Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 50-52)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وإلى عاد } عطف على قوله { إلى قومه } [ هود : 25 ] في قصة نوح ، و { عاد } قبيلة وكانت عرباً - فيما ذكر - و " هود " عليه السلام منهم ، وجعله { أخاهم } بحسب النسب والقرابة ؛ فإن فرضناه ليس منهم فالأخوة بحسب المنشأ واللسان والجيرة . وأما قول من قال هي أخوة بحسب النسب الآدمي فضعيف . وقرأ جمهور الناس : " يا قومِ " بكسر الميم ، وقرأ ابن محيصن : " يا قومُ " برفع الميم ، وهي لغة حكاها سيبويه ، وقرأ جمهور الناس : " غيرهُ " بالرفع على النعت أو البدل من موضع قوله : { من إله } . وقرأ الكسائي وحده بكسر الراء ، حملاً على لفظ : { إله } وذلك أيضاً على النعت أو البدل ويجوز " غيرَه " نصباً على الاستثناء . و { مفترون } معناه كاذبون أفحش كذب في جعلكم الألوهية لغير الله تعالى ، والضمير في قوله : { عليه } عائد على الدعاء إلى الله تعالى ، والمعنى : ما أجري وجزائي إلا من عند الله ، ثم وصفه بقوله { الذي فطرني } فجعلها صفة رادة عليهم في عبادتهم الأصنام واعتقادهم أنها تفعل ، فجعل الوصف بذلك في درج كلامه ، منبهاً على أفعال الله تعالى ، وأنه هو الذي يستحق العبادة ، و " فطر " معناه اخترع وأنشأ ، وقوله : { أفلا تعقلون } توقيف على مجال القول بأن غير الفاطر إلاه ، ويحتمل أن يريد : { أفلا تعقلون } إذ لم أطلب عرضاً من أعراض الدنيا إني إنما أريد النفع لكم والدار الآخرة ؛ والأول أظهر ، و " الاستغفار " طلب المغفرة ، وقد يكون ذلك باللسان ، وقد يكون بإنابة القلب وطلب الاسترشاد والحرص على وجود المحجة الواضحة ، وهذه أحوال يمكن أن تقع من الكفار ، فكأنه قال لهم : اطلبوا غفران الله بالإنابة ، وطلب الدليل في نبوتي ، ثم توبوا بالإيمان من كفركم ، فيجيء الترتيب على هذا مستقيماً وإلا احتيج في ترتيب التوبة بعد الاستغفار إلى تحيل كثير فإما أن يكون : { توبوا } أمراً بالدوام ، و " الاستغفار " طلب المغفرة بالإيمان ، وإلى هذا ذهب الطبري ، وقال أبو المعالي في الإرشاد : " التوبة " في اصطلاح المتكلمين هي الندم ، بعد أن قال : إنها في اللغة الرجوع ، ثم ركب على هذا أن قال إن الكافر إذا آمن ليس إيمانه توبة وإنما توبته ندمه بعد . قال القاضي أبو محمد : والذي أقول : إن التوبة عقد في ترك متوب منه يتقدمها علم بفساد المتوب منه وصلاح ما يرجع إليه ، ويقترن بها ندم على فارط المتوب منه لا ينفك منه وهو من شروطها ؛ فأقول إن إيمان الكافر هو توبته من كفره ، لأنه هو نفس رجوعه ، و " تاب " في كلام العرب معناه رجع إلى الطاعة والمثلى من الأمور ، وتصرف اللفظة في القرآن بـ " إلى " يقتضي أنها الرجوع لا الندم ، وإنما لا حق لازم للتوبة كما قلنا ، وحقيقة التوبة ترك مثل ما تيب منه عن عزمة معتقدة على ما فسرناه ، والله المستعان . و " مدراراً " هو بناء تكثير وكان حقه أن تلحقه هاء ، ولكن حذفت على نية النسب وعلى أن { السماء } المطر نفسه ، وهو من در يدر ؛ ومِفعال قد يكون من اسم الفاعل الذي هو من ثلاثي ، ومن اسم الفاعل الذي هو من رباعي : وقول من قال : إنه ألزم للرباعي غير لازم . ويروى أن عاداً كان الله تعالى قد حبس عنها المطر ثلاث سنين ، وكانوا أهل حرث وبساتين وثمار ، وكانت بلادهم شرق جزيرة العرب ، فلهذا وعدهم بالمطر ، ومن ذلك فرحهم حين رأوا العارض ، وقولهم : { هذا عارض ممطرنا } [ الأحقاف : 24 ] وحضهم على استنزال المطر بالإيمان والإنابة ، وتلك عادة الله في عباده ، ومنه قول نوح عليه السلام " استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً " ، ومنه فعل عمر رضي الله حين جعل جميع قوله في الاستسقاء ودعائه استغفاراً فسقي ، فسئل عن ذلك ، فقال : لقد استنزلت المطر بمجاديح السماء . وقوله : { ويزدكم قوة إلى قوتكم } ، ظاهره العموم في جميع ما يحسن الله تعالى فيه إلى العباد ، وقالت فرقة : كان الله تعالى قد حبس نسلهم ، فمعنى قوله : { ويزدكم قوة إلى قوتكم } أي الولد ، ويحتمل أن خص القوة بالذكر إذ كانوا أقوى العوالم فوعدوا بالزيادة فيما بهروا فيه ، ثم نهاهم عن التولي عن الحق والإعراض عن أمر الله . و { مجرمين } حال من الضمير في { تتولوا } .