Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 11-15)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الآية الأولى تقتضي أن أباهم قد كان علم منهم إرادتهم الخبيثة في جهة يوسف . وهذه أنهم علموا هم منه بعلمه ذلك . وقرأ الزهري وأبو جعفر " لا تأمنا " بالإدغام دون إشمام . ورواها الحلواني عن قالون ، وقرأ السبعة بالإشمام للضم ، وقرأ طلحة بن مصرف " لا تأمننا " وقرأ ابن وثاب والأعمش " لا تيمنا " بكسر تاء العلامة . و { غداً } ظرف أصله : غدو ، فلزم اليوم كله ، وبقي الغدو والغدوة اسمين لأول النهار ، وقال النضر بن شميل : ما بين الفجر إلى الإسفار يقال فيه غدوة . وبكرة . وقرأ أبو عمرو وأبو عامر : " نرتعْ ونلعبْ " بالنون فيهما وإسكان العين والباء ، و " نرتعْ " - على هذا - من الرتوع وهي الإقامة في الخصب والمرعى في أكل وشرب ، ومنه قول الغضبان بن القبعثري : القيد والرتعة وقلة التعتعة . ومنه قول الشاعر : [ الوافر ] @ … وبعد عطائك المائة الرتاعا @@ و " لعبهم " هذا دخل في اللعب المباح كاللعب بالخيل والرمي ونحوه ، فلا وصم عليهم في ذلك ، وليس باللعب الذي هو ضد الحق وقرين اللهو ، وقيل لأبي عمرو بن العلاء : كيف يقولون : نلعب وهم أنبياء ؟ قال : لم يكونوا حينئذ أنبياء . وقرأ ابن كثير : " نرتعِ ونلعبْ " بالنون فيهما ، وبكسر وجزم الباء ، وقد روي عنه " ويلعب " بالياء ، وهي قراءة جعفر بن محمد . و " نرتعِ " - على هذا - من رعاية الإبل : وقال مجاهد هي من المراعاة : أي يراعي بعضنا بعضاً ويحرسه ، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي " يرتع ويلعب " بإسناد ذلك كله إلى يوسف ، وقرأ نافع " يرتعِ " بالياء فيهما وكسر العين وجزم الباء ، فـ " يرتعِ " - على هذا - من رعي الإبل ؛ قال ابن زيد : المعنى : يتدرب في الرعي وحفظ المال ؛ ومن الارتعاء قول الأعشى : @ ترتعي السفح فالكثيب فذاقا ن فروض القطا فذات الرئال @@ قال أبو علي : وقراءة ابن كثير - " نرتع " بالنون و " يلعب " بالياء - فنزعها حسن ، لإسناد النظر في المال والرعاية إليهم ، واللعب إلى يوسف لصباه . وقرأ العلاء بن سيابة ، " يرتع ويلعبُ " برفع الباء على القطع . وقرأ مجاهد وقتادة : " نُرتِع " بضم النون وكسر التاء و " نلعبْ " بالنون والجزم . وقرأ ابن كثير - في بعض الروايات عنه - " نرتعي " بإثبات الياء - وهي ضعيفة لا تجوز إلا في الشعر كما قال الشاعر : [ الوافر ] @ ألم يأتيك والأنباء تنمي بما لاقت لبون بني زياد @@ وقرأ أبو رجاء " يُرتعْ " بضم الياء وجزم العين و " يلعبْ " بالياء والجزم . وعللوا طلبه والخروج به بما يمكن أن يستهوي يوسف لصباه من الرتوع واللعب والنشاط . وقوله تعالى : { إني ليحزنني } الآية . قرأ عاصم وابن كثير والحسن والأعرج وعيسى وأبو عمرو وابن محيصن " ليَحزُنني " بفتح الياء وضم الزاي ، قال أبو حاتم : وقرأ نافع بضم الياء وكسر الزاي والإدغام ، ورواية روش عن نافع : بيان النونين مع ضم الياء وكسر الزاي في جميع القرآن ، وأن الأولى فاعلة والثانية مفعولة بـ { أخاف } . وقرأ الكسائي وحده : " الذيب " دون همز وقرأ الباقون بالهمز - وهو الأصل منه جمعهم إياه على ذؤبان ، ومنه تذاءبت الريح والذئاب إذا أتت من ها هنا وها هنا . وروى رش عن نافع : " الذيب " بغير