Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 89-92)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
روي أن يوسف عليه السلام لما قال إخوته { مسنا وأهلنا الضر } [ يوسف : 88 ] واستعطفوه - رق ورحمهم ، قال ابن إسحاق : وارفض دمعه باكياً فشرع في كشف أمره إليهم ، فيروى أنه حسر قناعه وقال لهم : { هل علمتم } الآية . وقوله : { فعلتم بيوسف وأخيه } يريد من التفريق بينهما في الصغر والتمرس بهما وإذاية بنيامين . بعد مغيب يوسف . فإنهم كانوا يذلونه ويشتمونه ، ولم يشر إلى قصة بنيامين الآخرة لأنهم لم يفعلوا هم فيها شيئاً ، ونسبهم إما إلى جهل المعصية ، وإما إلى جهل الشباب وقلة الحنكة ، فلما خاطبهم هذه المخاطبة - ويشبه أن يكون قد اقترن بها من هيئته وبشره وتبسمه ما دلهم - تنبهوا ووقع لهم من الظن القوي أنه يوسف ، فخاطبوه مستفهمين استفهام مقرر . وقرأت فرقة " أأنك يوسف " بتحقيق الهمزتين ، وقرأت فرقة بإدخال ألف بين همزتين وتحقيقهما " أإنك " ، وقرأت فرقة بتسهيل الثانية " إنك " ، وقرأ ابن محيصن وقتادة وابن كثير " إنك " على الخبر وتأكيده وقرأ أبي بن كعب " أأنك أو أنت يوسف " قال أبو الفتح : ينبغي أن يكون هذا على حذف خبر " إن " كأنه قال : أئنك لغير يوسف أو أنت يوسف ؟ وحكى أبو عمرو الداني : أن في قراءة أبي بن كعب : " أو أنت يوسف " وتأولت فرقة ممن قرأ " إنك " إنها استفهام بإسقاط حرف الاستفهام ، فأجابهم يوسف كاشفاً أمره قال : { أنا يوسف وهذا أخي } وقال مجاهد : أراد { من يتق } في ترك المعصية ويصبر في السجن . وقال إبراهيم النخعي : المعنى : { من يتق } الزنى ويصبر على العزوبة . قال القاضي أبو محمد : ومقصد اللفظ إنما هو العموم في العظائم ، وإنما قال هذان ما خصصا ، لأنها كانت من نوازله ، ولو فرضنا نزول غيرها به لاتقى وصبر . وقرأ الجمهور " من يتق ويصبر " وقرأ ابن كثير وحده : " ومن يتقي ويصبر " بإثبات الياء ، واختلف في وجه ذلك ، فقيل : قدر الياء متحركة وجعل الجزم في حذف الحركة ، وهذا كما قال الشاعر : [ الوافر ] @ ألم يأتيك والأنباء تنمي بما لاقت لبون بني زياد @@ قال أبو علي : وهذا مما لا نحمله عليه ، لأنه يجيء في الشعر لا في الكلام ، وقيل : " من " بمعنى الذي و " يتقي " فعل مرفوع ، و " يصبر " عطف على المعنى لأن " من " وإن كانت بمعنى الذي ففيها معنى الشرط ، ونحوه قوله تعالى : { فأصدق وأكن } [ المنافقون : 10 ] وقيل : أراد " يصبر " بالرفع لكنه سكن الراء تخفيفاً ، كما قرأ أبو عمرو : { ويأمركم } [ البقرة : 67 ] بإسكان الراء . وقوله تعالى : { قالوا : تالله لقد آثرك الله علينا } الآية ، هذا منهم استنزال ليوسف وإقرار بالذنب في ضمنه استغفار منه . و { آثرك } لفظ يعم جميع التفضيل وأنواع العطايا ، والأصل فيها همزتان وخففت الثانية ، ولا يجوز تحقيقها ، والمصدر إيثار ، و { خاطئين } من خطىء يخطأ ، وهو المتعمد للخطأ ، والمخطىء من أخطأ ، وهو الذي قصد الصواب فلم يوفق إليه ، ومن ذلك قول الشاعر - وهو أمية بن الأسكر - [ الوافر ] @ وإن مهاجرين تكتفاه غداة إذ لقد خطئا وخابا @@ وقوله : { لا تثريب عليكم } عفو جميل ، وقال عكرمة : أوحى الله إلى يوسف : بعفوك على إخوتك رفعت لك ذكرك ؛ وفي الحديث : أن أبا سفيان بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية لما وردا مهاجرين على رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرض عنهما لقبح فعلهما معه قبل ، فشق ذلك عليهما وأتيا أبا بكر فكلفاه الشفاعة ، فأبى ، وأتيا عمر فكذلك ، فذهب أبو سفيان بن الحارث إلى ابن عمه علي ، وذهب عبد الله إلى أخته أم سلمة ، فقال علي رضي الله عنه : الرأي أن تلقيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحفل فتصيحان به : { تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين } فإنه لا يرضى أن يكون دون أحد من الأنبياء فلا بد لذلك أن يقول : لا تثريب عليكما ، ففعلا ذلك ، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تثريب عليكم } الآية . والتثريب : اللوم والعقوبة وما جرى معهما من سوء معتقد ونحوه ، وقد عبر بعض الناس عن التثريب بالتعيير ، ومنه قول النبي عليه السلام : " إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ولا يثرب " ، أي لا يعير ، أخرجه الشيخان في الحدود . ووقف بعض القرأة { عليكم } وابتدأ { اليوم يغفر الله لكم } ووقف أكثرهم : { اليوم } وابتدأ { يغفر الله لكم } على جهة الدعاء - وهو تأويل ابن إسحاق والطبري ، وهو الصحيح - و { اليوم } ظرف ، فعلى هذا فالعامل فيه ما يتعلق به { عليكم } تقديره : لا تثريب ثابت أو مستقر عليكم اليوم . وهذا الوقف أرجح في المعنى ، لأن الآخر فيه حكم على مغفرة الله ، اللهم إلا أن يكون ذلك بوحي .