Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 36-39)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اختلف المتأولون فيمن عنى بقوله : { الذين آتيناهم الكتاب } فقال ابن زيد : عنى به من آمن من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وشبهه . قال القاضي أبو محمد : والمعنى : مدحهم بأنهم لشدة إيمانهم يسرون بجميع ما يرد على النبي عليه السلام من زيادات الشرع . وقال قتادة : عنى به جميع المؤمنين ، و { الكتاب } هو القرآن ، و { بما أنزل إليك } يراد به ، جميع الشرع . وقالت فرقة : المراد بـ { الذين آتيناهم الكتاب } اليهود والنصارى ، وذلك أنهم لهم فرح بما ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم من تصديق شرائعهم وذكر أوائلهم . قال القاضي أبو محمد : ويضعف هذا التأويل بأن همهم به أكثر من فرحهم ، ويضعف أيضاً بأن اليهود والنصارى ينكرون بعضه . وقد فرق الله في هذه الآية بين الذين ينكرون بعضه وبين الذين آتيناهم الكتاب . و { الأحزاب } قال مجاهد : هم اليهود والنصارى والمجوس ، وقالت فرقة : هم أحزاب الجاهلية من العرب . وأمره الله تعالى أن يطرح اختلافهم ويصدع بأنه إنما أمر بعبادة الله وترك الإشراك ، والدعاء إليه ، واعتقاد " المآب " إليه وهو الرجوع عند البعث يوم القيامة . وقوله : { وكذلك } المعنى : كما يسرنا هؤلاء للفرح ، وهؤلاء لإنكار البعض ، كذلك { أنزلناه حكماً عربياً } ، ويحتمل المعنى : والمؤمنون آتيناهموه يفرحون به لفهمهم به وسرعة تلقيهم . ثم عدد النعمة بقوله : " كذلك جعلناه " أي سهلنا عليهم في ذلك وتفضلنا . و { حكماً } نصب على الحال ، و " الحكم " هو ما تضمنه القرآن من المعاني ، وجعله { عربياً } لما كانت العبارة عنه بالعربية . ثم خاطب النبي عليه السلام محذراً من اتباع أهواء هذه الفرق الضالة ، والخطاب لمحمد عليه السلام ، وهو بالمعنى بتناول المؤمنين إلى يوم القيامة . ووقف ابن كثير وحده على " واقي " و " هادي " و " والي " بالياء . قال أبو علي : والجمهور يقفون بغير ياء ، وهو الوجه . وباقي الآية بين . وقوله : { ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك } الآية . في صدر هذه الآية تأنيس للنبي صلى الله عليه وسلم ورد على المقترحين من قريش بالملائكة المتعجبين من بعثة الله بشراً رسولاً . فالمعنى : أن بعثك يا محمد ليس ببدع فقد تقدم هذا في الأمم . ثم جاء قوله : { وما كان لرسول } الآية ، لفظه لفظ النهي والزجر ، والمقصود به إنما هو النفي المحض ، لكنه نفي تأكد بهذه العبارة ، ومتى كانت هذه العبارة عن أمر واقع تحت قدرة المنهي فهي زجر ، ومتى لم يقع ذلك تحت قدرته فهو نفي محض مؤكد ، و { بإذن الله } معناه : إلا أن يأذن الله في ذلك . وقوله : { لكل أجل كتاب } لفظ عام في جميع الأشياء التي لها آجال ، وذلك أنه ليس كائن منها إلا وله أجل في بدئه أو في خاتمته . وكل أجل مكتوب محصور ، فأخبر تعالى عن كتبه الآجال التي للأشياء عامة ، وقال الضحاك والفراء : المعنى : لكل كتاب أجل . قال القاضي أبو محمد : وهذا العكس غير لازم ولا وجه له ، إذ المعنى تام في ترتيب القرآن ، بل يمكن هدم قولهما بأن الأشياء التي كتبها الله تعالى أزلية باقية كتنعيم أهل الجنة وغيره يوجد كتابها لا أجل له . وقوله : { يمحو الله ما يشاء ويثبت } قرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي " ويثبّت " بشد الباء . