Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 19-20)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قيل إن " السيارة " جاءت في اليوم الثاني من طرحه في الجب ، { سيارة } : جمع سيار ، كما قالوا بغال وبغالة ، وهذا بعكس تمرة وتمر ، و { سيارة } : بناء مبالغة للذين يرددون السير في الطرق . وروي أن هذه " السيارة " كانوا قوماً من أهل مدين ، وقيل : قوم أعراب . و " الوارد " هو الذي يأتي الماء ليسقي منه لجماعة ، ويروى أن مدلي الدلو كان يسمى مالك بن ذعر ، ويروى أن هذا الجب كان بالأردن على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب ، ويقال : " أدلى الدلو " : إذا ألقاه في البئر ليستقي الماء . ودلاه يدلوه : إذا استقاه من البئر . وفي الكلام هنا حذف تقديره : فتعلق يوسف بالحبل فلما بصر به المدلي قال : يا بشراي ، وروي أن يوسف كان يومئذ ابن سبع سنين ، ويرجح هذا لفظة { غلام } ، فإنه ما بين الحولين إلى البلوغ ، فإن قيلت فيما فوق ذلك فعلى استصحاب حال وتجوز ؛ وقيل : كان ابن سبع عشرة سنة - وهذا بعيد - . وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر " يا بشرايَ " بإضافة البشرى إلى المتكلم وبفتح الياء على ندائها كأنه يقول : احضري ، فهذا وقتك ، وهذا نحو قوله : { يا حسرة على العباد } [ يس : 30 ] وروى ورش عن نافع " يا بشرايْ " بسكون الياء ، قال أبو علي : وفيها جمع بين ساكنين على حد دابة وشابة ، ووجه ذلك أنه يجوز أن تختص بها الألف لزيادة المد الذي فيها على المد الذي في أختيها ، كما اختصت في القوافي بالتأسيس ، واختصت في تخفيف الهمزة نحو هبأة وليس شيء من ذلك في الياء والواو . وقرأ أبو الطفيل والجحدري وابن أبي إسحاق والحسن " يا بشريَّ " تقلب الألف ياء ثم تدغم في ياء الإضافة ، وهي لغة فاشية ، ومن ذلك قول أبي ذؤيب : [ الكامل ] @ سبقوا هويّ وأعنقوا لهواهمُ فتخرموا ولكل جنب مصرع @@ وأنشد أبو الفتح وغيره في ذلك : @ يطوّف بيَّ كعب في معد ويطعن بالصملة في قفيا فإن لم تثأروا لي في معد فما أرويتما أبداً صديا @@ وقرأ حمزة والكسائي " يا بشرِي " ويميلان ولا يضيفان . وقرأ عاصم كذلك إلا أنه يفتح الراء ولا يميل ، واختلف في تأويل هذه القراءة فقال السدي : كان في أصحاب هذا " الوارد " رجل اسمه بشرى ، فناداه وأعلمه بالغلام ، وقيل : هو على نداء البشرى - كما قدمنا - والضمير في قوله : { وأسروه } ظاهر الآيات أنه لـ " وارد " الماء ، - قاله مجاهد ، وقال : إنهم خشوا من تجار الرفقة إن قالوا : وجدناه أن يشاركوهم في الغلام الموجود . قال القاضي أبو محمد : هذا إن كانوا فسقة أو يمنعوهم من تملكه إن كانوا خياراً ، فأسروا بينهم أن يقولوا : أبضعه معنا بعض أهل المصر . و { بضاعة } حال ، و " البضاعة " : القطعة من المال يتجر فيها بغير نصيب من الربح ، مأخوذة من قولهم : بضعت أي قطعت . وقيل : إنهم أسروا في أنفسهم يتخذونه بضاعة لأنفسهم أي متجراً ، ولم يخافوا من أهل الرفقة شيئاً ، ثم يكون الضمير