Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 30-30)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ، هذه الآية معطوفة [ على قوله ] : { وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ } ، واذكر إذ يمكر بك الذين كفروا وإذا قالوا اللهم ، لأن هذه السورة مدنية وهذا المكر والقول إنما كانا بمكة ، ولكن الله ذكَّرهم بالمدينة كقوله تعالىٰ : { إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ } [ التوبة : 40 ] . وكان هذا المكر على ما ذكره ابن عباس وغيره من أهل التفسير : " أنّ قريشاً فَرِقوا لما أسلمت الأنصار أن يتفاقم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاجتمع نفر من كبارهم في دار الندوة ، ليتشاوروا في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت رؤوسهم عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وأبو جهل بن هشام ، وأبو سفيان ، وطعيمة بن عدي ، والنضر بن الحارث ، وأبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود ، وحكيم بن حزام ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج ، وأميّة بن خلف ، فاعترضهم إبليس لعنه الله في صورة شيخ ، فلما رأوه قالوا : من أنت ؟ قال : شيخ من نجد ، سمعت باجتماعكم ، فأردت أن أحضركم ، ولن تَعْدَمُوا مني رأياً ونصحاً ، قالوا : ادخل فدخل ، فقال أبو البختري : أمَّا أنا فأرى أن تأخذوا محمداً وتحبسوه في بيتٍ ، وتشدوا وثاقه ، وتسدّوا باب البيت غير كُوَّةٍ تلقون إليه طعامه وشرابه ، وتتربّصوا به ريب المنون حتى يهلك فيه ، كما هلك من قبله من الشعراء ، قال : فصرخ عدو الله الشيخ النجدي وقال : بئس الرأي رأيتم والله لئن حبستموه في بيت فخرج أمره من وراء الباب الذي غلَّقتم دونه إلى أصحابه فيوشك أن يثبوا عليكم ويقاتلوكم ويأخذوه من أيديكم ، قالوا : صدق الشيخ ، فقال هشام بن عمرو من بني عامر بن لؤي : أمّا أنا فأرى أن تحملوه على بعير تخرجوه من أظهركم فلا يضركم ما صنع ولا أين وقع إذا غاب عنكم واسترحتم منه ، فقال إبليس لعنه الله : ما هذا لكم برأي تعتمدون عليه ، تعمدون إلى رجل قد أفسد أحلامكم فتخرجونه إلى غيركم فيفسدهم ألم تروا إلى حلاوة منطقه وحلاوة لسانه وأخذ القلوب ما تسمع من حديثه ؟ والله لئن فعلتم ذلك ليذهبن وليستميل قلوب قوم ثم يسير بهم إليكم فيخرجكم من بلادكم ، قالوا : صدق الشيخ : فقال أبو جهل : والله لأشيرنّ عليكم برأي ما أرى غيره إني أرى أن تأخذوا من كل بطن من قريش شاباً نسيباً وسيطاً فتياً ثم يُعطى كل فتى منهم سيفاً صارماً ، ثم يضربوه ضربة رجل واحد ، فإذا قتلوه تفرَّق دمه في القبائل كلها ولا أظن هذا الحي من بني هاشم يقوون على حرب قريش كلها ، وبأنهم إذا رأوا ذلك قبلوا العقل فتؤدي قريش ديته ، فقال إبليس : صدق هذا الفتى ، وهو أجودكم رأياً ، القول ما قال لا أرى رأياً غيره فتفرقوا على قول أبي جهل وهم مجمعون له . فأتى جبريلُ النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بذلك وأمره أن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه ، وأذن الله له عند ذلك بالخروج إلى المدينة ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب أن ينام في مضجعه وقال له : تَسَّيح ببردتي هذه فإنه لن يخلص إليك منهم أمر تكرهه " ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ قبضة من تراب فأخذ الله أبصارهم عنه فجعل ينثر التراب على رؤوسهم وهو يقرأ : { إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً } [ يس : 8 ] إلى قوله : { فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } [ يس : 9 ] ، ومضى إلى الغار من ثور هو وأبو بكر ، وخلف علياً بمكة حتى يُؤدي عنه الودائع التي قبلها ، وكانت الودائع توضع عنده صلى الله عليه وسلم لصدقه وأمانته ، وبات المشركون يحرسون علياً في فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم يحسبون أنه النبي صلى الله عليه وسلم . فلما أصبحوا ثاروا إليه فرأوا علياً رضي الله عنه ، فقالوا : أين صاحبك ؟ قال : لا أدري ، فاقتصّوا أثره وأرسلوا في طلبه فلما بلغوا الغار رأوا على بابه نسج العنكبوت ، فقالوا : لو دخله لم يكن نسج العنكبوت على بابه ، فمكث فيه ثلاثاً قدم المدينة ، فذلك قوله تعالىٰ : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } . { لِيُثْبِتُوكَ } ، ليحبسوك ويسجنوك ويوثقوك ، { أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ } . قال الضحاك : يصنعون ويصنع الله ، والمكر التدبير وهو من الله التدبير بالحق ، وقيل : يجازيهم جزاء المكر ، { وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَـٰكِرِينَ } .