Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 131-133)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ } ، يعني : الخصب والسعة والعافية ، { قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ } ، أي : نحن أهلها ومستحقوها على العادة التي جرت لنا في سعة أرزاقنا ولم يروها تفضّلاً من الله عزّ وجلّ فيشكروا عليها ، { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ } ، جدب وبلاء ورأوا ما يكرهون ، { يَطَّيَّرُواْ } يتشاءموا ، { بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ } ، وقالوا : ما أصابنا بلاء حتى رأيناهم ، فهذا من شؤم موسى وقومه . وقال سعيد بن جبير ومحمد بن المنكدر : وكان مُلْكُ فرعون أربعمائة سنة ، وعاش ستمائة وعشرين سنة لا يرى مكروهاً ، ولو كان له في تلك المدة جوع يوم أو حُمَّى ليلة ، أو وجع ساعة ، لمَا ادّعى الربوبية قط . قال الله تعالى : { أَلاَۤ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ } ، أي : انصباؤهم من الخصب والجدب والخير والشر كله من الله . وقال ابن عباس : طائرهم ما قضى الله عليهم وقدّر لهم ، وفي رواية عنه : شُؤمهم عند الله ومن قِبَل الله ، أي : إنّما جاءهم الشؤم بكفرهم بالله . وقيل : معناه الشؤم العظيم هو الذي لهم عند الله من عذاب النار ، { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } ، أن الذي أصابهم من الله . { وَقَالُوا } يعني : القبط لموسى ، { مَهْمَا تَأْتِنَا } متى ، ما كلمة تستعمل للشرط والجزاء ، { تَأْتِنَا بِهِ مِن ءَايَةٍ } ، علامة ، { لِّتَسْحَرَنَا بِهَا } ، لتنقلنا عمّا نحن عليه من الدين ، { فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } ، بمصدقين . { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلطُّوفَانَ } ، قال ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة ومحمد بن إسحاق - دخل كلام بعضهم في بعض - : لمّا آمنت السحرة ، ورجع فرعون مغلوباً ، أبى هو وقومه إلاّ الإقامة على الكفر والتمادي في الشرّ ، فتابع الله عليهم الآيات وأخذهم بالسنين ونقص من الثمرات ، فلما عالج بالآيات الأربع : العصا ، واليد ، والسنين ، ونقص الثمار ، فأبوا أن يؤمنوا فدعا عليهم ، فقال : يا رب إن عبدك فرعون علا في الأرض وطغى وعتا وإن قومه قد نقضوا عهدك ، ربِّ فخذهم بعقوبة تجعلها لهم نقمةً ولقومي عظةً ولمن بعدهم آيةً وعبرة ، فبعث الله عليهم الطوفان ، وهو الماء أرسل الله عليهم الماء وبيوت بني إسرائيل وبيوت القبط مشتبكة مختلطة ، فامتلأت بيوت القبط حتى قاموا في الماء إلى تراقيهم من جلس منهم غرق ، ولم يدخل بيوتَ بني إسرائيل من الماءِ قطرة ، وركد الماء على أرضهم لا يقدرون أن يحرثوا ولا يعملوا شيئاً ، ودام ذلك عليهم سبعة أيام من السبت إلى السبت . وقال مجاهد وعطاء : الطوفان الموت . وقال وهب : الطوفان الطاعون بلغة اليمن . وقال أبو قلابة : الطوفان الجدري ، وهم أول من عذّبوا به فبقي في الأرض . وقال مقاتل : الطوفان الماء طغى فوق حروثهم . وروي عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال : الطوفان أمر من الله أطاف بهم ، ثم قرأ : { فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ } [ القلم : 19 ] . قال نحاة الكوفة : الطوفان مصدر لا يُجْمَعُ كالرجحان والنقصان . وقال أهل البصرة : هو جمعٌ ، واحدها طوفانة ، فقالوا لموسى : ادعُ لنا ربك يكشف عنا المطر فنؤمن بك ونرسل معك بني إسرائيل ، فدعا ربَّه فرفع عنهم الطوفان ، فأنبت الله لهم في تلك السنة شيء لم ينبته لهم قبل ذلك من الكلأ والزرع والثمر وأخصبت بلادهم ، فقالوا : ما كان هذا الماء إلا نعمة علينا وخصباً ، فلم يؤمنوا وأقاموا شهراً في عافية ، فبعث الله عليهم الجراد فأكل عامة زروعهم وثمارهم وأوراق الشجر حتى كان يأكل الأبواب وسقوف البيوت والخشب والثياب والأمتعة ومسامير الأبواب من الحديد حتى تقع دورهم ، وابتلى الجراد بالجوع ، فكان لا يشبع ولم يصب بني إسرائيل شيء من ذلك فعجوا وضجّوا ، وقالوا : يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشف عنا الرجز لنؤمننّ لك ، وأعطوه عهد الله وميثاقه ، فدعا موسى عليه السلام ربه فكشف الله عنهم الجراد بعدما أقام عليهم سبعة أيام من السبت إلى السبت . وفي الخبر : " مكتوب على صدر كل جرادة جند الله الأعظم " . ويقال : إن موسى برز إلى الفضاء فأشار بعصاه نحو المشرق والمغرب