Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 30-30)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ وَقَالَتِ ٱلنَّصَـٰرَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ } روى سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس قال : أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم جماعةٌ من اليهود : سلام بن مشكم ، والنعمان ابن أوفى وشاس بن قيس ، ومالك بن الصيف ، فقالوا : كيف نتبعك وقد تركتَ قبلتنا وأنت لا تزعم أن عزيراً ابن الله ؟ فأنزل الله عزّ وجلّ : { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ } . قرأ عاصم والكسائي ويعقوب : { عزيرٌ } بالتنوين والآخرون بغير تنوين ؛ لأنه اسم أعجمي ويشبه اسماً مصغراً ، ومن نوَّن قال لأنه اسم خفيف ، فوجهه أن يصرف ، وإن كان أعجمياً مثل نوح وهود ولوط . واختار أبو عبيدة التنوين وقال : لأن هذا ليس منسوباً إلى أبيه ، إنما هو كقولك زيد ابن الأمير وزيد ابن أختنا ، فعزيرٌ مبتدأ وما بعده خبر له . وقال عبيد بن عمير : إنما قال هذه المقالة رجل واحد من اليهود اسمه فنحاص بن عازوراء ، وهو الذي قال : { إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ } [ آل عمران : 181 ] . وروى عطية العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إنما قالت اليهود عزير ابن الله من أجل أن عزيراً كان فيهم وكانت التوراة عندهم والتابوت فيهم ، فأضاعوا التوراة وعملوا بغير الحق ، فرفع الله عنهم التابوت وأنساهم التوراة ونسخها من صدورهم ، فدعا الله عزيرُ وابتهل إليه أن يرد إليه الذي نسخ من صدورهم ، فبينما هو يصلي مبتهلاً إلى الله تعالى نزل نور من السماء فدخل جوفه فعادت إليه التوراة فأذّن في قومه ، وقال : يا قوم قد آتاني اللَّه التوراة وردها إليّ ! فعلق به الناس يعلمهم ، فمكثوا ما شاء الله تعالى ، ثم إن التابوت نزل بعد ذهابه منهم ، فلما رأوا التابوا عرضوا ما كان فيه على الذي كان يعلمهم عزير فوجدوه مثله ، فقالوا : ما أُوتي عزير هذا إلا أنه ابن الله . وقال الكلبي : إن بختنصر لما ظهر على بني إسرائيل وقتل منهم من قرأ التوراة ، وكان عزير إذ ذاك صغيراً فاستصغره فلم يقتله ، فلما رجع بنو إسرائيل إلى بيت المقدس وليس فيهم من يقرأ التوراة بعث الله عزيراً ليجدد لهم التوراة وتكون لهم آية بعد مائة سنة ، يقال : وأتاه ملك بإناء فيه ماء فسقاه فمثلت التوراة في صدره ، فلما أتاهم قال : أنا عزير فكذبوه وقالوا إن كنت كما تزعم فأملِ علينا التوراة ، فكتبها لهم . ثم إن رجلاً قال : إن أبي حدثني عن جدي أن التوراة جعلت في خابية ودفنت في كرم ، فانطلقوا معه حتى أخرجوها ، فعارضوها بما كتب لهم عزير فلم يجدوه غادر منها حرفاً ، فقالوا : إن الله لم يقذف التوراة في قلب رجل إلا أنه ابنه ، فعند ذلك قالت اليهود : عزيرٌ ابن الله . وأمّا النصارى فقالوا : المسيح ابن الله ، وكان السبب فيه أنهم كانوا على دين الإِسلام إحدى وثمانين سنة بعدما رُفع عيسى عليه السلام يُصَلُّون إلى القبلة ، ويصومون رمضان ، حتى وقع فيما بينهم وبين اليهود حرب ، وكان في اليهود رجل شجاع يقال له " بولص " قتل جملة من أصحاب عيسى عليه السلام ، ثم قال لليهود : إن كان الحق مع عيسى فقد كفرنا به والنار مصيرنا ، فنحن مغبونون إن دخلوا الجنة ودخلنا النار ، فإني أحتال وأُضِلُّهم حتى يدخلوا النار ، وكان له فرس يقال له العقاب يقاتل عليه فعرقب فرسه وأظهر الندامة ، ووضع على رأسه التراب ، فقال له النصارى : من أنت ؟ قال : بولص عدوكم ، فنوديت من السماء : ليست لك توبة إلا أن تتنصَّر ، وقد تبت . فأدخلوه الكنيسة ، ودخل بيتاً سنة لا يخرج منه ليلاً ولا نهاراً حتى تعلَّم الإِنجيل ، ثم خرج وقال : نوديت أن الله قَبِلَ توبتك ، فصدّقوه وأحبوه ، ثم مضى إلى بيت المقدس ، واستخلف عليهم نسطوراً وأعلَّمه أن عيسى ومريم والإِله كانوا ثلاثة ، ثم توجه إلى الروم وعلَّمهم اللاّهوت والنَّاسوت ، وقال : لم يكن عيسى بإنس ولا بجسم ، ولكنه ابن الله ، وعلَّم ذلك رجلاً يقال له " يعقوب " ثم دعا رجلاً يقال له مَلْكاً ، فقال له : إن الإِله لم يزل ولا يزال عيسى ، فلما استمكن منهم دعا هؤلاء الثلاثة واحداً واحداً ، وقال لكل واحد منهم : أنت خالصتي ، وقد رأيت عيسى في المنام فرضي عني . وقال لكل منهم : إني غداً أذبح نفسي ، فادعُ الناس إلى نِحْلَتِكَ ، ثم دخل المذبح فذبح نفسه وقال : إنما أفعل ذلك لمرضاة عيسى ، فلما كان يوم ثالثه دعا كلُّ واحد منهم الناسَ إلى نِحْلَتِه ، فتبع كلَّ واحد طائفةٌ من الناس ، فاختلفوا واقتتلوا فقال الله عزّ وجلّ : { وَقَالَتِ ٱلنَّصَـٰرَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَٰهِهِمْ } ، يقولون بألسنتهم من غير علم . قال أهل المعاني : لم يذكر الله تعالى قولاً مقروناً بالأفواه والألسن إلا كان ذلك زوراً . { يُضَـٰهِئُونَ } ، قرأ عاصم بكسر الهاء مهموزاً ، والآخرون بضم الهاء غير مهموز ، وهما لغتان يقال : ضاهيته وضاهأته ، ومعناهما واحد . قال ابن عباس رضي الله عنه : يشابهون . والمضاهاة المشابهة . وقال مجاهد : يوطؤون . وقال الحسن : يوافقون ، { قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ } ، قال قتادة والسدي : ضاهت النصارى قول اليهود من قبل ، فقالوا : المسيح ابن الله ، كما قالت اليهود : عزير ابن الله . وقال مجاهد : يضاهؤن قول المشركين من قبل الذين كانوا يقولون اللاّت والعُزّى ومناة بنات الله . وقال الحسن : شبّه كفرَهم بكفر الذين مضوا من الأمم الكافرة كما قال في مشركي العرب : { كَذَٰلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَـٰبَهَتْ قُلُوبُهُمْ } [ البقرة : 188 ] . وقال القتيبي : يريد أن من كان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى يقولون ما قال أوّلهم ، { قَـٰتَلَهُمُ ٱللَّهُ } ، قال ابن عباس : لعنهم الله . وقال ابن جريج : أي : قتلهم الله . وقيل : ليس هو على تحقيق المقاتلة ولكنه بمعنى التعجب ، { أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } ، أي : يصرفون عن الحق بعد قيام الأدلّة عليه .