Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 13-17)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { أو لتعودن في ملتنا } قالت فرقة : { أو } هنا بمعنى : " إلا أن " كما هي في قول امرىء القيس : [ الطويل ] @ فقلت له لا تبك عيناك إنما نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا @@ قال القاضي أبو محمد : وتحمل { أو } في هذه الآية أن تكون على بابها لوقوع أحد الأمرين ، لأنهم حملوا رسلهم على أحد الوجهين ، ولا يحتمل بيت امرىء القيس ذلك ، لأنه لم يحاول أن يموت فيعذر ، فتخلصت بمعنى إلا أن ، ولذلك نصب الفعل بعدها . وقالت فرقة هي بمعنى " حتى " في الآية ، وهذا ضعيف ، وإنما تترتب كذلك في قوله : لألزمنك أو تقضيني حقي ، وفي قوله : لا يقوم زيد أو يقوم عمرو ، وفي هذه المثل كلها يحسن تقدير إلا أن . و " العودة " أبداً إنما هي إلى حالة قد كانت ، والرسل ما كانوا قط في ملة الكفر ، فإنما المعنى : لتعودن في سكوتكم عنا وكونكم أغفالاً ، وذلك عند الكفار كون في ملتهم . وخصص تعالى { الظالمين } من الذين كفروا إذ جائز أن يؤمن من الكفرة الذي قالوا المقالة ناس ، فإنما توعد بالإهلاك من خلص للظلم . وقوله : { لنسكننكم } الخطاب للحاضرين ، والمراد هم وذريتهم ، ويترتب هذا المعنى في قوله : { ويؤخركم إلى أجل مسمى } [ إبراهيم : 10 ] أي يؤخركم وأعقابكم . وقرأ أبو حيوة : " ليهلكن " و " ليسكننكم " بالياء فيهما . وقوله : { مقامي } يحتمل أن يريد به المصدر من القيام على الشيء بالقدرة ، ويحتمل أن يريد به الظرف لقيام العبد بين يديه في الآخرة ، فإضافته - إذا كان مصدراً - إضافة المصدر إلى الفاعل ، وإضافته - إذا كان ظرفاً - إضافة الظرف إلى حاضره ، أي مقام حسابي ، فجائز قوله : { مقامي } وجائز لو قال : مقامه ، وجائز لو قال : مقام العرض والجزاء ، وهذا كما تقول : دار الحاكم ودار الحكم ودار المحكوم عليهم . وقال أبو عبيدة : { مقامي } مجازه ، حيث أقيمه بين يدي للحساب ، و " الاستفتاح " طلب الحكم ، والفتاح : الحاكم ، والمعنى : أن الرسل استفتحوا ، أي سألوا الله تعالى إنفاذ الحكم بنصرهم وتعذيب الكفرة ، وقيل : بل استفتح الكفار ، على نحو قول قريش { عجل لنا قطنا } [ ص : 16 ] وعلى نحو قول أبي جهل في بدر اللهم أقطعنا للرحم وأتانا بما لا يعرف فاحنه الغداة . هذا قول أبي زيد . وقرأت فرقة " واستفتِحوا " بكسر التاء ، على معنى الأمر للرسل ، قرأها ابن عباس ومجاهد وابن محيصن . و { خاب } معناه : خسر ولم ينجح ، و " الجبار " : المتعظم في نفسه ، الذي لا يرى لأحد عليه حقاً ، وقيل : معناه الذي يجبر الناس على ما يكرهون . قال القاضي أبو محمد : وهذا هو المفهوم من اللفظ ، وعبر قتادة وغيره عن " الجبار " بأنه الذي يأبى أن يقول : لا إله إلا الله . و " العنيد " الذي يعاند ولا ينقاد ، وقوله : { من ورائه } ذكر الطبري وغيره من المفسرين : أن معناه : من أمامه ، وعلى ذلك حملوا قوله تعالى { وكان وراءهم ملك } [ الكهف : 79 ] وأنشد الطبري : @ أتوعدني وراء بني رياح كذبت لتقصرن يداك دوني @@ قال القاضي أبو محمد : وليس الأمر كما ذكر ، و " الوراء " هنا على بابه ، أي هو ما يأتي بعد في الزمان ، وذلك أن التقدير في هذه الحوادث بالأمام والوراء إنما هو بالزمان ، وما تقدم فهو أمام وهو بين اليد ، كما تقول في التوراة والإنجيل إنها بين يدي القرآن ، والقرآن وراءهما على هذا ، وما تأخر في الزمان فهو وراء المتقدم ، ومنه قولهم لولد الولد ، الوراء ، وهذا الجبار العنيد وجوده وكفره وأعماله في وقت ما ، ثم بعد ذلك في الزمان يأتيه أمر جهنم . قال القاضي أبو محمد : وتلخيص هذا أن يشبه الزمان بطريق تأتي الحوادث من جهته الواحدة متتابعة ، فما تقدم فهو أمام ، وما تأخر فهو وراء المتقدم ، وكذلك قوله : { وكان وراءهم } [ الكهف : 79 ] أي غصبه وتغلبه يأتي بعد حذرهم وتحفظهم . وقوله : { ويسقى من ماء } وليس بماء لكن لما كان بدل الماء في العرف عندنا عد ماء ، ثم نعته بـ { صديد } كما تقول : هذا خاتم حديد ، و " الصديد " القيح والدم ، وهو ما يسيل من أجساد أهل النار ، قاله مجاهد والضحاك . وقوله : { يتجرعه ولا يكاد يسيغه } عبارة عن صعوبة أمره عليهم ، وروي أن الكافر يؤتى بالشربة من شراب أهل النار فيتكرهها ، فإذا أدنيت منه شوت وجهه وسقطت فيها فروة رأسه فإذا شربها قطعت أمعاءه . قال القاضي أبو محمد : وهذا الخبر مفرق في آيات من كتاب الله . وقوله : { ويأتيه الموت من كل مكان } ، أي من كل شعرة في بدنه ، قاله إبراهيم التيمي ، وقيل من جميع جهاته الست ، وقوله : { وما هو بميت } أي لا يراح بالموت ، وباقي الآية كأولها ، ووصف " العذاب بالغليظ " مبالغة فيه ، وقال الفضيل بن عياض : العذاب الغليظ حبس الأنفاس في الأجساد وقيل : إن الضمير في { ورائه } هنا هو للعذاب المتقدم .