فرجعت الجراد من حيث جاءت ، وكانت قد بقيت من زروعهم وغلاتهم بقية ، فقالوا : قد بقي لنا ما هو كافينا فما نحن بتاركي ديننا ، فلم يفوا بما عاهدوا ، وعادوا إلى أعمالهم السوء فأقاموا شهراً في عافية ، ثم بعث الله عليهم القمل . واختلفوا في القمل ، فروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : القمل السوس الذي يخرج من الحنطة . وقال مجاهد والسدي وقتادة والكلبي : القمل الدَّبى والجراد الطيارة التي لها أجنحة ، والدَّبى الصغار التي لا أجنحة لها . وقال عكرمة : هي بنات الجراد . وقال أبو عبيدة : وهو الحمْنَان وهو ضرب من القراد . وقال عطاء الخراساني : هو القَمْل . وبه قرأ الحسن ( القَمْل ) بفتح القاف وسكون الميم . قالوا : أمر الله موسى أن يمشي إلى كثيب أعفر ، بقرية من قرى مصر تدعى عين شمس ، فمشى موسى إلى ذلك الكثيب وكان أهيل فضربه بعصاه فانثال عليهم القمل ، فتتبع ما بقي من حروثهم وأشجارهم ونباتهم فأكله ، ولحس الأرض كلها وكان يدخل بين ثوب أحدهم وجلده فيعضّه ، وكان أحدهم يأكل الطعام فيمتلىء قملاً . قال سعيد بن المسيّب : القمل السوس الذي يخرج من الحبوب ، وكان الرجل يخرج عشرة أجربة إلى الرحا فلا يرد منها ثلاثة أقفزة ، فلم يصابوا ببلاء كان أشدّ عليهم من القمل ، وأخذ أشعارهم وأبشارهم وأشفار عيونهم وحواجبهم ولزم جلودهم كأنه الجدري عليهم ومنعهم النوم والقرار فصرخوا وصاحوا إلى موسى : أنا نتوب فادع لنا ربك يكشف عنّا البلاء ، فدعا موسى عليه السلام الله فرفع الله القمل عنهم بعدما أقام عليهم سبعة أيام من السبت إلى السبت ، فمكثوا وعادوا إلى أخبث أعمالهم ، وقالوا : ما كنّا قط أحق أن نستيقن أنه ساحر منا اليوم يجعل الرمل دواب ، فدعا موسى بعدما أقاموا شهراً في عافية ، فأرسل الله عليهم الضفادع فامتلأت منها بيوتهم وأفنيتهم وأطعمتهم وآنيتهم ، فلا يكشف أحدٌ إناءً ولا طعاماً إلاّ وجد فيه الضفادع ، وكان الرجل يجلس في الضفادع إلى ذقنه ويهمّ أن يتكلم فيثب الضفدع في فيه ، وكانت تثب في قدورهم فتفسد عليهم طعامهم وتطفىء نيرانهم ، وكان أحدهم يضطجع فتركبه الضفادع فتكون عليه ركاماً حتى ما يستطيع أن ينصرف إلى شقه الآخر ويفتح فاه لأكلته فيسبق الضفدعُ أكلتَه إلى فيه ، ولا يعجن عجيناً إلا تشدخت فيه ، ولا يفتح قدراً إلا امتلأت ضفادع ، فلقوا منها أذىً شديداً . روى عكرمة عن ابن عباس قال : كانت الضفادع برية ، فلما أرسلها الله على آل فرعون سمعت وأطاعت فجعلت تقذف أنفسها في القدور وهي تغلي ، وفي التنانير وهي تفور ، فأثابها الله بحسن طاعتها برد الماء ، فلما رأوا ذلك بكوا وشكوا ذلك إلى موسى ، وقالوا هذه المرة نتوب ولا نعود ، فأخذ عهودهم ومواثيقهم ، ثم دعا ربه فكشف عنهم الضفادع بعدما أقام سبعاً من السبت إلى السبت ، فأقاموا شهراً في عافية ثم نقضوا العهود وعادوا إلى كفرهم ، فدعا عليهم موسى فأرسل الله عليهم الدم ، فسال النيل عليهم دماً وصارت مياههم دماً وما يستقون من الآبار والأنهار إلا وجدوه دماً عبيطاً أحمر ، فشكوا ذلك إلى فرعون وقالوا ليس لنا شراب ، فقال : إنه سحركم ، فقال القوم : من أين سحرنا ونحن لا نجد في أوعيتنا شيئاً من الماء إلا دماً عبيطاً ؟ وكان فرعون يجمع بين القبطي والإسرائيلي على الإناء الواحد فيكون ما يلي الإسرائيلي ماء والقبطي دماً ويقومان إلى الجرة فيها الماء فيخرج للإسرائيلي ماء وللقبطي دم ، حتى كانت المرأة من آل فرعون تأتي المرأة من بني إسرائيل حين جهدهم العطش فتقول : اسقني من مائك فتصب لها من قربتها فيعود في الإناء دماً حتى كانت تقول : اجعليه في فيك ثم مجيه في فيَّ ، فتأخذ في فيها ماء فإذا مّجَّتْه في فيها صار دماً ، وإن فرعون اعتراه العطش حتى إنه ليضطر إلى مضغ الأشجار الرطبة ، فإذا مضغها يصير ماؤها في فيه ملحاً أُجاجاً فمكثوا في ذلك سبعة أيام لا يشربون إلاّ الدم . قال زيد بن أسلم : الدم الذي سُلِّط عليهم كان الرعاف ، فأتوا موسى وقالوا يا موسى ادع ربَّك يكشف عنّا هذا الدم فنؤمن بك ونرسل معك بني إسرائيل ، فدعا ربّه عزّ وجلّ فكشف عنهم ، فلم يؤمنوا فذلك قوله عزّ وجلّ : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلْجَرَادَ وَٱلْقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ ءَايَـٰتٍ مُّفَصَّلاَتٍ } ، يتبع بعضها بعضاً . وتفصيلها أن كل عذاب يمتدّ أسبوعاً ، وبين كل عذابين شهراً ، { فَٱسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } .