Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 98-103)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الفاء في قوله { فإذا } واصلة بين الكلامين ، والعرب تستعملها في مثل هذا ، وتقدير الآية فإذا أخذت في قراءة القرآن كما قال عز وجل { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } [ المائدة : 6 ] ، وكما تقول لرجل إذ أكلت فَقُل : بسم الله ، و " الاستعاذة " ندب عند الجميع ، وحكى النقاش عن عطاء أن التعوذ واجب ، ولفظ الاستعاذة هو على رتبة الآية ، وقد ذكرت الخلاف الذي قيل فيه في صدر هذا الكتاب ، و { الرجيم } المرجوم باللغة وهو إبليس ، ثم أخبر الله تعالى أن إبليس ليس له ملكة ولا رياسة ، هذا ظاهر " السلطان " عندي في هذه الآية ، وذلك أن " السلطان " إن جعلناه الحجة فليس له حجة في الدنيا على أحد لا مؤمن ولا كافر ، اللهم إلا أن يتأول متأول { ليس له سلطان } يوم القيامة ، فيستقيم أن يكون بمعنى الحجة لأن إبليس له حجة على الكافرين أنه دعاهم بغير دليل فاستجابوا له من قبل أنفسهم ، وهؤلاء الذين لا سلطان ولا رياسة لإبليس عليهم هم المؤمنون أجمعون ، لأن الله لم يجعل سلطانه إلا على المشركين الذين يتولونه ، والسلطان منفي هاهنا في الإشراك ، إذ له عليهم ملكة ما في المعاصي وهم الذين قال الله فيهم { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } [ الحجر : 42 ] وهم الذين قال إبليس فيهم { إلا عبادك منهم المخلصين } [ الحجر : 40 ] ، و { يتولونه } معناه يجعلونه ولياً ، والضمير فيه يحتمل أن يعود على اسم الله عز وجل ، والظاهر أنه يعود على اسم إبليس ، بمعنى من أجله وبسببه ، كما تقول لمعلمك : أنا عالم بك ، أي بسببك ، فكأنه قال : والذين هم بسببه مشركون بالله ، وهذا الإخبار بأن لا سلطان للشيطان على المؤمنين بعقب الأمر بالاستعاذة ، تقتضي أن الاستعاذة تتصرف كيده ، كأنها متضمنة للتوكل على الله والانقطاع إليه ، وقوله { وإذا بدلنا آية مكان آية } كان كفار مكة إذا نسخ الله لفظ آية بلفظ أخرى ومعناها وإن بقي لفظها ، لأن هذا كله يقع عليه التبديل ، يقولون : لو كان هذا من عند الله لم يتبدل ، وإنما هو من افتراء محمد ، فهو يرجع من خطأ يبدلونه إلى صواب يراه بعد ، فأخبر الله عز وجل أنه أعلم بما يصلح للعباد برهة من الدهر ، ثم ما يصلح لهم بعد ذلك ، وأنهم لا يعلمون هذا ، وقرأ الجمهور " ينَزّل " بفتح النون وشد الزاي ، وقرأ أبو عمرو بسكون النون وتخفيف الزاي ، وعبّر بـ " الأكثر " مراعاة لما كان عند قليل منهم من توقف وقلة مبالغة في التكذيب والظن ، ويحتمل أن يكون هذا اللفظ قرر على قليل منهم أنهم يعلمون ويكفرون تمرداً وعناداً ، وأمر نبيه أن يخبر أن القرآن وناسخه ومنسوخه إنما جبريل عليه السلام وهو { روح القدس } ، لا خلاف في ذلك ، و { القدس } الموضع المطهر ، فكأن جبريل أضيف إلى الأمر المطهر بإطلاق ، وسمي روحاً إما لأنه ذو روح من جملة روح الله الذي بثه في خلقه ، وخص هو بهذا الاسم ، وإما لأنه يجري من الهدايات والرسالات ومن الملائكة أيضاً مجرى الروح من الأجساد لشرفه ومكانته ، وقرأ ابن كثير " القدْس " بسكون الدال ، وقرأ الباقون " القدُس " بضمها ، وقوله { بالحق } أي مع الحق في أوامره ونواهيه وأحكامه ومصالحه ، وأخباره ، ويحتمل أن يكون قوله { بالحق } بمعنى حقاً ، ويحتمل أن يريد { بالحق } في أن ينزل أي أنه واجب لمعنى المصلحة أن ينزل ، وعلى هذا الاحتمال اعتراضات عند أصحاب الكلام على أصول الدين ، وباقي الآية بين وقوله { ولقد نعلم أنهم يقولون } ، قال ابن عباس : كان في مكة غلام أعجمي لبعض قريش يقال له بلعام ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلمه ويعلمه الإسلام ويرومه عليه فقالت قريش : هذا يعلم محمداً من جهة الأعاجم ، فنزلت الآية بسببه ، وقال عكرمة وسفيان : كان اسم الغلام يعيش ، وقال عبد الله بن مسلم الحضرمي : كان بمكة غلامان أحدهما اسمه جبر والآخر يسار ، وكانا يقرآن بالرومية ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس إليهما ، فقالت قريش ذلك ، ونزلت الآية ، وقال ابن إسحاق : الإشارة إلى جبر ، وقال الضحاك : الإشارة إلى سلمان الفارسي . قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف ، لأن سلمان إنما أسلم بعد الهجرة بمدة وقرأت فرقة " لسان الذي " ، وقرأ الحسن البصري " اللسان الذي " بالتعريف وبغير تنوين في رأي بشر ، وقرأ نافع وابن كثير " يُلحدون " بضم الياء من ألحدَ إذا مال ، وهي قراءة أبي عمرو وعاصم وابن عامر وأبي جعفر بن القعقاع ، وقرأ حمزة والكسائي " يَلحدون " بفتح الياء من لحد ، وهي قراءة عبد الله وطلحة وأبي عبد الرحمن والأعمش ومجاهد ، وهما بمعنى ، ومنه قول الشاعر : [ الرمل ] @ قدني من نصر الخبيبين قدي ليس أمري بالشحيح الماحد @@ يريد المائل عن الجود وحال الرياسة ، وقوله { أعجمي } إضافة إلى أعجم لا إلى العجم لأنه كان يقول عجمي ، والأعجمي هو الذي لا يتكلم بالعربية ، وأما العجمي فقد يتكلم بالعربية ونسبته قائمة ، وقوله { وهذا } إشارة إلى القرآن والتقدير ، وهذا سرد لسان ، أو نطق لسان ، فهو على حذف مضاف ، وهذا على أن يجعل اللسان هنا الجارحة ، و " اللسان " في كلام العرب اللغة ، ويحتمل أن يراد في هذه الآية ، واللسان الخبر ومنه قول الأعشى : @ إني أتتني لسان غير كاذبة . @@ ومنه قول الآخر : [ الوافر ] @ لسان السوء يهديها إلينا وجيت وما حسبتك أن تجينا @@ وحكى الطبري عن سعيد بن المسيب أن الذي ذكر الله : { إنما يعلمه بشر } ، { إنما } هي إشارة إلى كاتب كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم في أواخر الآيات : " والله سميع عليم " ، أو " عزيز حكيم " ، أو نحو هذا ، ثم يشتغل بسماع الوحي ، فيبدل هو بغفور رحيم أو نحوه ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الآيات : هو كما كتبت ، ففتن ، وقال أنا أعلم محمداً ، وارتد ولحق بمكة ، ونزلت الآية فيه . قال القاضي أبو محمد : هذا نصراني أسلم وكتب ، ثم ارتد ولحق بمكة ومات ، ثم لفظته الأرض ، وإلا فهذا القول يضعف لأن الكاتب المشهور الذي ارتد لهذا السبب ولغيره من نحوه هو عبد الله بن أبي سرح العامري ، ولسانه ليس بأعجمي فتأمله .