Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 87-93)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال ابن عمر وابن مسعود وابن عباس ومجاهد وابن جبير : " السبع " هنا هي السبع الطوال البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والمص والأنفال مع براءة ، وقال ابن جبير : بل السابعة يونس وليست الأنفال وبراءة منها ، و { المثاني } على قول هؤلاء : القرآن كما قال تعالى : { كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم } [ الزمر : 23 ] ، وسمي بذلك لأن القصص والأخبار تثنى فيه وتردد ، وقال عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عباس أيضاً وابن مسعود والحسن وابن أبي مليكة وعبيد بن عمير وجماعة : " السبع " هنا هي آيات الحمد ، قال ابن عباس : هي سبع : ببسم الله الرحمن الرحيم ، وقال غيره هي سبع دون البسملة ، وروي في هذا حديث أبي بن كعب ونصه : قال أبيّ : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أعلمك يا أبيّ سورة لم تنزل في التوراة والإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها " ، قلت : بلى ، قال : " إني لأرجو أن لا تخرج من ذلك الباب حتى تعلمها " ، فقام رسول الله وقمت معه ويدي في يده وجعلت أبطىء في المشي مخافة أن أخرج ، فلما دنوت من باب المسجد ، قلت : يا رسول الله ، السورة التي وعدتنيها ؟ فقال : " كيف تقرأ إذا قمت في الصلاة " ؟ قال : فقرأت { الحمد لله رب العالمين } [ الفاتحة : 1 ] حتى كملت فاتحة الكتاب ، فقال : " هي هي ، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيت " ، كذا أو نحوه ذكره مالك في الموطأ ، وهو مروي في البخاري ومسلم عن أبي سعيد بن المعلى أيضاً ، وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " إنها السبع المثاني ، وأم القرآن ، وفاتحة الكتاب " وفي كتاب الزهراوي : وليس فيها بسملة ، و { المثاني } على قول هؤلاء يحتمل أن يكون القرآن ، فـ { من } للتبعيض ، وقالت فرقة : بل أراد الحمد نفسها كما قال { الرجس من الأوثان } [ الحج : 30 ] فـ { من } لبيان الجنس ، وسميت بذلك لأنها تثنى في كل ركعة ، وقيل سميت بذلك لأنها يثنى بها على الله تعالى ، جوزه الزجاج . قال القاضي أبو محمد : وفي هذا القول من جهة التصريف نظر ، وقال ابن عباس : سميت بذلك لأن الله تعالى استثناها لهذه الأمة ولم يعطها لغيرها ، وقال نحوه ابن أبي مليكة ، وقرأت فرقة " والقرآن " بالخفض عطفاً على { المثاني } وقرأت فرقة " والقرآنَ " بالنصب عطفاً على قوله { سبعاً } ، وقال زياد بن أبي مريم : المراد بقوله { ولقد آتيناك سبعاً } أي سبع معان من القرآن خولناك فيها شرف المنزلة في الدنيا والآخرة وهي : مُرْ ، وانْهَ ، وبشر ، وأنذِر ، واضرب الأمثال ، واعدد النعم ، واقصص الغيوب ، وقال أبو العالية " السبع المثاني " هي آية فاتحة الكتاب ، ولقد نزلت هذه السورة وما نزل من السبع الطوال شيء ، وقوله { لا تمدن عينيك } الآية ، حكى الطبري ، عن سفيان بن عيينة أنه قال هذه الآية أمر بالاستغناء بكتاب الله عن جميع زينة الدنيا ، وهي ناظرة إلى قوله عليه السلام : " ليس منا من لم يتغن بالقرآن " أي يستغني به . قال القاضي أبو محمد : فكأنه قال : ولقد آتيناك عظيماً خطيراً فلا تنظر إلى غير ذلك من أمور الدنيا وزينتها التي متعنا بها أنواعاً من هؤلاء الكفرة ، ومن هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : " من أوتي القرآن فرأى أن أحداً أعطي أفضل مما أعطي فقد عظم صغيراً ، وصغر عظيماً " وكأن " مد العين " يقترن به تمنَّ ، ولذلك عبر عن الميل إلى زينة الدنيا بـ " مد العين " و " الأزواج " هنا الأنواع والأشباه ، وقوله { ولا تحزن عليهم } أي لا تتأسف لكفرهم وهلاكهم ، واصرف وجه تحفيك