Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 120-124)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما كشف الله تعالى فعل اليهود وتحكمهم في شرعهم بذكر ما حرم عليهم ، أراد أن يبين بُعدهم عن شرع إبراهيم والدعوى فيه أن يصف حال إبراهيم ليبين الفرق بين حاله وحال قريش أيضاً ، و { أمة } لفظة مشتركة تقع للعين والقامة والجمع الكثير من الناس ، ثم يشبه الرجل العالم أو الملك أو المنفرد بطريقة وحده بالناس الكثير فيسمى { أمة } ، وعلى هذا الوجه سمي إبراهيم عليه السلام { أمة } ، قال ابن مسعود : " الأمة " معلم الخير ، وكان معاذ بن جبل " أمة قانتاً " ، وقال في بعض أوقاته إن معاذاً كان { أمة قانتاً } فقال قرة الكندي أو فروة بن نوفل : ليس كذلك إنما هو إبراهيم ، فقال أتدري ما الأمة ، هو معلم الخير وكذلك كان معاذ يعلم الخير ويطيع الله ورسوله ، وقال مجاهد : سمي إبراهيم { أمة } لانفراده بالإيمان في وقته مدة . قال القاضي أبو محمد : وفي البخاري أنه قال لسارة ليس على الأرض اليوم مؤمن غيري وغيرك ، وقال بعض النحويين ، أظنه أبا الحسن الأخفش : " الأمة " فعلة من أم يؤم فهو كالهُزْأة والضحكة أي يؤتم به . قال القاضي أبو محمد : فـ { أمة } على هذا صفة ، وعلى القول الأول اسم ليس بصفة ، و " القانت " المطيع الدائم على العبادة ، و " الحنيف " المائل إلى الخير والإصلاح ، وكانت العرب تقول ، لمن يختتن ويحج البيت حنيفاً ، وحذف النون من " لم يكن " لكثرة الاستعمال كحذفهم من لا أبال ولا أدر ، وهو أيضاً يشبه النون في حال سكونها حروف العلة لغنتها وخفتها وأنها قد تكون علامة وغير ذلك ، فكأن " لم " دخلت على " يكن " في حال الجزم . ولا تحذف النون إذا لم تكن ساكنة في نحو قوله { لم يكن الذين كفروا } [ البينة : 1 ] ولا يحذف في مثل هذا إلا في الشعر فقد جاءت محذوفة ، وقوله { من المشركين } يشير إلى تبرؤ حال إبراهيم عليه السلام من حال مشركي العرب ومشركي اليهود إذ كلهم ادعاه ويلزم الإشراك اليهود من جهة تجسيمهم ، و { شاكراً } ، صفة لإبراهيم تابعة ما تقدم ، و " الأنعم " جمع نعمة ، و { اجتباه } معناه تخيره ، وباقي الآية بين . وقوله { وآتيناه في الدنيا حسنة } الآية ، " الحسنة " لسان الصدق وإمامته لجميع الخلق ، هذا قول جميع المفسرين وذلك أن كل أمة متشرعة فهي مقرة أن إيمانها إيمان إبراهيم وأنه قدوتها وأنه كان على الصواب . وقوله { لمن الصالحين } بمعنى المنعم عليهم أي من الصالحين في أحوالهم ومراتبهم ، أو بمعنى أنه في الآخرة ممن يحكم له بحكم الصالحين في الدنيا ، وهذا على أن الآية وصف حاليه في الدارين ، ويحتمل أن يكون المعنى وأنه في عمل الآخرة ، فعلى هذا هي وصف حالي في الدنيا الدنياوية والأخراوية . وقوله { ثم أوحينا إليك } الآية ، الوحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم بهذا من جملة الحسنة التي آتاها الله إبراهيم ، قال ابن فورك وأمر الفاضل باتباع المفضول لما تقدم إلى الصواب والعمل به و { أن } في قوله { أن اتبع } مفسرة ، ويجوز أن تكون مفعولة ، و " الملة " الطريقة في عقائد الشرع ، و { حنيفاً } حال ، والعامل فيه الفعلية التي في قوله { ملة إبراهيم } ، ويجوز أن تكون حالاً من الضمير المرفوع في { اتبع } قال مكي : ولا يكون حالاً من إبراهيم ، لأنه مضاف إليه : وليس كما قال لأن الحال قد تعمل فيه حروف الخفض إذا عملت في ذي الحال ، كقولك مررت بزيد قائماً ، وقوله { إنما جعل السبت } أي لم يكن من ملة إبراهيم وإنما جعله الله فرضاً عاقب به القوم المختلفين فيه ، قاله ابن زيد ، وذلك أن موسى أمر بني إسرائيل أن يجعلوا من الجمعة يوماً مختصاً بالعبادة وأمرهم أن يكون الجمعة ، فقال جمهورهم : بل يكون يوم السبت لأن الله فرغ فيه من خلق مخلوقاته ، فقال غيرهم : بل نقبل ما أمر الله به موسى ، فراجعهم الجمهور فتابعهم الآخرون فالزمهم الله يوم السبت إلزاماً قوياً عقوبة لهم منه ، فلم يكن منهم ثبوت بل عصوا فيه وتعدوا فأهلكهم ، وقرأ الأعمش " إنما أنزلنا السبت " ، وهي قراءة ابن مسعود وقرأ أبو حيوة " جَعَل " بفتح الجيم والعين . قال القاضي أبو محمد : وورد في الحديث أن اليهود والنصارى اختلفوا في اليوم الذي يختص من الجمعة فأخذ هؤلاء السبت وهؤلاء الأحد فهدانا الله نحن إلى يوم الجمعة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه " ، فليس الاختلاف المذكور في الآية هو الاختلاف الذي في الحديث ، وباقي الآية وعيد بين .