Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 17-17)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلف المتأولون في المراد بقوله { أفمن } فقالت فرقة : المراد بذلك المؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم . وقالت فرقة المراد محمد صلى الله عليه وسلم خاصة . وقال علي بن أبي طالب والحسن وقتادة ومجاهد والضحاك وابن عباس : المراد بذلك محمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنون جميعاً . وكذلك اختلف في المراد بـ " البيّنة " فقالت فرقة : المراد بذلك القرآن ، أي على جلية بسبب القرآن ، وقالت فرقة : المراد محمد صلى الله عليه وسلم والهاء في " البيّنة " للمبالغة كهاء علامة ونسابة . وكذلك اختلف في المراد بـ " الشاهد " فقال ابن عباس وإبراهيم النخعي ومجاهد والضحاك وأبو صالح وعكرمة : هو جبريل . وقال الحسين بن علي : هو محمد صلى الله عليه وسلم . وقال مجاهد أيضاً : هو ملك وكّله الله بحفظ القرآن . قال القاضي أبو محمد : ويحتمل أن يريد بهذه الألفاظ جبريل . وقال علي بن أبي طالب والحسن وقتادة : هو لسان النبي صلى الله عليه وسلم . وقالت فرقة : هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وروي ذلك عنه ، وقالت فرقة : هو الإنجيل ، وقالت فرقة : هو القرآن ، وقالت فرقة : هو إعجاز القرآن . قال القاضي أبو محمد : ويتصرف قوله { يتلوه } على معنيين : بمعنى يقرأ ، وبمعنى يتبعه ، وتصرفه بسبب الخلاف المذكور في " الشاهد " ولنرتب الآن اطراد كل قول وما يحتمل . فإذا قلنا إن قوله : " أفمن " يراد به المؤمنون : فإن جعلت بعد ذلك " البيّنة " محمد صلى الله عليه وسلم صح أن يترتب " الشاهد " الإنجيل ويكون { يتلوه } بمعنى يقرأه ، لأن الإنجيل يقرأ شأن محمد صلى الله عليه وسلم وأن يترتب جبريل عليه السلام ويكون { يتلوه } بمعنى يتبعه أي في تبليغ الشرع والمعونة فيه وأن يترتب الملك ويكون الضمير في { منه } عائداً على البيّنة التي قدرناها محمداً صلى الله عليه وسلم وأن يترتب القرآن ويكون { يتلوه } بمعنى يتبعه ، ويعود الضمير في { منه } على الرب . وإن جعلنا " البيّنة " القرآن على أن { أفمن } هم المؤمنون - صح أن يترتب " الشاهد " محمد صلى الله عليه وسلم ، وصح أن يترتب الإنجيل وصح أن يترتب جبريل والملك ، ويكون { يتلوه } بمعنى يقرأه : وصح أن يترتب " الشاهد " الإعجاز ، ويكون { يتلوه } بمعنى يتبعه ، ويعود الضمير في { منه } على القرآن . وإذا جعلنا { أفمن } للنبي صلى الله عليه وسلم ، كانت " البيّنة " القرآن ، وترتب " الشاهد " لسان محمد صلى الله عليه وسلم ، وترتب الإنجيل ، وترتب جبريل والملك ، وترتب علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وترتب الإعجاز . ويتأول { يتلوه } بحسب " الشاهد " كما قلنا ولكن هذا القول يضعفه قوله { أولئك } فإنا إذا جعلنا قوله : { أفمن } للنبي صلى الله عليه وسلم وحده لم نجد في الآية مذكورين يشار إليهم بذلك ونحتاج في الآية إلى تجوز وتشبيه بقوله تعالى : { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء } [ الطلاق : 1 ] وهو شبه ليس بالقوي . والأصح في الآية أن يكون قوله : { أفمن } للمؤمنين ، أو للمؤمنين والنبي معهم بأن لا يترتب " الشاهد " بعد ذلك يراد به النبي إذا قدرناه داخلاً في قوله : { أفمن } . وما تركناه من بسط هذا الترتيب يخرجه التدبر بسرعة فتأمله . وقرأ جمهور الناس " كتابُ " بالرفع ؛ وقرأ الكلبي وغيره " كتاباً " بالنصب فمن رفع قدر " الشاهد " الإنجيل معناه يقرأ القرآن أو محمد صلى الله عليه وسلم - بحسب الخلاف - و " الإنجيل " و " من قبل " كتاب موسى إذ في الكتابين ذكر القرآن وذكر محمد صلى الله عليه وسلم . ويصح أن يقدر الرافع " الشاهد " القرآن ، وتطرد الألفاظ بعد ذلك ، ومن نصب " كتاباً " قدر " الشاهد " جبريل عليه السلام ، أي يتلو القرآن جبريل ومن قبل القرآن كتاب موسى . قال القاضي أبو محمد : وهنا اعتراض يقال : إذ قال { من قبله كتاب موسى } أو " كتابَ " بالنصب على القراءتين : والضمير في { قبله } عائد على القرآن - فلم لم يذكر الإنجيل - وهو قبله - بينه وبين كتاب موسى ؟ فالانفصال : أنه خص التوراة بالذكر لأن الملّتين مجمعتان أنهما من عند الله ، والإنجيل ليس كذلك : فكان الاستشهاد بما تقوم به الحجة على الطائفتين أولى : وهذا يجري مع قول الجن : { إنا سمعنا كتاب أنزل من بعد موسى } [ الأحقاف : 30 ] ومع قول النجاشي : إن هذا ، والذي جاء به موسى ، لخرج من مشكاة واحدة ؛ فإنما اختصر الإنجيل من جهة أن مذهبهم فيه مخالف لحال القرآن والتوراة ، ونصب { إماماً } على الحال من { كتاب موسى } ، و { الأحزاب } ها هنا يراد به جميع الأمم ، وروى سعيد بن جبير عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما من أحد يسمع بي من هذه الأمة ، ولا من اليهود والنصارى ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار " فقلت : أين مصداق هذا من كتاب الله ؟ حتى وجدته في هذه الآية ، وكنت إذا سمعت حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم طلبت مصداقه في كتاب الله . قال القاضي أبو محمد : والراجح عندي من الأقوال في هذه الآية أن يكون { أفمن } للمؤمنين أو لهم وللنبي معهم ، إذ قد تقدم ذكر { الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار } [ هود : 16 ] ، فعقب ذكرهم بذكر غيرهم ، و " البيّنة " القرآن وما تضمن . و " الشاهد " محمد صلى الله عليه وسلم أو جبريل إذا دخل النبي في قوله : { أفمن } أو الإنجيل والضمير في { يتلوه } للبيّنة ، وفي { منه } للرب تعالى ، والضمير في { قبله } للبيّنة وغير هذا مما ذكرته آنفاً محتمل . وقرأ الجمهور " في مِرية " بكسر الميم ، وقرأ السلمي وأبو رجاء وأبو الخطاب السدوسي " في مُرية " بضم الميم ، وهما لغتان في الشك ، والضمير في { منه } عائد على كون الكفرة موعدهم النار ، وسائر الآية بيّن . وفي هذه الآية معادلة محذوفة يقتضيها ظاهر اللفظ تقديره : أفمن كان على بيّنة من ربه كمن كفر بالله وكذب أنبياءه ، ونحو هذا ، في معنى الحذف ، قوله عز وجل : { ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى } [ الرعد : 31 ] ، لكان هذا القرآن ، ومن ذلك قول الشاعر : [ الطويل ] . @ فأقسم لو شيء أتانا رسوله سواك ولكن لم نجد لك مدفعا @@ التقدير لرددناه ولم نصغ إليه .