Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 101-105)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المعنى : وما وضعنا عندهم من التعذيب ما لا يستحقونه ، لكنهم ظلموا أنفسهم بوضعهم الكفر موضع الإيمان ، والعبادة في جنبة الأصنام ، فما نفعتهم تلك الأصنام ولا دفعت عنهم حين جاء عذاب الله . والـ { تتبيب } الخسران ، ومنه { تبت يدا أبي لهب } [ المسد : 1 ] ومنه قول جرير : [ الوافر ] @ عرابية من بقية قوم لوط ألا تبأ لما فعلوا تبابا @@ وصورة زيادة الأصنام التتبيب ، إنما يتصور : إما بأن تأهيلها والثقة بها والتعب في عبادتها شغلت نفوسهم وصرفتها عن النظر في الشرع وعاقتها ، فلحق عن ذلك عنت وخسران ، وإما بأن عذابهم على الكفر يزاد إليه عذاب على مجرد عبادة الأوثان . وقوله { وكذلك } الإشارة إلى ما ذكر من الأحداث في الأمم ، وهذه آية وعيد تعم قرى المؤمنين ، فإن { ظالمة } أعم من كافرة ، وقد يمهل الله تعالى بعض الكفرة ، وأما الظلمة - في الغالب فمعاجلون أما أنه يملى لبعضهم ، وفي الحديث - من رواية أبي موسى - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " ثم قرأ : { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة } الآية . وقرأ أبو رجاء العطاردي وعاصم الجحدري " ربُّك إذا أخذ القرى " وهي قراءة متمكنة المعنى ولكن قراءة الجماعة تعطي بقاء الوعيد واستمراره في الزمان ، وهو الباب في وضع المستقبل موضع الماضي . وقوله تعالى : { إن في ذلك لآية } المعنى : أن في هذه القرى وما حل بها لعبرة وعلامة اهتداء لمن خاف أمر الآخرة وتوقع أن يناله عذابها فنظر وتأمل ، فإن نظره يؤديه إلى الإيمان بالله تعالى ، ثم عظم الله أمر يوم القيامة بوصفه بما تلبس بأجنبي منه للسبب المتصل بينهما ، ويعود الضمير عليه ، و { الناس } - على هذا - مفعول لم يسم فاعله ، ويصح أن يكون { الناس } رفعاً بالابتداء و { مجموع } خبر مقدم . وهذه الآية خبر عن الحشر ، و { مشهود } عام على الإطلاق يشهده الأولون والآخرون من الإنس والملائكة والجن والحيوان ، في قول الجمهور ، وفيه - أعني الحيوان الصامت - اختلاف ، وقال ابن عباس : الشاهد : محمد عليه السلام ، و " المشهود " يوم القيامة . وقوله : { وما نؤخره } الآية ، المعنى وما نؤخر يوم القيامة عجزاً عن ذلك ، لكن القضاء السابق قد نفذ فيه بأجل محدود لا يتقدم عنه ولا يتأخر . وقرأ الجمهور " نؤخره " بالنون ، وقرأ الأعمش " يؤخره " بالياء ، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة " يوم يأت " بحذف الياء من { يأتي } في الوصل والوقف ، وقرأ ابن كثير بإثباتها في الوصل والوقف ، وقرأ نافع وأبو عمرو والكسائي بإثباتها في الوصل وحذفها في الوقف ، ورويت أيضاً كذلك عن ابن كثير ، والياء ثابتة في مصحف أبي بن كعب ، وسقطت في إمام عثمان ، وفي مصحف ابن مسعود " يوم يأتون " ، وقرأ بها الأعمش ، ووجه حذفها في الوقف التشبيه بالفواصل ، وإثباتها في الوجهين هو الأصل ، ووجه حذفها في الوصل التخفيف كما قالوا في لا أبال ولا أدر ، وأنشد الطبري : @ كفاك كف ما تليق درهماً جوداً وأخرى تعط بالسيف الدما @@ وقوله : { لا تكلم نفس } يصح أن تكون جملة في موضع الحال من الضمير الذي في { يأتي } وهو العائد على قوله : { ذلك يوم } ، ولا يجوز أن يعود على قوله : { يوم يأتي } لأن اليوم المضاف إلى الفعل لا يكون فاعل ذلك الفعل ، إذ المضاف متعرف بالمضاف إليه ، والفعل متعرف بفاعله ، وليس في نفسه شيئاً مقصوداً مستقلاً دون الفاعل ، وقولهم : سيد قومه ومولى أخيه وواحد أمه - مفارق لما لا يستقل ، فلذلك جازت الإضافة فيها ، ويكون قوله - على هذا - { يوم يأتي } في موضع الرفع بالابتداء وخبره : { فمنهم شقي وسعيد } وفي الكلام - على هذا - عائد محذوف تقديره : لا تكلم نفس فيه إلا ، ويصح أن يكون قوله : { لا تكلم نفس } صفة لقوله : { يوم يأتي } ، والخبر قوله : { فمنهم } ، ويصح أن يكون قوله : { لا تكلم نفس } ، خبراً عن قوله : { يوم يأتي } . وقوله { ذلك يوم } يراد به اليوم الذي قبله ليلته ، وقوله { يوم يأتي } يراد به الحين والوقت لا النهار بعينه ، فهو كما قال عثمان : إني رأيت ألا أتزوج يومي هذا ، وكما قال الصديق رضي الله عنه : فإن الأمانة اليوم في الناس قليل . ومعنى قوله : { لا تكلم نفس إلا بإذنه } وصف المهابة يوم القيامة وذهول العقل وهول القيامة ، وما ورد في القرآن من ذكر كلام أهل الموقف في التلاوم والتساؤل والتجادل ، فإما أن يكون بإذن وإما أن تكون هذه هنا مختصة في تكلم شفاعة أو إقامة حجة ، وقوله { فمنهم } عائد على جميع الذي تضمنه قوله : { نفس } إذ هو اسم جنس يراد به الجميع .