في قوله : { وشروه } لهم أيضاً ، أي باعوه بثمن قليل ، إذ لم يعرفوا حقه ولا قدره ، بل كانوا زاهدين فيه ، وروي - على هذا - أنهم باعوه من تاجر . وقال مجاهد : الضمير في { أسروه } لأصحاب " الدلو " ، وفي { شروه } لإخوة يوسف الأحد عشر ، وقال ابن عباس : بل الضمير في { أسروه } و { شروه } لإخوة يوسف . قال القاضي أبو محمد : وذلك أنه روي أن إخوته لما رجعوا إلى أبيهم وأعلموه رجع بعضهم إلى الجب ليتحققوا أمر يوسف ، ويقفوا على الحقيقة من فقده فلما علموا أن الوراد قد أخذوه جاؤوهم فقالوا : هذا عبد أبق لأمنا ووهبته لنا ونحن نبيعه منكم ، فقارهم يوسف على هذه المقالة خوفاً منهم ، ولينفذ الله أمره ؛ فحينئذ أسره إخوته إذ جحدوا إخوته فأسروها ، واتخذوه { بضاعة } أي متجراً لهم ومكسباً { وشروه } أيضاً { بثمن بخس } ، أي باعوه . وقوله { والله عليم بما يعملون } إن كانت الضمائر لإخوة يوسف ففي ذلك توعد ، وإن كانت الضمائر للواردين ففي ذلك تنبيه على إرادة الله تعالى ليوسف ، وسوق الأقدار بناء حاله ، فهو - حينئذ - بمعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : " يدبر ابن آدم والقضاء يضحك " . وفي الآية - أيضاً - تسلية للنبي عليه السلام عما يجري عليه من جهة قريش ، أي العاقبة التي للمتقين هي المراعاة والمنتظرة . و { شروه } - هنا - بمعنى باعوه ، وقد يقال : شرى ، بمعنى اشترى ، ومن الأول قول يزيد بن مفرغ الحميري : [ مجزوء الكامل ] @ وشريتُ برداً ليتني من بعد بردٍ كنتُ هامَهْ @@ برد : اسم غلام له ندم على بيعه ، والضمير يحتمل الوجهين المتقدمين ؛ و { البخس } مصدر وصف به " الثمن " وهو بمعنى النقص - وهذا أشهر معانيه - فكأنه القليل الناقص0 وهو قول الشعبي - وقال قتادة : " البخس " هنا بمعنى الظلم ، ورجحه الزجاج من حيث الحر لا يحل بيعه ، وقال الضحاك : وهو بمعنى الحرام ، وهذا أيضاً بمعنى لا يحل بيعه . وقوله : { دراهم معدودة } عبارة عن قلة الثمن لأنها دراهم لم تبلغ أن توزن لقلتها ، وذلك أنهم كانوا لا يزنون ما دون الأوقية ، وهي أربعون درهماً ، واختلف في مبلغ ثمن يوسف عليه السلام : فقيل باعوه بعشرة دراهم ، وقال ابن مسعود : بعشرين ، وقال مجاهد : باثنين وعشرين أخذ منها إخوته درهمين وقال عكرمة : بأربعين درهماً دفعت ناقصة خفافاً ، فهذا كان بخسها . وقوله : { وكانوا فيه من الزاهدين } وصف يترتب في " ورّاد " الماء ، أي كانوا لا يعرفون قدره ، فهم لذلك قليل اغتباطهم به ، لكنه أرتب في إخوة يوسف إذ حقيقة الزهد في الشيء إخراج حبه من القلب ورفضه من اليد ، وهذه كانت حال إخوة يوسف في يوسف ، وأما الورّاد فتمسكهم به وتجرهم يمانع زهدهم إلا على تجوز . وقوله { فيه } ليست بصلة لـ { الزاهدين } - قاله الزجاج وفيه نظر لأنه يقتضي وصفهم بالزهد على الإطلاق وليس قصد الآية هذا ، بل قصدها الزهد الخاص في يوسف ، والظروف يجوز فيها من التقديم ما لا يجوز في سائر الصلات ، وقد تقدم القول في عود ضمير الجماعة الذي في قوله : { وشروه } .