Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 26-28)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ثُمَّ أَنَزلَ ٱللَّهُ } بعد الهزيمة ، { سَكِينَتَهُ } ، يعني : الأمنَة والطمأنينة ، وهي فعيلة من السكون { عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا } ، يعني : الملائكة . قيل : لا للقتال ، ولكن لتجبين الكفار وتشجيع المسلمين ، لأنه يُروى : أن الملائكة لم يقاتلوا إلاّ يوم بدر ، { وَعذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ، بالقتل والأسر وسبي العيال وسلب الأموال ، { وَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ } . { ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ } ، فيهديه إلى الإِسلام ، { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . قوله تعالى : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } الآية ، قال الضحاك وأبو عبيدة : نجس قذر . وقيل : خبيث . وهو مصدر يستوي فيه الذكر والأنثى والتثنية والجمع ، فأما النِّجْس : بكسر النون وسكون الجيم ، فلا يقال على الانفراد ، إنما يقال : رِجْسٌ نِجْسٌ ، فإذا أُفرد قيل : نَجِسٌ ، بفتح النون وكسر الجيم ، وأراد به : نجاسة الحكم لاَ نجاسةَ العين ، سُمّوا نَجَسَاً على الذم . وقال قتادة : سماهم نجساً لأنهم يُجنبون فلا يغتسلون ويُحْدثِون فلا يتوضؤون . قوله تعالى : { فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ } ، أراد منعهم من دخول الحرم لأنهم إذا دخلوا الحرم فقد قربوا من المسجد الحرام ، وأراد به الحرم وهذا كما قال تعالى : { سُبْحَانَ ٱلَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } [ الإسراء : 1 ] ، وأراد به الحرم لأنه أسرى به من بيت أم هانىء . قال الشيخ الإمام الأجل : وجملة بلاد الإسلام في حق الكفار على ثلاثة أقسام : أحدها : الحرم ، فلا يجوز للكافر أن يدخله بحال ، ذمّياً كان أو مستأمناً ، لظاهر هذه الآية ، وإذا جاء رسول من بلاد الكفار إلى الإِمام والإِمامُ في الحرم لا يأذن له في دخول الحرم ، بل يبعث إليه من يسمع رسالته خارج الحرم . وجوّز أهل الكوفة للمعاهد دخول الحرم . والقسم الثاني من بلاد الإِسلام : الحجاز ، فيجوز للكافر دخولها بالإِذن ، ولكن لا يقيم فيها أكثر من مقام السفر وهو ثلاثة أيام ، لِما رُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لئن عشتُ إن شاء الله تعالى لأخرجنّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدعَ فيها إلا مسلماً " . فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوصى فقال : " أخرجوا المشركين من جزيرة العرب " ، فلم يتفرغ لذلك أبو بكر رضي الله عنه ، وأجلاهم عمر رضي الله عنه في خلافته ، وأجَّل لمن يقدم منهم تاجراً ثلاثاً . وجزيرة العرب من أقصى عدن أبين إلى ريف العراق في الطول ، وأما العرض فمن جدة وما وَالاَهَا من ساحل البحر إلى أطراف الشام . والقسم الثالث : سائر بلاد الإسلام فيجوز للكافر أن يقيم فيها بذمة وأمان ، ولكن لا يدخلون المساجد إلاّ بإذن مسلم . قوله : { بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا } ، يعني : العام الذي حجّ فيه أبو بكر رضي الله عنه بالنّاس ، ونادَى علي كرّم الله وجهه ببراءة ، وهو سنة تسع من الهجرة . قوله : { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً } ، وذلك أنّ أهل مكة كانت معايشهم من التجارات وكان المشركون يأتون مكة بالطعام ويتجرون ، فلما مُنِعُوا من دخول الحرم خافُوا الفقر ، وضيقَ العيش ، وذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً } فقراً وفاقةً . يُقال : عال يعيل عَيْلةً إذا افتقر ، { فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } ، قال عكرمة : فأغناهم الله عزّ وجلّ بأن أنزل عليهم المطر مدراراً فكثر خيرهم . وقال مقاتل : أسلم أهل جدة وصنعاء وجريش من اليمن وجلبوا الميرة الكثيرة إلى مكة فكفاهم الله ما كانوا يخافون . وقال الضحاك وقتادة : عوّضهم الله منها الجزية فأغناهم بها .