Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 98, Ayat: 1-8)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ لَمْ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } , وهم اليهود النصارى ، { وَٱلْمُشْرِكِينَ } ، وهم عبدة الأوثان ، { مُنفَكِّينَ } منتهين عن كفرهم وشركهم , وقال أهل اللغة : زائلين منفصلين ، يقال : فككت الشيء فانفكَّ أي : انفصل ، { حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ } ، لفظه مستقبل ومعناه الماضي , أي : حتى أتتهم , الحجة الواضحة ، يعني محمد صلى الله عليه وسلم , أتاهم بالقرآن فبيّنَ لهم ضلالالتهم وجهالتهم ودعاهم إلى الإيمان . فهذه الآية فيمن آمن من الفريقين ، أخبر أنهم لم ينتهوا عن الكفر حتى أتاهم الرسول فدعاهم إلى الإيمان فآمنوا فأنقذهم الله من الجهل والضلالة , ثم فسَّر البينة فقال : { رَسُولٌ مِّنَ ٱللَّهِ يَتْلُواْ } ، يقرأ ، { صُحُفاً } ، كتباً ، يريد ما يتضمنه الصحف من المكتوب فيها ، وهو القرآن ؛ لأنه كان يتلو عن ظهر قلبه لا عن الكتاب ، قوله : { مُّطَهَّرَةً } ، من الباطل والكذب والزور . { فِيهَا } ، أي في الصحف ، { كُتُبٌ } ، يعني الآيات والأحكام المكتوبة فيها ، { قَيِّمَةٌ } ، عادلة مستقيمة غير ذات عوج . ثم ذكر من لم يؤمن من أهل الكتاب فقال : { وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِينَ أُوتواْ ٱلْكِتَـٰبَ } ، في أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، { إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ } ، أي البيان في كتبهم أنه نبي مرسل . قال المفسرون : لم يزل أهل الكتاب مجتمعين في تصديق محمد صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله ، فلما بُعث تفرقوا في أمره واختلفوا ، فآمن به بعضهم , وكفر آخرون . وقال بعض أئمة اللغة : معنى قوله " منفكِّين " أي هالكين ، من قولهم : انفك صلا المرأة عند الولادة ، وهو أن ينفصل فلا يلتئم فتهلك . ومعنى الآية : لم يكونوا هالكين معذبين إلاّ من بعد قيام الحجة عليهم بإرسال الرسول وإنزال الكتاب ، والأول أصح . ثم ذكر ما أُمروا به في كتبهم فقال : { وَمَآ أُمِرُوۤاْ } ، يعني هؤلاء الكفار ، { إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ } يعني إلا أن يعبدوا الله { مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } ، قال ابن عباس : ما أمروا في التوراة والإنجيل إلا بالإخلاص في العبادة لله موحدين ، { حُنَفَآءَ } ، مائلين عن الأديان كلها إلى دين الإسلام ، { وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ } ، المكتوبة في أوقاتها ، { وَيُؤْتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ } ، عند محلها ، { وَذَلِكَ } ، الذي أُمروا به ، { دِينُ ٱلقَيِّمَةِ } أي الملة والشريعة المستقيمة . أضاف الدين إلى القيِّمة وهي نعته , لاختلاف اللفظين ، وأنث " القيِّمة " رداً بها إلى الملة . وقيل : الهاء فيه للمبالغة ، وقيل : " القيِّمة " هي الكتب التي جرى ذكرها ، أي وذلك دين الكتب القيمة فيما تدعو إليه وتأمر به ، كما قال : { وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ } [ البقرة : 213 ] . قال النضر بن شميل : سألت الخليل بن أحمد عن قوله { وَذَلِكَ دِينُ ٱلقَيِّمَةِ } ؟ فقال : " القيِّمة " : جمع القيِّم ، والقيِّمُ والقائمُ واحدٌ ، ومجاز الآية : وذلك دين القائمين لله بالتوحيد . ثم ذكر ما للفريقين فقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ وَٱلْمُشْرِكِينَ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَـٰلِدِينَ فِيهَآ أَوْلَـٰئِكَ هُمْ شَرُّ ٱلْبَرِيَّةِ } ، قرأ نافع وابن عامر " البريئة " بالهمزة في الحرفين لأنه من قولهم : برأ الله الخلق ، وقرأ الآخرون مشدداً بغير همز , كالذرية ، ترك همزها في الاستعمال . { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ أُوْلَـٰئِكَ هُمْ خَيْرُ ٱلْبَرِيَّةِ * جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّـٰتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رِّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ } ، وتناهَى عن المعاصي . وقيل : الرضا ينقسم إلى قسمين : رضاً به ورضاً عنه ، فالرضا به : ربّاً ومُدبِّراً ، والرضا عنه : فيما يقضي ويقدِّر . قال السدي رحمه الله : إذا كنت لا ترضى عن الله فكيف تسأله الرضا عنك ؟ أخبرنا عبد الواحد المليحي , أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي , أخبرنا محمد بن يوسف , حدثنا محمد بن إسماعيل , حدثنا محمد بن بشار , حدثنا غندر , حدثنا شعبة قال : سمعت قتادة عن أنس بن مالك " قال النبي صلى الله عليه وسلم لأُبيّ : « إن الله تعالى أمرني أن أقرأ عليك : { لَمْ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } قال : وسمَّاني ؟ قال : " نعم " فبكى » " . وقال همام عن قتادة : " أمرني أن أقرأ عليك القرآن " .