : أسرَّتا النفاق وأظهرتا الإيمان . { فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } لم يدفعا عنهما مع نبوتهما عذاب الله ، { وَقِيلَ ٱدْخُلاَ ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّٰخِلِين } ، قطع الله بهذه الآية طمع كل من يركب المعصية أن ينفعه صلاح غيره ، ثم أخبر أن معصية غيره لا تضره إذا كان مطيعاً . فقال : { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ } ، وهي آسية بنت مزاحم . قال المفسرون : لما غلب موسى السحرة آمنت امرأة فرعون , ولما تبين لفرعون إسلامها أوْتَدَ يديها ورجليها بأربعة أوتاد وألقاها في الشمس . قال سلمان : كانت امرأة فرعون تعذب بالشمس فإذا انصرفوا عنها ظلتها الملائكة . { إِذْ قَالَتْ رَبِّ ٱبْنِ لِى عِندَكَ بَيْتاً فِى ٱلجَنَّةِ } ، فكشف الله لها عن بيتها في الجنة حتى رأته . وفي القصة : أن فرعون أمر بصخرة عظيمة لتلقى عليها ، فلما أتوها بالصخرة قالت : ربِّ ابن لي عندك بيتاً في الجنة فأبصرت بيتها في الجنة من درة بيضاء ، وانتزع روحها فألقيت الصخرة على جسد لا روح فيه ، ولم تجد ألماً . وقال الحسن وابن كيسان : رفع الله امرأة فرعون إلى الجنة فهي فيها تأكل وتشرب . { وَنَجِّنِى مِن فِرْعَوْنَ وعَمَلِهِ } ، قال مقاتل : وعمله يعني الشرك . وقال أبو صالح عن ابن عباس : وعمله ، قال : جِمَاعه . { وَنَجِّنِى مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِين } ، الكافرين . { وَمَرْيَمَ ٱبْنَتَ عِمْرَانَ ٱلَّتِىۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ } ، أي في جيب درعها ، ولذلك ذكر الكناية ، { مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَـٰتِ ربِّهَا } ، يعني الشرائع التي شرعها الله للعباد بكلماته المنزلة ، { وَكُتُبِهِ } ، قرأ أهل البصرة وحفص : " وكتبه " على الجمع ، وقرأ الآخرون : " وكتابه " على التوحيد . والمراد منه الكثرة أيضاً . وأراد بكتبه التي أنزلت على إبراهيم , وموسى , وداود , وعيسى عليهم السلام . { وَكَانَتْ مِنَ ٱلقَـٰنِتِين } ، أي من القوم القانتين المطيعين لربها ولذلك لم يقل من القانتات . وقال عطاء : " من القانتين " أي من المصلين . ويجوز أن يريد بالقانتين رهطها وعشيرتها , فإنهم كانوا أهل صلاح مطيعين لله . وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " حسبك من نساء العالمين : مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون " .