Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 41-44)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ذكر الله تعالى كفار مكة الذين أقسموا أن الله لا يبعث من يموت ، ورد على قولهم ، ذكر مؤمني مكة المعاصرين لهم ، وهم الذين هاجروا إلى أرض الحبشة ، هذا قول الجمهور ، وهو الصحيح في سبب الآية ، لأن هجرة المدينة لم تكن وقت نزول الآية ، وقالت فرقة سبب الآية أبو جندل بن سهيل بن عمرو . قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف ، لأن أمر أبي جندل كان والنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، وقالت فرقة نزلت في عمار وصهيب وخباب وأصحابهم الذين أوذوا بمكة وخرجوا عنها . قال القاضي أبو محمد : وعلى كل قول فالآية تتناول بالمعنى كل من هاجر أولاً وآخراً . وقرأ الجمهور " لنبوئنهم " وقرأ ابن مسعود ونعيم بن ميسرة والربيع بن خثيم وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب . " لنثوينهم " وهاتان اللفظتان معناهما التقرير ، فقالت فرقة : الحسنة عِدَةٌ ببقعة شريفة كشف الغيب أنها كانت المدينة ، وإليها كانت الإشارة بقوله { حسنة } وقالت فرقة : الحسنة لسان الصدق الباقي عليهم في غابر الدهر . قال القاضي أبو محمد : وفي { لنبوئنهم } أو " لنثوينهم " على هذا التأويل في لسان الصدق تجوز كثير واستعارة بعيدة ، وهذا على أن { حسنة } هي المباءة والمثوى ، وأن الفعل الظاهر عامل فيها ، وقال أبو الفتح : نصبها على معنى نحسن إليهم في ذلك إحساناً ، وجعلت { حسنة } موضع إحساناً ، وذهبت فرقة إلى أن الحسنة عامة في كل ما يستحسن أن يناله ابن آدم وتخف الاستعارة المذكورة على هذا التأويل ، وفي هذا القول يدخل ما روي عن عمر بن الخطاب أنه كان يعطي المال وقت القسمة للرجل من المهاجرين ويقول له : خذ ما وعدك الله في الدنيا ، { ولأجر الآخرة أكبر } ، ثم يتلو هذه الآية . قال القاضي أبو محمد : ويدخل في هذا القول النصر على العدو وفتح البلاد ، وكل أمل أبلغه المهاجرون ، و " أجر الآخرة " هنا إشارة إلى الجنة ، والضمير في { يعلمون } عائد إلى كفار قريش ، وجواب { لو } مقدر محذوف ، ومفعول { يعلمون } كذلك ، وفي هذا نظر ، وقوله { الذين صبروا } من صفة المهاجرين الذين وعدهم الله ، والصبر يجمع عن الشهوات وعلى المكاره في الله تعالى ، و " التوكل " تتفاضل مراتبه ، فمطيل فيه وذلك مباح حسن ما لم يغل حتى يسبب الهلاك ، ومتوسط يسعى جميلاً ، وهذا مع قول النبي صلى الله عليه وسلم : " قيدها وتوكل " ، ومقصر لا نفع في تقصيره وإنما له ما قدر له ، وقوله { وما أرسلنا من قبلك } الآية ، هذه الآية رد على كفار قريش الذين استبعدوا أن يكون البشر رسولاً من الله تعالى ، فأعلمهم الله تعالى مخاطباً لمحمد صلى الله عليه وسلم أنه لم يرسل إلى الأمم { إلا رجالاً } . ولم يرسل ملكاً ولا غير ذلك ، و { رجالاً } منصوب بـ { أرسلنا } و { إلا } إيجاب ، وقرأ الجمهور بضم الياء وفتح الحاء ، وقرأت فرقة " يُوحِي " بضم الياء وكسر الحاء ، وقرأ عاصم من طريق حفص وحده " نوحِي " بالنون وكسر الحاء ، وهي قراءة ابن مسعود وطلحة بن مصرف وأبي عبد الرحمن ثم قال تعالى { فاسألوا } ، و { أهل الذكر } هنا اليهود والنصارى ، قاله ابن عباس ومجاهد والحسن ، وقال الأعمش وسفيان بن عيينة : المراد من أسلم منهم ، وقال ابن جبير وابن زيد : { أهل الذكر } أهل القرآن . قال القاضي أبو محمد : وهذان القولان فيهما ضعف ، لأنه لا حجة على الكفار في إخبار المؤمنين بما ذكر ، لأنهم يكذبون هذه الصنائف ، وقال الزجاج : { أهل الذكر } هنا أحبار اليهود والنصارى الذين لم يسلموا ، وهم في هذه النازلة خاصة إنما يخبرون بأن الرسل من البشر ، وإخبارهم حجة على هؤلاء ، فإنهم لم يزالوا مصدقين لهم ولا يتهمون لشهادة لنا لأنهم مدافعون في صدر ملة محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا هو كسر حجتهم من مذهبهم ، لا أنّا افتقرنا إلى شهادة هؤلاء ، بل الحق واضح في نفسه ، وقد أرسلت قريش إلى يهود يثرب يسألون ويستندون إليهم ، وقوله { بالبينات } متعلق بفعل مضمر تقديره أرسلناهم بالبينات ، وقالت فرقة الباء متعلقة بـ { أرسلنا } في أول الآية ، والتقدير على هذا وما أرسلنا من قبلك بالبينات والزبر إلا رجالاً ، ففي الآية تقديم وتأخير ، { والزبر } الكتب المزبورة ، تقول زبرت ودبرت إذا كتبت ، و { الذكر } في هذه الآية القرآن ، وقوله { لتبين } يحتمل أن يريد لتبين بسردك نص القرآن ما نزل ، ويحتمل أن يريد لتبين بتفسيرك المجمل ، وشرحك ما أشكل مما نزل ، فيدخل في هذا ما بينته السنة من أمر الشريعة ، وهذا قول مجاهد .