Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 47-48)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَـٰرِهِم بَطَراً } فخراً وأشَراً ، { وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ } ، قال الزجاج : البطر الطغيان في النعمة وترك شكرها ، والرياء : إظهار الجميل لِيُرى وإبطان القبيح ، { وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } . نزلت في المشركين حين أقبلوا إلى بدر ولهم بغيٌ وفخرٌ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللّهم هذه قريشٌ قدْ أقبلتْ بخيلائها وفخرها تُجادِلُكَ وتُكذّبُ رسولَكَ ، اللهم فنصرُكَ الذي وعدتني " ، قالوا : لما رأى أبو سفيان أنه قد أحرزَ عِيرَهُ أرسل إلى قريش أنكم إنّما خرجتُم لتمنعوا عِيْرَكم فقد نجّاها الله ، فارجعوا ، فقال أبو جهل : والله لا نرجع حتى نَرِدَ بدراً ، وكان بدرٌ موسماً من مواسم العرب يجتمع لهم بها سوق كل عام ، فنقيمَ بها ثلاثاً فننحر الجزور ونُطعم الطعام ونُسقي الخمر وتعزف علينا القيان ، وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبداً ، فوافوها فسُقوا كؤوس المنايا مكان الخمر ، وناحت عليهم النوائح مكان القيان ، فنهى الله عباده المؤمنين أن يكونوا مثلهم وأمرهم بإخلاص النية والحسبة في نصر دينه ومؤازرة نبيّه صلى الله عليه وسلم . قوله تعالى : { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ أَعْمَـٰلَهُمْ } وكان تزيينه أن قريشاً لما اجتمعت للسير ذكرت الذي بينها وبين بني بكر من الحرب ، فكاد ذلك أن يثنيهم فجاء إبليس في جند من الشياطين معه رايته ، فتبدَّى لهم في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ، { وقال } لهم : { لاَ غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ } ، أي : مجير لكم من كنانة ، { فَلَمَّا تَرَآءَتِ ٱلْفِئَتَانِ } ، أي : التقى الجمعان رأى إبليس أثر الملائكة ، نزلوا من السماء وعلم أنه لا طاقة له بهم ، { نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ } ، قال الضحاك : ولّى مدبراً . وقال النضر بن شميل : رجع القهقرى على قفاه هارباً . قال الكلبي : لما التقوا كان إبليس في صف المشركين على صورة سراقة آخذاً بيد الحارث بن هشام ، فنكص على عقبيه ، فقال له الحارث : أفراراً من غيرِ قتالٍ ؟ فجعل يمسكه فدفع في صدره وانطلق وانهزم الناس ، فلما قدموا مكّة قالوا : هزم النَّاسَ سُرَاقَةُ فبلغ ذلك سراقة ، فقال : بلغني أنكم تقولون إني هزمت الناس ، فوالله ما شعرت بمسيركم ، حتى بلغني هزيمتكم ! فقالوا : أما أتيتنا في يوم كذا ؟ فحلف لهم ، فلما أسلموا علموا أن ذلك كان الشيطان . وقال الحسن في قوله : { وَقَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنْكُمْ إِنَّيۤ أَرَىٰ مَا لاَ تَرَوْنَ } ، قال : رأى إبليس جبريل معتجراً ببرد يمشي بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي يده اللجام يقودُ الفرس ما رَكِبَ بعد . وقال قتادة : كان إبليس يقول : إني أرى ما لا ترون وصدق . وقال : { إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ } ، وكذب والله وما به مخافة الله ، ولكن علم أنه لا قوة به ولا منعة فأوردهم وأسلمهم ، وذلك عادة عدو الله في من أطاعه ، إذا التقى الحق والباطل أسلمهم وتبرأ منهم . وقال عطاء : إني أخاف الله أن يهلكني فيمن يهلك . وقال الكلبي : خاف أن يأخذه جبريل عليه السلام ويُعرّف حاله فلا يطيعوه . وقيل : معناه إني أخاف الله أي أعلم صدق وعده لأوليائه لأنه كان على ثقة من أمره . { وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } ، وقيل : معناه إني أخاف الله عليكم والله شديد العقاب . قيل : انقطع الكلام عند قوله أخاف الله ، ثم يقول الله : والله شديد العقاب . أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن إبراهيم بن أبي عُلَيَّة ، عن طلحة بن عبيدالله بن كُرِيْز . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " « ما رُؤي الشيطانُ يوماً هو فيه أصغرَ ولا أدحرَ ولا أحقرَ ولا أغيظَ منه يوم عرفة ، وما ذاك إلاّ لِمَا يرى من تَنَزُّلِ الرحمة وتجاوزِ الله تعالى عن الذنوب العِظَامِ ، إلاّ ما كان من يوم بدر » ، فقيل : وما رأى يوم بدر ؟ قال : « أما إنه قد رأى جبريل عليه السلام وهو يَزَعُ الملائكة » " هذا حديث مرسل .