Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 25-27)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه آية قصص فيه تمثيل لقريش وكفار العرب وإعلام محمد صلى الله عليه وسلم ببدع من الرسل . وروي أن نوحاً عليه السلام أول رسول إلى الناس . وروي أن ادريس نبي من بني آدم إلا أنه لم يرسل ، فرسالة نوح إنما كانت إلى قومه كسائر الأنبياء ، وأما الرسالة العامة فلم تكن إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم . وقرأ نافع وابن عامر وحمزة " إني " بكسر الألف ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي " أني " بفتح الألف . فالكسر على إضمار القول ، والمعنى : قال لهم : { إني لكم نذير مبين } ، ثم يجيء قوله { أن لا تعبدوا } محمولاً لـ { أرسلنا } ، أي أرسلنا نوحاً بأن لا تعبدوا إلا الله ، واعترض اثناء الكلام بقوله : { إني لكم نذير مبين } ، وفتح الألف على إعمال { أرسلنا } في " أن " أي بأني لكم نذير . قال أبو علي : وفي هذه القراءة خروج من الغيبة إلى المخاطبة . قال القاضي أبو محمد : وفي هذا نظر ، وإنما هي حكاية مخاطبته لقوله ، وليس هذا حقيقة الخروج من غيبة إلى مخاطبة ، ولو كان الكلام : أن أنذرهم ونحوه لصح ذلك . و " النذير " المحفظ من المكاره بأن يعرفها وينبه عليها و { مبين } من أبان يبين . وقوله { أن لا تعبدوا إلا الله } ظاهر في أنهم كانوا يعبدون الأوثان ونحوها ، وذلك بين في غير هذه الآية . و { أليم } معناه مؤلم ، ووصف به اليوم وحقه أن يوصف به العذاب تجوزاً إذ العذاب في اليوم ، فهو كقولهم : نهار صائم وليل قائم . و { الملأ } الجمع والأكثر من القبيلة والمدينة ونحوه ، ويسمى الأشراف ملأ إذ هم عمدة الملأ والسادّون مسدّه في الآراء والأمور ، وكل جماعة كبيرة ملأ . ولما قال لهم نوح : { إني لكم نذير … } قالوا : { ما نراك إلا بشراً مثلنا … } أي والله لا يبعث رسولاً من البشر ، فأحالوا الجائز على الله تعالى . و " الأراذل " جمع أرذل ، وقيل جمع أرذل وأرذال جمع رذل وكان اللازم على هذا أن يقال : أراذيل ؛ وإذا ثبتت الياء في جمع صيرف فأحرى ألا تزال في موضع استحقاقها . وهم سفلة الناس ومن لا أخلاق له ، ولا يبالي ما يقول ولا ما يقال له . وقرأ الجمهور " بادي الرأي " بياء دون همز ، من بدا يبدو ، ويحتمل أن يكون من بدأ مسهلاً ، وقرأ أبو عمرو وعيسى الثقفي " بادىء الرأي " بالهمز من بدأ يبدأ . قال القاضي أبو محمد : وبين القراءتين اختلاف في المعنى يعطيه التدبر ، فتركت التطويل ببسطه ، والعرب تقول : أما بادىء بدء فإني أحمد الله ، وأما بادي بدي بغير همز فيهما ، وقال الراجز : [ الرجز ] @ أضحى لخالي شبهي بادي بدي وصار للفحل لساني ويدي @@ وقال الآخر : @ وقد علتني ذرأة بادي بدي @@ وقرأ الجمهور بهمز " الرأي " وقرأ أبو عمرو بترك همزه . و { بادي } نصب على الظرف وصح أن يكون اسم الفاعل ظرفاً كما يصح في قريب ونحوه ، وفعيل وفاعل متعاقبان أبداً على معنى واحد ، وفي المصدر كقولك : جهد نفسي أحب كذا وكذا . وتعلق قوله : { بادي الرأي } يحتمل ستة أوجه : أحدها : أن يتعلق بـ { نراك } بأول نظر وأقل فكرة ، وذلك هو { بادي الرأي } ، أي إلا ومتبعوك أراذلنا . والثاني : أن يتعلق بقوله : { اتبعك } أي ، وما نراك اتبعك بادي الرأي إلا الأراذل ، ثم يحتمل على هذا قوله : { بادي الرأي } معنيين : أحدهما : أن يريد اتبعك في ظاهر أمرهم وعسى أن بواطنهم ليست معك . والثاني : أن يريد اتبعوك بأول نظر وبالرأي البادي دون تعقب ولو تثبتوك لم يتبعوك . وفي هذا الوجه ذم الرأي الغير المروي . والوجه الثالث : من تعلق قوله { بادي الرأي } أن يتعلق بقوله : { أراذلنا } أي الذين هم أراذلنا بأول نظر فيهم ، وببادي الرأي يعلم ذلك منهم ، ويحتمل أن يكون قولهم : { بادي الرأي } وصفاً منهم لنوح ، أي تدعي عظيماً وأنت مكشوف الرأي لا حصافة لك ، ونصبه على الحال وعلى الصفة ، ويحتمل أن يكون اعتراضاً في الكلام مخاطبة لمحمد صلى الله عليه وسلم . ويجيء جميع هذا ستة معان ، ويجوز التعلق في هذا الوجه بـ { قال } . ومعنى { وما نرى لكم علينا من فضل } أي ما ثم شيء تستحقون به الاتباع والطاعة . ثم قال : { بل نظنكم كاذبين } فيحتمل أنهم خاطبوا نوحاً ومن آمن معه من قومه ، أي أنتم كاذبون في تصديقكم هذا الكاذب ، وقولكم إنه نبي مرسل .