Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 46-49)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المعنى : فجاء الرسول - وهو الساقي - إلى يوسف فقال له : يا يوسف { أيها الصديق } - وسماه صديقاً من حيث كان جرب صدقه في غير شيء - وهو بناء مبالغة من صدق ، وسمي أبو بكر صديقاً من صدق غيره ، إذ مع كل تصديق صدق ، فالمصدق بالحقائق صادق أيضاً ، وعلى هذا سمي المؤمنون صديقين في قوله تعالى : { والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون } [ الحديد : 19 ] . ثم قال : { أفتنا في سبع بقرات } أي فيمن رأى في المنام سبع بقرات ، وحكى النقاش حديثاً روى فيه : أن جبريل عليه السلام دخل على يوسف في السجن وبشره بعطف الله تعالى عليه ، وأخرجه من السجن وأنه قد أحدث للملك منامة جعلها سبباً لفرج يوسف . ويروى أن الملك كان يرى { سبع بقرات سمان } يخرجن من نهر ، وتخرج وراءها { سبع عجاف } ، فتأكل العجاف السمان ، فكان يعجب كيف غلبتها وكيف وسعت السمان في بطون العجاف ، وكان يرى { سبع سنبلات خضر } وقد التفت بها سبع يابسات ، حتى كانت تغطي خضرتها فعجب أيضاً لذلك . وقوله : { لعلهم يعلمون } أي تأويل هذه الرؤيا ، فيزول هم الملك لذلك وهم الناس . وقيل : { لعلهم يعلمون } مكانتك من العلم وكنه فضلك فيكون ذلك سبباً لتخلصك . وقوله تعالى : { قال تزرعون } الآية ، تضمن هذا الكلام من يوسف عليه السلام ثلاثة أنواع من القول : أحدها : تعبير بالمعنى لا باللفظ . والثاني : عرض رأي وأمر به ، وهو قوله : { فذروه في سنبله } . والثالث : الإعلام بالغيب في أمر العام الثامن ، قاله قتادة . قال القاضي أبو محمد : ويحتمل هذا ألا يكون غيباً ، بل علم العبارة ، أعطى انقطاع الجدب بعد سبع ، ومعلوم أنه لا يقطعه إلا خصب شاف ، كما أعطى أن النهر مثال للزمان . إذ هو أشبه شيء به فجاءت البقرات مثالاً للسنين . و { دأبا } معناه : ملازمة لعادتكم في الزراعة ، ومنه قول امرىء القيس : [ الطويل ] @ كدأبك من أم الحويرث قبلها … البيت @@ وقرأ جمهور السبعة " دأْباً " بإسكان الهمزة ، وقرأ عاصم وحده " دأَباً " بفتح الهمزة ، وأبو عمرو يسهل الهمزة عند درج القراءة ، وهما مثل : نهر ونهر . والناصب لقوله : { دأباً } { تزرعون } ، عند أبي العباس المبرد ، إذ في قوله { تزرعون } تدأبون ، وهي عنده مثل قولهم : قعد القرفصاء ، واشتمل الصماء ؛ وسيبويه يرى نصب هذا كله بفعل مضمر من لفظ المصدر يدل عليه هذا الظاهر ، كأنه قال : تزرعون تدأبون دأباً . وقوله { فما حصدتم فذروه } هي إشارة برأي نبيل نافع بحسب طعام مصر وحنطتها التي لا تبقى عامين بوجه إلا بحيلة إبقائها في السنبل ، فإن الحبة إذا بقيت في خبائها انحفظت والمعنى : اتركوا الزرع في السنبل إلا ما لا غنى عنه للأكل ، فيجتمع الطعام هكذا ويتركب ، ويؤكل الأقدم فالأقدم ؛ فإذا جاءت السنون الجدبة تقوت الناس الأقدم فالأقدم من ذلك المدخر ، وادخروا أيضاً الشيء الذي يصاب في أعوام الجدب على قلته ، وحملت الأعوام بعضها على بعض حتى يتخلص الناس ، وإلى هذه السنين أشار النبي عليه السلام في دعائه على قريش : " اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف " ، فابتدأ ذلك بهم ونزلت سنة حصت كل شيء حتى دعا لهم النبي عليه السلام فارتفع ذلك عنهم ولم يتماد سبع سنين ، وروي أن يوسف عليه السلام لما خرج ووصف هذا الترتيب للملك وأعجبه أمره ، قال له الملك : قد أسندت إليك تولي هذا الأمر في الأطعمة هذه السنين المقبلة ، فكان هذا أول ما ولي يوسف . وأسند الأكل في قوله : { يأكلن } إلى السنين اتساعاً من حيث يؤكل فيها كما قال تعالى : { والنهار مبصراً } [ النمل : 86 ، يونس : 67 ، غافر : 61 ] وكما قال : نهارك بطال وليلك قائم ؛ وهذا كثير في كلام العرب . ويحتمل أن يسمى فعل الجدب وإيباس البلالات أكلاً ، وفي الحديث : " فأصابتهم سنة حصت كل شيء " ؛ وقال الأعرابي في السنة جمشت النجم ، والتحبت اللحم ، وأحجنت العظم . و { تحصنون } معناه تحرزون وتخزنون ، قاله ابن عباس ، وهو مأخوذ من الحصن وهو الحرز والملجأ ، ومنه تحصن النساء لأنه بمعنى التحرز . وقوله : { يغاث } جائز أن يكون من الغيث ، وهو قول ابن عباس ومجاهد وجمهور المفسرين ، أي يمطرون ، وجائز أن يكون من أغاثهم الله ، إذا فرج عنهم ، ومنه الغوث وهو الفرج . وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم " يَعصِرون " بفتح الياء وكسر الصاد ، وقرأ حمزة والكسائي ذلك بالتاء على المخاطبة ، وقال جمهور المفسرين : هي من عصر النباتات كالزيتون والعنب والقصب والسمسم والفجل وجميع ما يعصر ، ومصر بلد عصر لأشياء كثيرة ؛ وروي أنهم لم يعصروا شيئاً مدة الجدب ، والحلب منه لأنه عصر للضروع . وقال أبو عبيدة وغيره : ذلك مأخوذ من العصرة والعصر وهو الملجأ ومنه قول أبي زبيد في عثمان رضي الله عنه : [ الخفيف ] @ صادياً يستغيث غيـر مغـاث ولقـد كـان عصـرة المنجـود @@ ومنه قول عدي بن زيد : [ الرمل ] @ لو بغير الماء حلقـي شـرق كنت كالغصّان بالماء اعتصاري @@ ومنه قول ابن مقبل " [ البسيط ] @ وصاحبي وهوه مستوهل زعل يحول بين حمار الوحش والعصر @@ ومنه قول لبيد : [ الطويل ] @ فبات وأسرى القوم آخر ليلهـم ومـا كـان وقافـاً بغيـر معصـر @@ أي بغير ملتجأ ، فالآية على معنى ينجون بالعصرة . وقرأ الأعرج وعيسى وجعفر بن محمد " يُعصَرون " بضم الياء وفتح الصاد ، وهذا مأخوذ من العصرة ، أي يؤتون بعصرة ؛ ويحتمل أن يكون من عصرات السحاب ماءها عليهم ، قال ابن المستنير : معناها يمطرون ، وحكى النقاش أنه قرىء " يعصرون " وجعلها من عصر البلل ونحوه . ورد الطبري على من جعل اللفظة من العصرة رداً كثيراً بغير حجة .