Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 103-108)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هاتان الآيتان تدلان أن الآية التي قبلهما فيها تعريض لقريش ومعاصري محمد عليه السلام ، كأنه قال : فإخبارك بالغيوب دليل قائم على نبوتك ، ولكن أكثر الناس لا يؤمنون وإن كنت أنت حريصاً على إيمانهم ، أي يؤمن من شاء الله . وقوله : { ولو حرصت } اعتراض فصيح . وقوله : { وما تسألهم } الآية ، توبيخ للكفرة وإقامة الحجة عليهم ، أي ما أسفههم في أن تدعوهم إلى الله دون أن تبغي منهم أجراً فيقول قائل : بسبب الأجر يدعوهم . وقرأ مبشر بن عبيد : " وما نسألهم " بالنون . ثم ابتدأ الله تعالى الإخبار عن كتابة العزيز . أنه ذكر وموعظة لجميع العالم - نفعنا الله به ووفر حظنا منه بعزته - . وقرأت الجماعة " وكأيّن " بهمز الألف وشد الياء ، قال سيبويه : هي كاف التشبيه اتصلت بأي ، ومعناها معنى كم في التكثير . وقرأ ابن كثير " وكائن " بمد الألف وهمز الياء ، وهو من اسم الفاعل من كان ، فهو كائن ولكن معناه معنى كم أيضاً . وقد تقدم استعاب القراءات في هذه الكلمة في قوله : { وكأين من نبي قتل } [ آل عمران : 146 ] . والـ { آيه } هنا المخلوقات المنصوبة للاعتبار والحوادث الدالة على الله سبحانه في مصنوعاته ، ومعنى { يمرون عليها } الآية - أي إذا جاء منها ما يحس أو يعلم في الجملة لم يتعظ الكافر به ، ولا تأمله ولا أعتبر به بحسب شهواته وعمهه ، فهو لذلك كالمعرض ، ونحو هذا المعنى قول الشاعر : [ الطويل ] @ تمر الصبا صفحاً بساكن ذي الغضا ويصدع قلبي أن يهب هبوبها @@ وقرأ السدي " والأرضَ " بالنصب بإضمار فعل ، والوقف - على هذا - في { السماوات } وقرأ عكرمة وعمرو بن فائد " والأرضُ " بالرفع على الابتداء ، والخبر قوله : { يمرون } وعلى القراءة بخفض " الأرضِ " فـ { يمرون } نعت الآية . وفي مصحف عبد الله : " والأرض يمشون عليها " . وقوله : { وما يؤمن أكثرهم } الآية ، قال ابن عباس : هي في أهل الكتاب الذين يؤمنون بالله ثم يشركون من حيث كفروا بنبيه ، أو من حيث قالوا عزير ابن الله ، والمسيح ابن الله . وقال عكرمة ومجاهد وقتادة وابن زيد هي في كفار العرب ، وإيمانهم هو إقرارهم بالخالق والرازق والمميت ، فسماه إيماناً وإن أعقبه إشراكهم بالأوثان والأصنام - فهذا الإيمان لغوي فقط من حيث هو تصديقها . وقيل : هذه الآية نزلت بسبب قول قريش في الطواف والتلبية : لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع أحدهم يقول : لبيك لا شريك لك ، يقول له : قط قط ، أي قف هنا ولا تزد : إلا شريك هو لك . والـ { غاشية } ما يغشي ويغطي ويغم ، وقرأ أبو حفص مبشر بن عبد الله : " يأتيهم الساعة بغتة " بالياء ، و { بغتة } معناه : فجأة ، وذلك أصعب ، وهذه الآية من قوله : { وكأين } وإن كانت في الكفار - بحكم ما قبلها - فإن العصاة يأخذون من ألفاظها بحظ ، ويكون الإيمان حقيقة والشرك لغوياً كالرياء ، فقد قال عليه السلام : " الرياء : الشرك الأصغر " . وقوله تعالى : { قل هذه سبيلي } الآية ، إشارة إلى دعوة الإسلام والشريعة بأسرها . قال ابن زيد : المعنى : هذا أمري وسنتي ومنهاجي . وقرأ ابن مسعود : " قل هذا سبيلي " " والسبيل " : المسلك ، وتؤنث وتذكر ، وكذلك الطريق ، و { بصيرة } : اسم لمعتقد الإنسان في الأمر من الحق واليقين ، و " البصيرة " أيضاً في كلام العرب : الطريقة في الدم ، وفي الحديث المشهور : " تنظر في النصل فلا ترى بصيرة " ، وبها فسر بعض الناس قول الأشعر الجعفي : @ راحوا بصائرهم على أكتافهم وبصيرتي يعدو بها عتد وأي @@ يصف قوماً باعوا دم وليهم فكأن دمه حصلت منه طرائق على أكتفاهم إذ هم موسومون عند الناس ببيع ذلك الدم . قال القاضي أبو محمد : ويجوز أن تكون " البصيرة " في بيت الأشعر على المعتقد الحق ، أي جعلوا اعتقادهم طلب النار وبصيرتهم في ذلك وراء ظهورهم ، كما تقول : طرح فلان أمري وراء ظهره . وقوله : { أنا ومن اتبعني } يحتمل أن يكون تأكيداً للضمير في { ادعوا } ويحتمل أن تكون الآية كلها أمارة بالمعروف داعية إلى الله الكفرة به والعصاة . و { سبحان الله } تنزيه لله ، أي وقل : سبحان الله ، وقل متبرئاً من الشرك . وروي أن هذه الآية : { قل هذه سبيلي } إلى آخرها كانت مرقومة على رايات يوسف عليه السلام .