إلى من آمن بك { واخفض } لهم { جناحك } وهذه استعارة بمعنى لين جناحك ووطىء أكنافك . " والجناح " الجانب والجنب ، ومنه { واضمم يدك إلى جناحك } [ طه : 22 ] فهو أمر بالميل إليهم ، والجنوح الميل ، { وقل إني أنا النذير المبين } ، أي تمسك بهذا القدر العظيم الذي وهبناك ، والكاف من قوله { كما } متعلقة بفعل محذوف تقديره ، وقل إني أنا النذير المبين عذاباً كالذي أنزلنا على المقتسمين ، فالكاف اسم في موضع نصب . قال القاضي أبو محمد : هذا قول المفسرين ، وهو عندي صحيح لأن { كما } ليس مما يقوله محمد عليه السلام بل هو من قول الله تعالى له فينفصل الكلام ، وإنما يترتب هذا القول بأن نقدر أن الله تعالى قال له تنذر عذاباً كما ، والذي أقول في هذا المعنى : وقل أنا النذير كما قال قبلك رسلنا وأنزلنا عليهم كما أنزلنا عليك ، ويحتمل أن يكون المعنى وقل أنا النذير كما قد أنزلنا قبل في الكتب أنك ستأتي نذيراً ، وهذا على أن { المقتسمين } أهل الكتاب ، واختلف الناس في { المقتسمين } من هم ؟ فقال ابن زيد : هم قوم صالح الذين اقتسموا السيئات فالمقتسمون على هذا من القسم . قال القاضي أبو محمد : ويقلق هذا التأويل مع قوله { الذين جعلوا القرآن عضين } ، وقال ابن عباس وسعيد بن جبير : " المقتسمون " هم أهل الكتاب الذين فرقوا دينهم ، وجعلوا كتاب الله أعضاء آمنوا ببعض وكفروا ببعض ، وقال نحوه مجاهد ، وقالت فرقة : " المقتسمون " هم من كفار قريش الذين اقتسموا الطرق وقت الموسم ليعرفوا الناس بحال محمد عليه السلام ، وجعلوا القرآن سحراً وشعراً وكهانة فعضهوه بهذا وعضوه أعضاء بهذا التقسيم ، وقال عكرمة : " المقتسمون " هم قوم كانوا يستهزئون بسور القرآن فيقول الرجل منهم هذه السورة لي ، ويقول الآخر وهذه لي ، وقوله { عضين } مفعول ثان وجعل بمعنى صير ، أي بألسنتهم ودعواهم ، وأظهر ما فيه أنه جمع عضة ، وهي الفرقة من الشيء والجماعة من الناس كثبة وثبين وعزة وعزين ، وأصلها عضهة وثبوة فالياء والنون عوض من المحذوف ، كما قالوا سنة وسنون ، إذ أصلها سنهة ، وقال ابن عباس وغيره : { عضين } مأخوذ من الأعضاء أي عضوة فجعلوه أعضاء مقسماً ، ومن ذلك قول الراجز : @ وليس دين الله بالمعضى @@ وهذا هو اختيار أبي عبيدة ، وقال قتادة { عضين } مأخوذ من العضة وهو السب المفحش ، فقريش عضهوا كتاب الله بقولهم : هو شعر ، هو سحر ، هو كهانة ، وهذا هو اختيار الكسائي ، وقالت فرقة : { عضين } جمع عضة وهي اسم للسحر خاصة بلغة قريش ، ومنه قول الراجز : @ للماء من عضتهن زمزمة . @@ وقال هذا قول عكرمة مولى ابن عباس ، وقال العضة السحر ، وهم يقولون للساحرة العاضهة ، وفي الحديث " لعن الله العاضهة والمستعضهة " ، وهذا هو اختيار الفراء . قال القاضي أبو محمد : ومن قال جعلوه أعضاء فإنما أراد قسموه كما تقسم الجزور أعضاء ، وقوله { فوربك لنسألنهم } إلى آخر الآية ، ضمير عام ووعيد محض يأخذ كل أحد منه بحسب جرمه وعصيانه ، فالكافر يسأل عن لا إله إلا الله وعن الرسل وعن كفره وقصده به ، والمؤمن العاصي يسأل عن تضييعه ، والإمام عن رعيته ، وكل مكلف عما كلف القيام به ، وفي هذا المعنى أحاديث ، وقال أبو العالية في تفسير هذه الآية : يسأل العباد كلهم عن خلتين يوم القيامة عما كانوا يعبدون وماذا أجابوا المرسلين ، وقال في تفسيرها أنس بن مالك وابن عمر ومجاهد : إن السؤال عن لا إله إلا الله ، وذكره الزهراوي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال ابن عباس في قوله { فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون } ، قال يقال لهم : لم عملتم كذا وكذا ؟ قال وقوله تعالى : { فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان } [ الرحمن : 39 ] معناه يقال له ما أذنبت لأن الله تعالى أعلم بذنبه منه .