Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 100, Ayat: 1-11)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلف الناس في المراد : بـ { العاديات } ، فقال ابن عباس وقتادة ومجاهد وعكرمة : أراد الخيل لأنها تعدو بالفرسان وتصيح بأصواتها ، قال بعضهم : وسببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خيلاً إلى بني كنانة سرية فأبطأ أمرها عليه حتى أرجف بهم بعض المنافقين ، فنزلت الآية معلمة أن خيله عليه السلام قد فعلت جميع ما في الآية ، وقال آخرون : القسم هو بالخيل جملة لأنها تعدو ضابحة قديماً وحديثاً ، وهي حاصرة البلاد وهادمة الممالك ، وفي نواصيها الخير إلى يوم القيامة ، وقال علي بن أبي طالب وابن مسعود وإبراهيم وعبيد بن عمير : { العاديات } في هذه الآية : الإبل لأنها تضبح في عدوها ، قال علي : والقسم بالإبل العاديات من عرفة ومن مزدلفة إذا وقع الحاج وبإبل غزوة بدر فإنه لم يكن في الغزوة غير فرسين : فرس المقداد وفرس الزبير بن العوام ، والضبح : تصويت جهير عند العدو الشديد ليس بصهيل ولا رغاء ولا نباح ، بل هو غير المعتاد من صوت الحيوان الذي يضبح . وحكي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : ليس يضبح من الحيوان غير الخيل والكلاب ، وهذا عندي لا يصح عن ابن عباس رضي الله عنه ، وذلك أن الإبل تضبح والأسود من الحيات والبوم والصدى والأرنب والثعلب ، والقوس هذه كلها قد استعملت لها العرب الضبح ، وأنشد أبو حنيفة في صفة قوس : [ الرجز ] @ حنانة من نشم أو تالب تضبح في الكف ضباح الثعلب @@ والظاهر في الآية ، أن القسم بالخيل أو بالإبل أو بهما ، قوله تعالى { فالموريات قدحاً } قال علي بن أبي طالب وابن مسعود : هي الإبل ، وذلك أنها في عدوها ترجم الحصى بالحصى فيتطاير منه النار فذلك القدح . قال ابن عباس : هي الخيل ، وذلك بحوافرها في الحجارة وذلك معروف . وقال عكرمة : { الموريات قدحاً } : هي الألسن ، فهذا على الاستعارة أي ببيانها تقدح الحجج وتظهرها . وقال مجاهد : { الموريات قدحاً } ، يريد به مكر الرجال ، وقال قتادة : { الموريات } ، الخيل تشعل الحرب ، فهذا أيضاً على الاستعارة البينة ، وقال ابن عباس أيضاً وجماعة من العلماء : الكلام عام يدخل في القسم كل من يظهر بقدحه ناراً ، وذلك شائع في الأمم طول الدهر وهو نفع عظيم من الله تعالى ، وقد وقف عليه في قوله تعالى : { أفرأيتم النار التي تورون } [ الواقعة : 71 ] معناه : تظهرون بالقدح ، قال عدي بن زيد : [ الخفيف ] @ فقدحنا زناداً وورينا فوق جرثومة من الأرض نار @@ وقوله تعالى : { فالمغيرات صبحاً } قال علي وابن مسعود : هي الإبل من مزدلفة إلى منى أو في بدر ، والعرب تقول : أغار إذا عدا جرياً ونحوه ، وقال ابن عباس وجماعة كثيرة ، هي الخيل واللفظة من الغارة في سبيل الله وغير ذلك من سير الأمم ، وعرف الغارات أنها مع الصباح لأنها تسري ليلة الغارة والنقع : الغبار الساطع المثار ، وقرأ أبو حيوة : " فأثّرن " بشد الثاء ، والضمير في { به } ظاهر أنه للصبح المذكور ، ويحتمل أن يكون للمكان والموضع الذي يقتضيه المعنى وإن كان لم يجر له ذكر ، ولهذا أمثلة كثيرة ، ومشهورة إثارة النقع هو للخيل ومنه قول الشاعر [ البسيط ] @ يخرجن من مستطير النقع دامية كأن آذانها أطراف أقلام @@ وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : هو هنا الإبل تثير النقع بأخفافها ، وقوله تعالى : { فوسطن به جميعاً } قال ابن عباس وعلي : هي الإبل ، و { جمعاً } : هي المزدلفة ، وقال ابن عباس : هي الخيل ، والمراد جمع من الناس هم المغيرون ، وقرأ علي بن أبي طالب وقتادة وابن أبي ليلى : " فوسّطن " بشد السين ، وقال بشر بن أبي حازم : [ الكامل ] @ فوسطن جمعهم وأفلت حاجب تحت العجاجة في الغبار الأقتم @@ وذكر الطبري عن زيد بن أسلم : أنه كان يكره تفسير هذه الألفاظ ، ويقول : هو قسم أقسم الله به ، وجمهور الأمة وعلماؤها مفسرون لها كما ذكرنا ، والقسم واقع على قوله : { إن الإنسان لربه لكنود } وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " " أتدرون ما الكنود ؟ " قالوا لا يا رسول الله ، قال : " هو الكفور الذي يأكل وحده ويمنع رفده ، ويضرب عبده . " وقد يكون من المؤمنين الكفور بالنعمة ، فتقدير الآية : إن الإنسان لنعمة ربه لكنود ، وأرض كنود لا تنبت شيئاً ، وقال الحسن بن أبي الحسن : الكنود اللائم لربه الذي يعد السيئات وينسى الحسنات ، والكنود العاصي بلغة كندة ، ويقال للخيل كنود ، وقال أبو زبيد : [ الخفيف ] @ إن تفتني فلم أطب بك نفساً غير أني أمنى بدهر كنود @@ وقال الفضيل : الكنود الذي تنسيه سيئة واحدة حسنات كثيرة ويعامل الله على عقد عوض ، وقوله تعالى : { وإنه على ذلك لشهيد } يحتمل الضمير أن يعود على الله تعالى ، وقاله قتادة : أي وربه شاهد عليه ، وتفسير هذا الخبر يقتضي الشهادة بذلك ، ويحتمل أن يعود على { الإنسان } أي أفعاله وأقواله وحاله المعلومة من هذه الأخلاق تشهد عليه ، فهو شاهد على نفسه بذلك ، وهذا قول الحسن ومجاهد ، والضمير في قوله تعالى : { وإنه لحب الخير } عائد على { الإنسان } لا غير ، والمعنى من أجل حب الخير إنه { لشديد } ، أي بخيل بالمال ضابط له ، ومنه قول الشاعر [ طرفة بن العبد ] : [ الطويل ] @ أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي عقيلة مال الفاحش المتشدد @@ و { الخير } المال على عرف ذلك في كتاب الله تعالى ، قال عكرمة : { الخير } حيث وقع في القرآن فهو المال ، ويحتمل أن يراد هنا الخير الدنياوي من ماله وصحة وجاه عند الملوك ونحوه ، لأن الكفار والجهال لا يعرفون غير ذلك ، فأما المحب في خير الآخرة فممدوح له مرجو له الفوز وقوله تعالى : { أفلا يعلم } ، توقيف على المال والمصير أي أفلا يعلم مآله فيستعد له ، و " بعثرة ما في القبور " : تقصيه مما يستره والبحث عنه ، وهذه عبارة عن البحث ، وفي مصحف ابن مسعود : " بحث ما في القبور " ، وفي حرف أبي : " وبحثرت القبور " ، و { تحصيل ما في الصدور } : تمييزه وكشفه ليقع الجزاء عليه من إيمان وكفر ونية ، ويفسره قول النبي صلى الله عليه وسلم : " يبعث الناس يوم القيامة على نياتهم " ، وقرأ يحيى بن يعمر ونصر بن عاصم : بفتح الحاء والصاد ، ثم استؤنف في الخبر الصادق ، الجزم بأن الله تعالى خبير بهم { يومئذ } ، ولكن خصص { يومئذ } لأنه يوم المجازاة ، فإليه طمحت النفوس ، وهذا وعيد مصرح . نجز تفسير سورة " العاديات " .