همز ، وقال نصر : سمعت أبا عمرو لا يهمز ، قال : وأهل الحجاز يهمزون . وإنما خاف يعقوب الذئب دون سواه ، وخصصه لأنه كان الحيوان العادي المنبت في القطر ، وروي أن يعقوب كان رأى في منامه ذئباً يشتد على يوسف . قال القاضي أبو محمد : وهذا عندي ضعيف لأن يعقوب لو رأى ذلك لكان وحياً ، فإما أن يخرج على وجهه وذلك لم يكن ، وإما أن يعرف يعقوب بمعرفته لعبارة مثال هذا المرئي ، فكان يتشكاه بعينه ، اللهم إلا أن يكون قوله : { أخاف أن يأكله الذئب } بمعنى أخاف أن يصيبه مثل ما رأيت من أمر الذئب - وهذا بعيد - وكذلك يقول الربيع بن ضبع : [ المنسرح ] @ والذئب أخشاه … @@ إنما خصصه لأنه كان حيوان قطره العادي ، ويحتمل أن يخصصه يعقوب عليه السلام لصغر يوسف : أي أخاف عليه هذا الحقير فما فوقه ، وكذلك خصصه الربيع لحقارته وضعفه في الحيوان ، وباقي الآية بيّن . وقوله تعالى : { فلما ذهبوا به } الآية ، أسند الطبري إلى السدي قال : ذهبوا بيوسف وبه عليهم كرامة ، فلما برزوا في البرية أظهروا له العداوة ، وجعل أخوه يضربه فيستغيث بالآخر فيضربه فجعل لا يرى منهم رحيماً ، فضربوه حتى كادوا يقتلونه ، فجعل يصيح ويقول : يا أبتاه يا يعقوب لو تعلم ما صنع بابنك بنو الإماء ، فقال لهم يهوذا : ألم تعطوني موثقاً أن لا تقتلوه ؟ فانطلقوا به إلى الجب ، فجعلوا يدلونه فيتعلق بالشفير فربطوا يديه ونزعوا قميصه . فقال : يا إخوتاه ردوا عليّ قميصي أتوارى به في الجب ، فقالوا : ادعُ الشمس والقمر والكواكب تؤنسك ؛ فدلوه حتى إذا بلغ نصف الجب ألقوه إرادة أن يموت ، فكان في الجب ماء فسقط فيه ثم قام على صخرة يبكي ، فنادوه ، فظن أنهم رحموه ، فأجابهم ، فأرادوا أن يرضخوه بصخرة ، فمنعهم يهوذا ، وكان يأتيه بالطعام . وجواب { لما } محذوف تقديره : { فلما ذهبوا به وأجمعوا } أجمعوا ، هذا مذهب الخليل وسيبويه وهو نص لهما في قول امرىء القيس : [ الطويل ] @ فلما أجزنا ساحية الحي وانتحى … @@ ومثل هذا قول الله تعالى : { فلما أسلما وتله للجبين } [ الصافات : 103 ] - وقال بعض النحاة - في مثل هذا - : إن الواو زائدة - وقوله مردود لأنه ليس في القرآن شيء زائد لغير معنى . و { أجمعوا } معناه : عزموا واتفق رأيهم عليه ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم - في المسافر - " ما لم يجمع مكثاً " ، على أن إجماع الواحد قد ينفرد بمعنى العزم والشروع ، ويتصور ذلك في إجماع إخوة يوسف وفي سائر الجماعات - وقد يجيء إجماع الجماعة فيما لا عزم فيه ولا شروع ولا يتصور ذلك في إجماع الواحد . والضمير في { إليه } عائد إلى يوسف . وقيل على يعقوب ، والأول أصح وأكثر ، ويحتمل أن يكون الوحي حينئذ إلى يوسف برسول ، ويحتمل أن يكون بإلهام أو بنوم - وكل ذلك قد قيل - وقال الحسن : أعطاه الله النبوءة وهو في الجب . قال القاضي أبو محمد : وهذا بعيد . وقرأ الجمهور : " لتنبئنهم " بالتاء ، وفي بعض مصاحف البصرة بالياء ، وقرأ سلام بالنون ، وهذا كله في العلامة التي تلي اللام . وقوله : { وهم لا يشعرون } قال ابن جريج : وقت التنبيه إنك يوسف . وقال قتادة : لا يشعرون بوحينا إليه . قال القاضي أبو محمد : فيكون قوله : { وهم لا يشعرون } - على التأويل الأول - مما أوحي إليه - وعلى القول الثاني - خبر لمحمد صلى الله عليه وسلم .