Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 12-15)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يحتمل أن يكون الضمير في { نسلكه } يعود على الاستهزاء والشرك ونحوه - وهو قول الحسن وقتادة وابن جرير وابن زيد - ويكون الضمير في { به } يعود أيضاً على ذلك بعينه ، وتكون باء السبب ، أي لا يؤمنون بسبب شركهم واستهزائهم ، ويكون قوله : { لا يؤمنون به } في موضع الحال . ويحتمل أن يكون الضمير في { نسلكه } عائداً على الذكر المحفوظ المتقدم الذكر وهو القرآن ، أي مكذباً به مردوداً مستهزأ به ندخله في قلوب المجرمين ، ويكون الضمير في { به } عائداً عليه أيضاً أي لا يصدقون به . ويحتمل أن يكون الضمير في { نسلكه } عائداً على الاستهزاء والشرك ، والضمير في { به } يعود على القرآن ، فيختلف - على هذا - عود الضميرين . والمعنى في ذلك كله ينظر بعضه إلى بعض . و { نسلكه } معناه : ندخله ، يقال : سلكت الرجل في الأمر ، أي أدخلته فيه ، ومن هذا قول الشاعر [ عدي بن زيد ] : [ الوافر ] @ وكنت لزاز خصمك لم أعرد وقد سلكوك في يوم عصيب @@ ومنه قول الآخر [ عبد مناف بن ربع الهذلي ] : [ البسيط ] @ حتى إذا سلكوهم في قتايدة شلاكما تطرد الجمالة الشردا @@ ومنه قول أبي وجزة يصف حمر وحش : [ البسيط ] @ حتى سلكن الشوى منهن في مسك من نسل جوابة الآفاق مهداج @@ قال الزجاج : ويقرأ : " نُسلِكه " بضم النون وكسر اللام ، و { المجرمين } في هذه الآية يراد بهم كفار قريش ومعاصري محمد صلى الله عليه وسلم . وقوله : { لا يؤمنون به } عموم معناه الخصوص فيمن حتم عليه . وقوله : { وقد خلت سنة الأولين } أي على هذه الوتيرة . وتقول : سلكت الرجل في الأمر ، وأسلكته ، بمعنى واحد . ويروى : حتى إذا أسلكوهم في قتايدة ؛ البيت . وقوله : { ولو فتحنا عليهم } ، الضمير في { عليهم } عائد على قريش وكفرة العصر المحتوم عليهم . والضمير في قوله : { فظلوا } يحتمل أن يعود عليهم - وهو أبلغ في إصرارهم - وهذا تأويل الحسن : و { يعرجون } معناه : يصعدون . وقرأ الأعمش وأبو حيوة " يعرِجون " بكسر الراء ، والمعارج الأدراج ، ومنه : المعراج ، ومنه قول كثير : [ الطويل ] . @ إلى حسب عود بني المر قبله أبوه له فيه معارج سلم @@ ويحتمل أن يعود على { الملائكة } [ الحجر : 7 ] لقولهم : { لو ما تأتينا بالملائكة } [ الحجر : 7 ] ، فقال الله تعالى : " ولو رأوا الملائكة يصعدون ويتصرفون في باب مفتوح في السماء ، لما آمنوا " : وهذا تأويل ابن عباس . وقرأ السبعة سوى ابن كثير : " سُكّرت " بضم السين وشد الكاف ، وقرأ ابن كثير وحده بتخفيف الكاف ، وهي قراءة مجاهد . وقرأ ابن الزهري بفتح السين وتخفيف الكاف ، على بناء الفعل لفاعل . وقرأ أبان بن تغلب " سحرت أبصارنا " ، ويجيء قوله : { بل نحن قوم مسحورون } انتقالاً إلى درجة عظمى من سحر العقل والجملة . وتقول العرب : سكرت الريح تسكر سكوراً : إذا ركدت ولم تنفذ لما كانت بسبيله أولاً ، وتقول سكر الرجل من الشراب سكراً : إذا تغيرت حاله وركد ولم ينفذ فيما للإنسان أن ينفذ فيه ، ومن هذا المعنى : سكران لا يبت - أي لا يقطع أمراً ، وتقول العرب : سكرت الفتق في مجاري الماء سكراً : إذا طمسته وصرفت الماء عنه ، فلم ينفذ لوجهه . قال القاضي أبو محمد : فهذه اللفظة " سكّرت " - بشد الكاف - إذا كانت من سكر الشراب أو من سكور الريح فهي فعل عدي بالتضعيف ، وإن كانت من سكر مجاري الماء فتضعيفها للمبالغة ، لا للتعدية ، لأن المخفف من فعله متعد . ورجح أبو حاتم هذه القراءة ، لأن " الأبصار " جمع ، والتثقيل مع الجمع أمثل ، كما قال : { مفتحة لهم الأبواب } [ ص : 50 ] ومن قرأ " سُكرت " - بضم السين وتخفيف الكاف ، فإن كانت اللفظة من سكر الماء فهو فعل متعد ؛ وإن كانت من سكر الشراب أو من سكور الريح ، فيضمنا أن الفعل بني للمفعول إلى أن ننزله متعدياً ، ويكون هذا الفعل من قبيل : رجح زيد ورجحه غيره ، وغارت ، وغارت العين وغارها الرجل : فتقول - على هذا - سكر الرجل ، وسكره غيره ، وسكرت الريح ، وسكرها شيء غيرها . ومعنى هذه المقالة منهم : أي غيرت أبصارنا عما كانت عليه ، فهي لا تنفذ وتعطينا حقائق الأشياء كما كانت تفعل . قال القاضي أبو محمد : وعبر بعض المفسرين عن هذه اللفظة بقوله : غشي على أبصارنا وقال بعضهم عميت أبصارنا ، وهذا ونحوه تفسير بالمعنى لا يرتبط باللفظ . ولقال أيضاً هؤلاء المبصرون عروج الملائكة ، أو عروج أنفسهم ، بعد قولهم : { سكرت أبصارنا } بل سحرنا حتى ما نعقل الأشياء كما يجب ، أي صرف فينا السحر .