Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 94, Ayat: 1-6)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } , ألم نفتح ونوسِّع ونليِّن لك قلبك بالإيمان والنبوة والعلم والحكمة . { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } ، قال الحسن , ومجاهد وقتادة , والضحاك : وحططنا عنك الذي سلف منك في الجاهلية ، وهو كقوله : { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [ الفتح : 2 ] . وقال الحسين بن الفضل : يعني الخطأ والسهو . وقيل : ذنوب أمتك فأضافه إليه لاشتغال قلبه بهم . وقال عبد العزيز بن يحيى وأبو عبيدة : يعني خففنا عنك أعباءَ النبوة والقيام بأمرها . { ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ } ، أثقل ظهرك فأوهنه حتى سُمِعَ له نقيض , أي صوت . { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } , أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي , أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي , أخبرنا أبو القاسم عبد الخالق بن علي المؤذن , حدثنا أبو بكر بن حبيب , حدثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل , حدثنا صفوان يعني ابن صالح عبد الملك , حدثنا الوليد يعني بن مسلم , حدثني عبد الله بن لهيعة عن دَّراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه سأل جبريل عليه السلام عن هذه الآية { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } ؟ قال : قال الله تعالى : " إذ ذُكِرْتُ ذُكِرْتَ معي " . وعن الحسن قال : { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } إذا ذُكرتُ ذُكرتَ معي وقال عطاء عن ابن عباس : يريد الأذان والإقامة والتشهد والخطبة على المنابر ، ولو أن عبداً عبد الله وصدَّقه في كل شيء ولم يشهد أن محمداً رسول الله لم ينتفع بشيء ، وكان كافراً . وقال قتادة : رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة ، فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ينادي أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله . وقال الضحاك : لا تقبل صلاة إلا به ولا تجوز خطبة إلاّ به ، وقال مجاهد : ورفعنا لك ذكرك يعني بالتأذين . وفيه يقول حسان بن ثابت : @ ألم تر أن الله أرسل عبدَهُ ببرهانه , والله أَعْلَى وأمْجَدُ أَغَرُّ عليه للنّبوةِ خَاتَمٌ من الله مشهودٌ يَلُوحُ ويشهَدُ وضمَّ الإلهُ اسمَ النبيِّ مع اسمهِ إذا قالَ في الخمسِ المؤذنُ : أشهدُ وشقَّ له من اسمه لِيُجِلّه فَذُو العَرْشِ محمودٌ وهذا محمدُ @@ وقيل : رفع الله ذكره بأخذ ميثاقه على النبيين وإلزامهم الإيمان به والإقرار بفضله . ثم وعده اليسر والرخاء بعد الشدة ، وذلك أنه كان بمكة في شدة , فقال الله عز وجل : { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } ، أي مع الشدة التي أنت فيها من جهاد المشركين يسراً ورخاءً بأن يظهرك عليهم حتى ينقادوا للحق الذي جئتهم به , " إن مع العسر يسراً " كرره لتأكيد الوعد وتعظيم الرجاء . وقال الحسن : لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبشروا , قد جاءكم اليسر ، لن يغلب عسرٌ يسرين " . قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه : لو كان العسر في جحر لطلبه اليسر حتى يدخل ، إنه لن يغلب عسرٌ يسرين . قال المفسرون : ومعنى قوله : " لن يغلب عسر يسرين " إن الله تعالى كرّر العُسرَ بلفظ المعرفة واليُسرَ بلفظ النكرة ، ومن عادة العرب إذا ذكرت اسماً معرّفاً ، ثم أعادته كان الثاني هو الأول ، وإذا ذكرت نكرة ثم أعادته مثله صار اثنين ، وإذا أعادته معرّفة فالثاني هو الأول ، كقولك : إذا كسبتُ درهماً أنفقتُ درهماً ، فالثاني غير الأول ، وإذا قلت : إذا كسبتَ درهماً فأنفق الدرهم ، فالثاني هو الأول ، فالعسر في الآية مكرر بلفظ التعريف ، فكان عسراً واحداً ، واليسر مكرر بلفظ التنكير ، فكانا يسرين ، فكأنه قال : فإن مع العسر يسراً ، إن مع ذلك العسر يسراً آخر . وقال أبو علي الحسن بن يحيى بن نصر الجرجاني صاحب " النظم " : تكلم الناس في قوله : " لن يغلب عسر يسرين " , فلم يحصل منه غير قولهم : إن العسر معرفة واليسر نكرة . فوجب أن يكون عسرٌ واحد ويسران ، وهذا قول مدخول ، إذا قال الرجل : إن مع الفارس سيفاً إن مع الفارس سيفاً ، فهذا لا يوجب أن يكون الفارس واحد والسيف اثنين ، فمجازُ قولهِ : " لن يغلب عُسْرٌ يسرين " أن الله بعث نبيه صلى الله عليه وسلم وهو مُقِلٌّ مخفٌّ ، فكانت قريش تعيره بذلك ، حتى قالوا : إن كان بك طلب الغنى جمعنا لك مالاً حتى تكون كأيسر أهل مكة ، فاغتمَّ النبي صلى الله عليه وسلم لذلك ، فظن أن قومه إنما يكذِّبونه لفقره ، فعدّد الله نعمه عليه في هذه السورة ، ووعده الغنى , ليسليه بذلك عمّا خامره من الغم ، فقال : { فإن مع العسر يسراً } ، مجازه : لا يحزنك ما يقولون فإن مع العسر يسراً في الدنيا عاجلاً ، ثم أَنْجَزَهُ مَا وَعَدهُ ، وفتح عليه القرى العربية ووسّع عليه ذات يده ، حتى كان يعطي المئين من الإبل , ويهب الهبات السَّنِيَّة ، ثم ابتدأ فضلاً آخر من أمر الآخرة ، فقال : إن مع العسر يسراً ، والدليل على ابتدائه : تعرِّيه من الفاء والواو , وهذا وعد لجميع المؤمنين ، ومجازه : إن مع العسر يسراً , أي : إن مع العسر في الدنيا للمؤمن يسراً في الآخرة ، فربما اجتمع له اليسران يسر الدنيا وهو ما ذكره في الآية الأولى ويسر الآخرة ، وهو ما ذكره في الآية الثانية فقوله عليه السلام : " لن يغلب عسر يسرين " أي : لن يغلب عسرُ الدنيا اليسرَ الذي وعده للمؤمنين في الدنيا واليسر الذي وعدهم في الآخرة ، وإنما يغلب أحدهما , وهو يسر الدنيا ، وأما يسر الآخرة فدائم غير زائل , أي لا يجمعهما في الغلبة , كقوله صلى الله عليه وسلم : " شهرا عيدٍ لا ينقصان " أي لا يجتمعان في النقصان .