Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 89, Ayat: 15-28)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَأَمَّا ٱلإِنسَانُ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ } ، امتحنه ، { رَبُّهُ } ، بالنعمة ، { فَأَكْرَمَهُ } ، بالمال ، { وَنَعَّمَهُ } ، بما وسع عليه ، { فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَكْرَمَنِ } ، بما أعطاني . { وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبْتَلَـٰهُ } ، بالفقر ، { فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ } ، قرأ أبو جعفر وابن عامر " فقدَّر " بتشديد الدال ، وقرأ الآخرون بالتخفيف ، وهما لغتان أي ضيّق عليه رزقه . وقيل : " قَدَر " بمعنى قتر وأعطاه قدر ما يكفيه . { فَيَقُولُ رَبِّيۤ أهاننِ } ، أذلني بالفقر . وهذا يعني به الكافر , تكون الكرامة والهوان عنده بكثرة المال والحظ في الدنيا وقلَّتِه . قال الكلبي ومقاتل : نزلت في أمية بن خلف الجمحي الكافر , فرد الله على من ظن أن سعة الرزق إكرامٌ وأن الفقر إهانة , فقال : { كَلاَّ } لم أَبْتَلِه بالغنى لكرامته , ولم أبتله بالفقر لهوانه ، فأخبر أن الإكرام والإهانة لا تدور على المال وسعة الرزق ، ولكن الفقر والغنى بتقديره , فيوسع على الكافر لا لكرامته ، ويقدر على المؤمن لا لهوانه ، إنما يكرم المرء بطاعته ويهينه بمعصيته . قرأ أهل الحجاز والبصرة " أكرمني وأهانني " ، بإثبات الياء في الوصل ، ويقف ابن كثير ويعقوب بالياء أيضاً ، والآخرون يحذفونها وصلاً ووقفاً . { بَل لاَّ تُكْرِمُونَ ٱلْيَتِيمَ } ، قرأ أهل البصرة " يكرمون ، ويحضون ، ويأكلون ، ويحبون " بالياء فيهن ، وقرأ الآخرون بالتاء ، { لاَّ تُكْرِمُونَ ٱلْيَتِيمَ } لا تحسنون إليه . وقيل : لا تعطونه حقه . قال مقاتل : كان قدامة بن مظعون يتيماً في حجر أمية بن خلف وكان يدفعه عن حقه . { وَلاَ تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } ، أي لا تأمرون بإطعامه ، وقرأ أبو جعفر وأهل الكوفة : " تَحَاضُّون " بفتح الحاء وألف بعدها , أي لا يحض بعضكم بعضاً عليه . { وَتَأْكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ } ، أي الميراث ، { أَكْلاً لَّمّاً } ، شديداً وهو أن يأكل نصيبه ونصيب غيره ، وذلك أنهم كانوا لا يُورِّثون النساء ولا الصبيان ، ويأكلون نصيبهم . قال ابن زيد : الأكل اللَّمُّ : الذي يأكل كل شيء يجده , لا يسأل عنه أحلال هو أم حرام ؟ ويأكل الذي له ولغيره ، يقال : لممت ، على الخِوان إذا أتيت ما عليه فأكلته . { وَتُحِبُّونَ ٱلْمَالَ حُبّاً جَمّاً } , أي كثيراً , يعني : تحبون جمع المال وتولعون به ، يقال : جمَّ الماءُ في الحوض , إذا كثر واجتمع . { كَلاَّ } ، ما هكذا ينبغي أن يكون الأمر . وقال مقاتل : أي لا يفعلون ما أمروا به من إكرام اليتيم وإطعام المسكين ، ثم أخبر عن تلهفهم على ما سلف منهم حين لا ينفعهم ، فقال عزّ من قائل : { إِذَا دُكَّتِ ٱلأَرْضُ دَكّاً دَكّاً } ، مرة بعد مرة , وكسر كل شيء على ظهرها من جبل وبناء وشجر , فلم يبق على ظهرها شيء . { وَجَآءَ رَبُّكَ } ، قال الحسن : جاء أمره وقضاؤه . وقال الكلبي : ينزل { وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } ، قال عطاء : يريد صفوف الملائكة ، وأهل كل سماء صف على حدة . قال الضحاك : أهل كل سماء إذا نزلوا يوم القيامة كانوا صفاً محيطين بالأرض ومن فيها فيكون سبعة صفوف . { وَجِىۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ } ، قال عبد الله بن مسعود ومقاتل في هذه الآية : جيء بها تقاد بسبعين ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يقودونها ، لها تغيظ وزفير حتى تنصب على يسار العرش . { يَوْمَئِذٍ } يعني يوم يجاء بجهنم ، { يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَـٰنُ } ، يتعظ ويتوب الكافر ، { وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } ، قال الزجَّاج : يظهر التوبة ومن أين له التوبة ؟ . { يَقُولُ يٰلَيْتَنِى قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى } ، أي قدمت الخير والعمل الصالح لحياتي في الآخرة ، أي لآخرتي التي لا موت فيها . { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ } ، قرأ الكسائي ويعقوب " لا يُعَذَّب " , " ولا يُوثَق " بفتح الذال والثاء على معنى لا يعذب أحدٌ في الدنيا كعذاب الله يومئذ ، ولا يوثق كوثاقه أحد يومئذ . قيل : هو رجل بعينه , هو أمية بن خلف , يعني لا يعذب كعذاب هذا الكافر أحد ، ولا يوثق كوثاقه أحد . وقرأ الآخرون بكسر الذال والثاء ، أي : لا يعذب أحد في الدنيا كعذاب الله الكافر يومئذ ، ولا يوثق كوثاقه أحد ، يعني لا يبلغ أحد من الخلق كبلاغ الله في العذاب ، والوثاق : وهو الإسار في السلاسل والأغلال . قوله عزّ وجلّ : { يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ } ، إلى ما وعد الله عزّ وجلّ المصدقة بما قال الله . وقال مجاهد : " المطمئنة " التي أيقنت أن الله تعالى ربها وصَبرت جأشاً لأمره وطاعته . وقال الحسن : المؤمنة الموقنة . وقال عطية : الراضية بقضاء الله تعالى . وقال الكلبي : الأمنة من عذاب الله . وقيل : المطمئنة بذكر الله ، بيانه : قوله { وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ } . واختلفوا في وقت هذه المقالة ، فقال قوم : يقال لها ذلك عند الموت فيقال لها : { ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ } إلى الله ، { رَاضِيَةً } ، بالثواب ، { مَّرْضِيَّةً } ، عنك . وقال الحسن : إذا أراد الله قبضها اطمأنت إلى الله ورضيت عن الله ورضي الله عنها . قال عبد الله بن عمرو : إذا توفي العبد المؤمن أرسل الله عزّ وجلّ ملكين إليه وأرسل إليه بتحفة من الجنة ، فيقال لها : اخرجي يا أيتها النفس المطمئنة ، اخرجي إلى رَوْح وريحان وربك عنك راضٍ ، فتخرج كأطيب ريح مسك وجده أحد في أنفه ، والملائكة على أرجاء السماء يقولون : قد جاء من الأرض روح طيبة ونسمة طيبة . فلا تمر بباب إلاّ فتح لها ولا بمَلَكٍ إلا صلّى عليها ، حتى يُؤتى بها الرحمن فتسجد ، ثم يقال لميكائيل : اذهب بهذه فاجعلها مع أنفس المؤمنين ، ثم يؤمر فيوسع عليه قبره سبعون ذراعاً عرضه ، وسبعون ذراعاً طوله ، وينبذ له فيه الريحان ، فإن كان معه شيء من القرآن كفاه نوره . وإن لم يكن جعل له نوره مثل الشمس في قبره ، ويكون مثله مثل العروس ، ينام فلا يوقظه إلا أحب أهله إليه . وإذا توفي الكافر أرسل الله إليه ملكين وأرسل قطعة من بجاد أنتن من كل نتن وأخشن من كل خشن ، فيقال : يا أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى جهنم وعذاب أليم وربك عليك غضبان . وقال أبو صالح في قوله : { ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } ، قال : هذا عند خروجها من الدنيا , فإذا كان يوم القيامة قيل : { فَٱدْخُلِي فِي عِبَادِي * وَٱدْخُلِي جَنَّتِي } . وقال آخرون : إنما يقال لها ذلك عند البعث يقال : ارجعي إلى ربك ، أي إلى صاحبك وجسدك ، فيأمر الله الأرواح أن ترجع إلى الأجساد ، وهذا قول عكرمة , وعطاء , والضحاك ، ورواية العوفي عن ابن عباس . وقال الحسن : معناه : ارجعي إلى ثواب ربك وكرامته , راضيةً عن الله بما أعد لك , مرضيةً , رضي عنك ربك .