Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 28-33)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إذ } نصب بإضمار فعل تقديره : اذكر إذ قال ربك ، و " البشر " هنا آدم ، وهو مأخوذ من البشرة ، وهي وجه الجلد ، في الأشهر من القول . ومنه قول النبي عليه السلام : " وافقوا البشر " وقيل البشرة ما يلي اللحم ، ومنه قولهم في المثل : إنما يعاتب الأديم ذو البشرة لأن تلك الجهة هي التي تبشر . وأخبر الله تعالى الملائكة بعجب عندهم ، وذلك أنهم كانوا مخلوقين من نور - فهي مخلوقات لطاف - فأخبرهم : أنه لا يخلق جسماً حياً ذا بشرة وأنه يخلقه { من صلصال } . قال القاضي أبو محمد : " والبشر " والبشارة أيضاً أصلهما البشرة لأنهما فيها يظهران . و { سويته } معناه : كملته وأتقنته حتى استوت أجزاؤه على ما يجب ، وقوله : { من روحي } إضافة خلق وملك إلى خالق مالك ، أي من الروح الذي هو لي ولفظة الروح هنا للجنس . وقوله : { فقعوا } من وقع يقع ، وفتحت القاف لأجل حرف الحلق ، وهذه اللفظة تقوي أن سجود الملائكة إنما كان على المعهود عندنا ، لا أنه خضوع وتسليم ، وإشارة ، كما قال بعض الناس ، وشبهوه بقول الشاعر [ أبي الأخزر الحماني ] : [ الطويل ] @ فكلتاهما خرّت وأسجد رأسها كما سجدت نصرانة لم تحنف @@ وهذا البيت يشبه أن يكون السجود فيه كالمعهود عندنا . وحكى الطبري في تفسير هذه الآية عن ابن عباس : أنه قال : خلق الله ملائكة أمرهم بالسجود لآدم فأبوا ، فأرسل عليهم ناراً فأحرقتهم ، ثم خلق آخرين فأمرهم بالسجود فأطاعوا إلا إبليس فإنه كان من الأولين . قال القاضي أبو محمد : وقول ابن عباس - من الأولين - يحتمل أن يريد في حالهم وكفرهم ، ويحتمل أن يريد : في أنه بقي منهم . وقوله : { كلهم أجمعون } هو - عند سيبويه - تأكيد بعد تأكيد ، يتضمن الآخر ما تضمن الأول . وقال غيره : { كلهم } لو وقف عليه - لصلحت للاستيفاء ، وصلحت على معنى المبالغة مع أن يكون البعض لم يسجد ، وهذا كما يقول القائل : كل الناس يعرف كذا ، وهو يريد أن المذكور أمر مشتهر ، فلما قال : { أجمعون } رفع الاحتمال في أن يبقى منهم أحد ، واقتضى الكلام أن جميعهم سجد . وقال ابن المبرد : لو وقف على { كلهم } لاحتمل أن يكون سجودهم في مواطن كثيرة ، فلما قال : { أجمعون } دل على أنهم سجدوا في موطن واحد . قال القاضي أبو محمد : واعترض قول المبرد بأنه جعل قوله : { أجمعون } حالاً . بمعنى مجتمعين ، يلزمه - على هذا - أن يكون أجمعين ، يقرب من التنكير إذ هو معرفة لكونه يلزم اتباع المعارف ، والقراءة بالرفع تأبى قوله . وقوله : { إلا إبليس } قيل : إنه استثناء من الأول ، وقيل : إنه ليس من الأول . وهذا متركب على الخلاف في { إبليس } ، هل هو من الملائكة أم لا ؟ والظاهر - من كثير من الأحاديث ومن هذه الآية - أنه من الملائكة وذلك أن الله تعالى أمر الملائكة بالسجود ، ولو لم يكن إبليس من الملائكة لم يذنب في ترك السجود . وقد روي عن الحسن بن أبي الحسن : أن إبليس إنما كان من قبيل الجن ولم يكن قط ملكاً ؛ ونسب ابن فورك القول إلى المعتزلة ، وتعلق من قال هذا بقوله في صفته : { كان من الجن } [ الكهف : 50 ] وقالت الفرقة الأخرى : لا حجة في هذا لأن الملائكة قد تسمى جناً لاستتارها وقد قال تعالى : { وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً } [ الصافات : 158 ] . وقوله تعالى : { قال : يا إبليس } ، قيل : إنه - حينئذ - سماه { إبليس } ، وإنما كان اسمه - قبل - عزازيل ، وهو من الإبلاس وهو الإبعاد ، أي يا مبعد ، وقالت طائفة : { إبليس } كان اسمه ، وليس باسم مشتق ، بل هو أعجمي ، ويقضي بذلك أنه لا ينصرف ، ولو كان عربياً مشتقاً لكان كإجفيل - من أجفل - وغيره ، ولكان منصرفاً ، قاله أبو علي الفارسي . وقوله : { ألا تكون } " أن " في موضع نصب ، وقيل : في موضع خفض ، والأصل : ما لك ألا تكون ؟ وقول إبليس { لم أكن لأسجد لبشر } ليس هذا موضع كفره عند الحذاق ، لأن إبايته إنما هي معصية فقط ، وأما قوله وتعليله فإنما يقتضي أن الله خلق خلقاً مفضولاً وكلف أفضل منه أن يذل له ، فكأنه قال : وهذا جور ، وذلك أن إبليس لما ظن أن النار أفضل من الطين ظن أن نفسه أفضل من آدم من النار يأكل الطين ، فقاس وأخطأ في قياسه ، وجهل أن الفضائل إنما هي حيث جعلها الله المالك للجميع لا رب غيره .