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم " ويثبت " بتخفيفها . وتخبط الناس في معنى هذه الألفاظ ، والذي يتخلص به مشكلها : أن نعتقد أن الأشياء التي قدرها الله تعالى في الأزل وعلمها بحال ما لا يصح فيها محو ولا تبديل ، وهي التي ثبتت في { أم الكتاب } وسبق بها القضاء ، وهذا مروي عن ابن عباس وغيره من أهل العلم ، وأما الأشياء التي قد أخبر الله تعالى أنه يبدل فيها وينقل كعفو الذنوب بعد تقريرها ، وكنسخ آية بعد تلاوتها واستقرار حكمها - ففيها يقع المحو والتثبيت فيما يقيده الحفظة ونحو ذلك ، وأما إذا رد الأمر للقضاء والقدر فقد محا الله ما محا وثبت ما ثبت . وجاءت العبارة مستقلة بمجيء الحوادث ، وهذه الأمور فيما يستأنف من الزمان فينتظر البشر ما يمحو أو ما يثبت وبحسب ذلك خوفهم ورجاؤهم ودعاؤهم . وقالت فرقة - منها الحسن - هي في آجال بني آدم ، وذلك أن الله تعالى في ليلة القدر ، وقيل : - في ليلة نصف شعبان - يكتب آجال الموتى فيمحى ناس من ديوان الأحياء ويثبتون في ديوان الموتى . وقال قيس بن عباد : العاشر من رجب هو يوم { يمحو الله ما يشاء ويثبت } . قال القاضي أبو محمد : وهذا التخصيص في الآجال أو غيرها لا معنى له ، وإنما يحسن من الأقوال هنا ما كان عاماً في جميع الأشياء ، فمن ذلك أن يكون معنى الآية أن الله تعالى يغير الأمور على أحوالها ، أعني ما من شأنه أن يغير - على ما قدمناه - فيمحوه من تلك الحالة ويثبته في التي نقله إليها . وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعن عبد الله بن مسعود أنهما كانا يقولان في دعائهما : اللهم إن كنت كتبتنا في ديوان الشقاوة فامحنا وأثبتنا في ديوان السعادة ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت . قال القاضي أبو محمد : وهذا دعاء في غفران الذنوب وعلى جهة انجزع منها . أي اللهم إن كنا شقينا بمعصيتك وكتب علينا ذنوب وشقاوة بها فامحها عنا بالمغفرة ، وفي لفظ عمر في بعض الروايات بعض من هذا ، ولم يكن دعاؤهما البتة في تبديل سابق القضاء ولا يتأول عليهما ذلك . وقيل : إن هذه الآية نزلت لأن قريشاً لما سمعت قول الله تعالى : { وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله } ، قال : ليس لمحمد في هذا الأمر قدرة ولا حظ ، فنزلت { يمحو الله ما يشاء ويثبت } أي ربما أذن الله من ذلك فيما تكرهون بعد أن لم يكن يأذن . وحكى الطبري عن ابن عباس أنه قال : معنى الآية " يمحو الله ما يشاء ويثبت " من أمور عباده إلا السعادة والشقاوة والآجال فإنه لا محو فيها . قال القاضي أبو محمد : وهذا نحو ما أحلناه أولاً في الآية . وحكي عن فرقة أنها قالت : " يمحو الله ما يشاء ويثبت " من كتاب حاشى أمر الكتاب الذي عنده الذي لا يغير منه شيئاً . وقالت فرقة معناه : يمحو كل ما يشاء ويثبت كل ما أراد ، ونحو هذه الأقوال التي هي سهلة المعارضة . وأسند الطبري عن إبراهيم النخعي أن كعباً قال لعمر بن الخطاب : يا أمير المؤمنين لولا آية في كتاب الله لأنبأتك بما هو كائن إلى يوم القيامة . قال : وما هي ؟ قال : { يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب } . وذكر أبو المعالي في التلخيص : أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه هو الذي قال هذه المقالة المذكورة عن كعب . قال القاضي أبو محمد : وذلك عندي لا يصح عن علي . واختلفت أيضاً عبارة المفسرين في تفسير { أم الكتاب } فقال ابن عباس : هو الذكر ، وقال كعب : هو علم الله ما هو خالق ، وما خلقه عاملون . قال القاضي أبو محمد : وأصوب ما يفسر به { أم الكتاب } أنه كتاب الأمور المجزومة التي قد سبق القضاء فيها بما هو كائن وسبق ألا تبدل ، ويبقى المحو والتثبيت في الأمور التي سبق في القضاء أن تبدل وتمحى وتثبت - قال نحوه قتادة - وقالت فرقة : معنى { أم الكتاب } الحلال والحرام - وهذا قول الحسن ابن أبي الحسن .