Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 34-34)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلأَحْبَارِ وَٱلرُّهْبَانِ } ، يعني : العلماء والقراء من أهل الكتاب ، { لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَـٰطِلِ } ، يريد ليأخذون الرشا في أحكامهم ، ويُحرّفون كتاب الله ، ويكتبون بأيديهم كتباً يقولون ، هذه من عند الله ، ويأخذون بها ثمناً قليلاً من سفلتهم ، وهي المآكل التي يصيبونها منهم على تغيير نعت النبي صلى الله عليه وسلم ، يخافون لو صدقوهم لذهبت عنهم تلك المآكل ، { وَيَصُدُّونَ } ، ويصرفون الناس ، { عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } ، دين الله عزّ وجلّ . { وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } ، قال ابن عمر رضي الله عنهما : كل ما تؤدّى زكاته فليس بكنز وإن كان مدفوناً . وكل مالٍ لا تُؤدّي زكاته فهو كنز ، وإن لم يكن مدفوناً ، ومثله عن ابن عباس . أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أخبرنا عبد الغافر بن محمد أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثني سويد بن سعيد ، حدثنا حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم أن أبا صالح ذكوان أخبره أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَا مِنْ صاحب ذهبٍ ولا فِضّةٍ لا يؤدي منها حقّها إلاّ إذا كان يومُ القيامة صُفّحتْ له صفائحُ من نار ، فأحمي عليها في نار جهنم فيُكوى بها جبينُه ، وظهرُه ، كلما بردت أُعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يُقضى بين العباد ، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ، ولا صاحبَ إبلٍ لا يُؤدي منها حقّها ، ومن حقها حلبها يوم وِرْدِها إلاّ إذا كان يوم القيامة ، بُطِحَ لها بقاع قرقر ، أوفر ما كانت لا يفقد منها فصيلاً واحداً ، تطؤه بأخفافِها ، وتعضّه بأفواهها ، كلّما مرّ عليه أُوْلاها رُدّ عليه أُخراها ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يقضي بين العباد ، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ، ولا صاحبَ بَقَرٍ ولا غنم ، لا يُؤدي منها حقّها ، إلاّ إذا كان يوم القيامة ، بُطِحَ لها بقَاعٍ قرقرٍ لا يفقد منها شيئاً ليس فيها عقصاء ، ولا جلحاء ، ولا عضباءَ ، تنطحه بقرونها ، وتطؤُه بأظلافها ، كلّما مرَّ عليه أُوْلاها ، رُدّ عليه أخراها ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يَقضي الله بين العباد ، فيرى سبيله إمّا إلى الجنة وإما إلى النار " . وروينا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من آتاه الله مالاً فلم يؤدِ زكاتَه ، مُثِّلَ له مالُه يوم القيامة شجاعاً أقرع ، له زبيبتان يُطوّقه يوم القيامة ، فيأخذ بِلِهْزمتَيْه ، يعني : شِدْقيه ، ثم يقول : أنا مالُك ، أنا كنزُك " ، ثم تلا : { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ ءَاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ } الآية . وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : كل مال زاد على أربعة آلاف درهم فهو كنز ، أَدَّيْتَ منه الزكاة أو لم تُؤدِّ ، وما دونها نفقة . وقيل : ما فضل عن الحاجة فهو كنز . أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أخبرنا عبد الغافر بن محمد ، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا وكيع ، حدثنا الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبي ذر قال : " انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ظل الكعبة فلما رآني قال : " هم الأخسرون وربِّ الكعبة " ، قال : فجئت حتى جلست ، فلم أتقارّ أن قمت فقلت : يا رسول الله فداك أبي وأمي مَنْ هم ؟ قال : " هم الأكثرون أموالاً إلا من قال : هكذا وهكذا وهكذا ، من بين يديه ، ومن خلفه ، وعن يمينه ، وعن شماله ، وقليلٌ مَّا هم " . ورُوي عن أبي ذر رضي الله عنه أنه كان يقول : من ترك بيضاء ، أو حمراء ، كوي بها يوم القيامة . ورُوي عن أبي أمامة قال : " مات رجل من أهل الصُّفَّة ، فوجد في مئزره دينار ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " كَيَّةٌ " ، ثم توفي آخر فوجد في مئزره ديناران ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " كيّتان " . والقول الأول أصح ؛ لأن الآية نزلت في منع الزكاة لا في جمع المال الحلال . قال النبي صلى الله عليه وسلم : " نِعْمَ المال الصالح للرجل الصالح " . وروى عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " لما نزلت هذه الآية ، كُبَر ذلك على المسلمين وقالوا ما يستطيع أحد منا أن يدع لولده شيئاً ، فذكر عمر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " إنّ الله عزّ وجلّ لم يفرض الزكاة إلا ليطيِّبَ بها ما بقي من أموالكم " . وسُئل عمر رضي الله عنهما عن هذه الآية ؟ فقال : كان ذلك قبل أن تنزل الزكاة ، فلما أنزلت جعلها الله طُهْراً للأموال . وقال ابن عمر : ما أبالي لو أن لي مثل أحد ذهباً أعلم عدده أزكيه وأعمل بطاعة الله . قوله عزّ وجلّ : { وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } ، ولم يقل : ولا ينفقونهما ، وقد ذكر الذهب والفضة جميعاً . قيل : أراد الكنوز وأعيان الذهب والفضة . وقيل : ردّ الكناية إلى الفضة لأنها أعم ، كما قال تعالىٰ : { وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ } [ البقرة : 45 ] ، ردّ الكناية إلى الصلاة لأنها أعمُّ ، وكقوله تعالىٰ : { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَـٰرَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا } [ الجمعة : 11 ] ردّ الكناية إلى التجارة لأنها أعمُّ ، { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } . أي : أنذرهم .