Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 109-111)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لفظ الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، والمعنى له ولأمته ، ولم يقع لأحد شك فيقع عنه نهي ولكن من فصاحة القول في بيان ضلالة الكفرة إخراجه في هذه العبارة ، أي حالهم أوضح من أن يمترى فيها ، والـ { مرية } : الشك ، و { هؤلاء } إشارة إلى كفار العرب عبدة الأصنام ؛ ثم قال : { ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل } . المعنى : أنهم مقلدون لا برهان عندهم ولا حجة ، وإنما عبادتهم تشبهاً منهم بآبائهم لا عن بصيرة ؛ وقوله : { وإنَّا لموفوهم نصيبهم غير منقوص } وعيد ، ومعناه : العقوبة التي تقتضيها أعمالهم ، ويظهر من قوله : { غير منقوص } أن على الأولين كفلاً من كفر الآخرين . وقرأ الجمهور " لموَفّوهم " بفتح الواو وشد الفاء ، وقرأ ابن محيصن " لموفوهم " بسكون الواو وتخفيف الفاء . وقوله تعالى : { ولقد آتينا موسى الكتاب } الآية ، تسلية لمحمد صلى الله عليه وسلم وذكر قصة موسى مثل له ، أي لا يعظم عليك أمر من كذبك ، فهذه هي سيرة الأمم ، فقد جاء موسى ، بكتاب فاختلف الناس عليه . وقوله : { ولولا كلمة سبقت من ربك } إلى آخر الآية ، يحتمل أن يريد به أمة موسى ، ويحتمل أن يريد به معاصري محمد عليه السلام ؛ وأن يعمهم اللفظ أحسن - عندي - ويؤكد ذلك قوله : { وإن كلاً } و " الكلمة " ها هنا عبارة عن الحكم والقضاء والمعنى { لقضي بينهم } أي لفصل بين المؤمن والكافر ، بنعيم هذا وعذاب هذا … ووصف " الشك " بالمريب تقوية لمعنى الشك . وقرأ الكسائي وأبو عمرو : " وإنَّ كلاًّ لمَا " بتشديد النون وتخفيف الميم من { لما } وقرأ ابن كثير ونافع بتخفيفهما ، وقرأ حمزة بتشديدهما ، وكذلك حفص عن عاصم ؛ وقرأ عاصم - في رواية أبي بكر - بتخفيف " إنْ " وتشديد الميم من " لمّا " وقرأ الزهري وسليمان بن أرقم : " وإن كلاًّ لمَّاً " بتشديد الميم وتنوينها . وقرأ الحسن بخلاف : " وإنْ كلّ لما " بتخفيف " إن " ورفع " كلٌّ " وشد " لمّا " وكذلك قرأ أبان بن تغلب إلا أنه خفف " لما " ، وفي مصحف أبيّ وابن مسعود " وإن كل إلا ليوفينهم " وهي قراءة الأعمش ، قال أبو حاتم : الذي في مصحف أبيّ : " وإن من كل إلا ليوفينهم أعمالهم " . فأما الأول فـ " إن " فيها على بابها ، و " كلاًّ " اسمها ، وعرفها أن تدخل على خبرها لام . وفي الكلام قسم تدخل لامه أيضاً على خبر " إن " فلما اجتمع لامان فصل بينهما بـ " ما " - هذا قول أبي علي - والخبر في قوله { ليوفينهم } ، وقال بعض النحاة : يصح أن تكون " ما " خبر " إن " وهي لمن يعقل لأنه موضع جنس وصنف ، فهي بمنزلة من ، كأنه قال : وإن كلاًّ لخلق ليوفينهم ؛ ورجح الطبري هذا واختاره ، اما أنه يلزم القول أن تكون " ما " موصوفة إذ هي نكرة ، كما قالوا : مررت بما معجب لك ، وينفصل بأن قوله : { ليوفينهم } يقوم معناه مقام الصفة ، لأن المعنى : وإن كلاً لخلق موفى عمله ، وأما من خففها - وهي القراءة الثانية في ترتيبنا فحكم " إن " وهي مخففة حكمها مثقلة ، وتلك لغة فصيحة ، حكى سيبويه أن الثقة أخبره : أنه سمع بعض العرب يقول : إن عمراً لمنطلق وهو نحو قول الشاعر : @ ووجه مشرق النحر كأن ثدييه حقان @@ رواه أبو زيد . ويكون القول في فصل " ما " بين اللامين حسبما تقدم ، ويدخلها القول الآخر من أن تكون " ما " خبر " إن " وأما من شددهما أو خفف " إنْ " وشدد " الميم " ففي قراءتيهما إشكال ، وذلك أن بعض الناس قال : إن " لما " بمعنى إلا ، كما تقول : سألتك لما فعلت كذا وكذا بمعنى إلا فعلت قال أبو علي : وهذا ضعيف لأن " لما " هذه لا تفارق القسم ، وقال بعض الناس : المعنى لمن ما أبدلت النون ميماً ، وأدغمت في التي بعدها فبقي " لمما " فحذفت الأولى تخفيفاً لاجتماع الأمثلة ، كما قرأ بعض القراء { والبغي يعظكم } [ النحل : 90 ] به بحذف الياء مع الياء وكما قال الشاعر : @ وأشمت العداة بنا فأضحوا لدى يتباشرون بما لقينا @@ قال أبو علي وهذا ضعيف ؛ وقد اجتمع في هذه السورة ميمات أكثر من هذه في قوله : { أمم ممن معك } [ هود : 48 ] ولم يدغم هناك فأحرى أن لا يدغم هنا . قال القاضي أبو محمد : وقال بعض الناس أصلها : لمن ما ، فـ " من " خبر " إن " و " ما " زائدة وفي التأويل الذي قبله أصله : لمن ما ، فـ " ما " هي الخبر دخلت عليها " من " على حد دخولها في قول الشاعر : @ وإنا لمن ما نضرب الكبش ضربة على رأسه تلقي اللسان من الفم @@ وقالت فرقة " لما " أصلها " لماً " منونة ، والمعنى : وإن كلاً عاماً حصراً شديداً ، فهو مصدر لم يلم ، كما قال : { وتأكلون التراث أكلاً لمَّاً } [ الفجر : 19 ] أي شديداً قالت : ولكنه ترك تنوينه وصرفه وبني منه فعلى كما فعل في تترى فقرىء : تترى . قال القاضي أبو محمد : وفي هذا نظر ، حكي عن الكسائي أنه قال : لا أعرف وجه التثقيل في " لما " ، قال أبو علي : وأما من قرأ " لمَّا " بالتنوين وشد الميم فواضح الوجه كما بينا ، وأما من قرأ : " وإن كل لما " فهي المخففة من الثقيلة ، وحقها - في أكثر لسان العرب - أن يرتفع ما بعدها ، و " لما " هنا بمعنى إلا ، كما قرأ جمهور القراء : { إن كل نفس لما عليها حافظ } [ الطارق : 4 ] . ومن قرأ " إلا " مصرحة فمعنى قراءته واضح ، وهذه الآية وعيد . وقرأ الجمهور : " يعملون " بياء على ذكر الغائب ، وقرأ الأعرج " تعملون " بتاء على مخاطبة الحاضر .