Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 58-60)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال السدي وغيره : سبب مجيئهم أن الجماعة التي أنذر بها يوسف أصابت البلاد التي كان بها يعقوب ، وروي أنه كان في الغربات من أرض فلسطين بغور الشام . وقيل : كان بالأولاج من ناحية الشعب ، وكان صاحب بادية له إبل وشاء ، فأصابهم الجوع ، وكان أهل مصر قد استعدوا وادخروا من السنين الخصيبة ، فكان الناس يمتارون من عند يوسف ، وهو في رتبة العزيز المتقدم ، وكان لا يعطي الوارد أكثر من حمل بعير ، يسوي بين الناس ، فلما ورد إخوته عرفهم يوسف ولم يعرفوه هم ، لبعد العهد وتغير سنه ، ولم يقع لهم - بسبب ملكه ولسانه القبطي - ظن عليه ؛ وروي في بعض القصص : أنه لما عرفهم أراد أن يخبروه بجميع أمرهم ، فباحثهم بأن قال لهم - بترجمان - أظنكم جواسيس ، فاحتاجوا - حينئذ - إلى التعريف بأنفسهم فقالوا : نحن أبناء رجل صديق ، وكنا اثني عشر ، ذهب واحد منا في البرية ، وبقي أصغرنا عند أبينا ، وجئنا نحن للميرة ، وسقنا بعير الباقي منا ، وكانوا عشرة ، ولهم أحد عشرة بعيراً ؛ فقال لهم يوسف : ولم تخلف أخوكم ؟ قالوا : لمحبة أبينا فيه ، قال : فأتوني بهذا الأخ حتى أعلم حقيقة قولكم وأرى لِمَ أحبه أبوكم أكثر منكم إن كنتم صادقين ؟ وروي في القصص أنهم وردوا مصر ، واستأذنوا على العزيز وانتسبوا في الاستئذان ، فعرفهم ، وأمر بإنزالهم ، وأدخلهم في ثاني يوم على هيئة عظيمة لملكه وأهبة شنيعة ؛ وروي أنه كان متلثماً أبداً ستراً لجماله ، وأنه كان يأخذ الصواع فينقره ، ويفهم من طنينه صدق ما يحدث به أو كذبه ؛ فسئلوا عن أخبارهم ، فكلما صدقوا قال لهم يوسف : صدقتم ، فلما قالوا : وكان لنا أخ أكله الذئب ، طن يوسف الصاع وقال : كذبتم ، ثم تغير لهم ، وقال : أراكم جواسيس ، وكلفهم سوق الأخ الباقي ليظهر صدقهم في ذلك ، في قصص طويل جاءت الإشارة إليه في القرآن وجيزة . و " الجهاز " ما يحتاج إليه المسافر من زاد ومتاع وكل ما يحمل ، وكذلك جهاز العروس وجهاز الميت . وقول يوسف عليه السلام : { ألا ترون أني أوفي الكيل } الآية ، يرغبهم في نفسهم آخراً ، ويؤنسهم ويستميلهم . و { المنزلين } يعني المضيفين في قطره ووقته ، و " الجهاز " - المشار إليه - الطعام الذي كان حمله لهم ، ثم توعدهم إن لم يجيئوا بالأخ بأنه لا كيل لهم عنده في المستأنف ، وأمرهم ألا يقربوا له بلداً ولا طاعة ، و { لا تقربون } نهي لفظاً ومعنى ، ويجوز أن يكون لفظه الخبر ومعناه النهي ، وتحذف إحدى النونين كما قرىء { فبم تبشرونِ } [ الحجر : 54 ] - بكسر النون - وهذا خبر لا غير . وخلط النحاس في هذا الموضع ؛ وقال مالك رحمه الله : هذه الآية وما يليها تقتضي أن كيل الطعام على البائع ، وكذلك هي الرواية في التولية والشركة : أنها بمنزلة البيع ، والرواية في القرض : أن الكيل على المستقرض . وروي أنه حبس منهم شمعون رهينة حتى يجيئوه ببنيامين ، - قاله السدي - وروي : أنه لم يحبس منهم أحداً . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " كان يوسف يلقي حصاة في إناء فضة مخوص بالذهب فيطن فيقول لهم : إن هذا الإناء يخبرني أن لكم أباً شيخاً " . قال القاضي أبو محمد : كأنها حيلة وإيهام لهم ، وروي : أن ذلك الإناء به كان يكيل الطعام إظهاراً لعزته بحسب غلائه في تلك المدة ، وروي : أن يوسف استوفى في تلك السنين أموال الناس ، ثم أملاكهم ، فمن هناك ليس لأحد في أرض مصر ومزارعها ملك . وظاهر كل ما فعله يوسف معهم أنه بوحي وأمر وإلا فكان بر يعقوب يقتضي أن يبادر إليه ويستدعيه ، لكن الله تعالى أعلمه بما يصنع ليكمل أجر يعقوب ومحنته وتتفسر الرؤيا الأولى .