Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 56-59)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الذين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم في هذه الآية ، ليسوا عبدة الأصنام ، وإنما هم عبدة من يعقل ، واختلف في ذلك . فقال ابن عباس : هي في عبدة العزير والمسيح وأمه ونحوهم ، وقال ابن عباس أيضاً ، وابن مسعود : هي في عبدة الملائكة ، وقال ابن مسعود أيضاً : هي في عبدة شياطين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأسلم أولئك الشياطين ، وعبدتهم بقوا يعبدونهم فنزلت الآية في ذلك . وقال ابن عباس أيضاً : هي في عبدة الشمس والقمر والكواكب وعزير والمسيح وأمه ، وأي ذلك كان ، فمعنى الآية : قل لهؤلاء الكفرة { ادعوا } عند الشدائد ، و { الضر } هؤلاء المعبودين ، فإنهم لا يملكون كشفه ولا تحويله عنكم ، ثم أخبرهم على قراءة ابن مسعود وقتادة " تدعون " بالتاء ، أو أخبر النبي عليه السلام على قراءة الجمهور ، " يدعون " بالياء من تحت ، أن هؤلاء المعبودين ، يطلبون التقرب إلى الله والتزلف إليه وأن هذه حقيقة حالهم ، وقرأ ابن مسعود " إلى ربك " ، والضمير في { ربهم } للمتبعين أو للجميع ، و { الوسيلة } ، هي القربة ، وسبب الوصول إلى البغية ، وتوسل الرجل : إذا طلب الدنو والنيل لأمر ما ، وقال عنترة : @ إن الرجال لهم إليك وسيلة @@ ومنه قول النبي عليه السلام : " من سأل الله لي الوسيلة " الحديث . و { أيهم } ابتداء ، و { أقرب } خبر ، و { أولئك } يراد به المعبودون وهو : ابتداء خبره { يبتغون } والضمير في { يدعون } للكفار ، وفي { يبتغون } للمعبودين ، والتقدير : نظرهم ووكدهم أيهم أقرب وهذا كما قال عمر بن الخطاب في حديث الراية بخيبر : فبات الناس يدوكون أيهم يعطاها أي يتبارون في طلب القرب ، وطفف الزجاج في هذا الموضع فتأمله ، وقال ابن فورك وغيره : إن الكلام من قوله { أولئك الذين } راجع إلى النبيين المتقدم ذكرهم ، فـ { يدعون } على هذا من الدعاء ، بمعنى الطلبة إلى الله ، والضمائر لهم في { يدعون } وفي { يبتغون } وباقي الآية بين . وقوله تعالى : { وإن من قرية } الآية : أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه ليس مدينة من المدن إلا هي هالكة قبل يوم القيامة بالموت والفناء ، هذا مع السلامة وأخذها جزءاً أو هي معذبة مأخوذة مرة واحدة فهذا عموم في كل مدينة و { من } لبيان الجنس ، وقيل المراد الخصوص { وإن من قرية } ظالمة ، وحكى النقاش أنه وجد في كتاب الضحاك بن مزاحم في تفسير هذه الآية استقراء البلاد المعروفة اليوم ، وذكر لهلاك كل قطر منها صفة ، ثم ذكر نحو ذلك عن وهب بن منبه ، فذكر فيه أن هلاك الأندلس وخرابها يكون بسنابك الخيل واختلاف الجيوش فيها ، وتركت سائرها لعدم الصحة في ذلك ، والمعلوم أن كل قرية تهلك ، إما من جهة القحوط والخسف غرقاً ، وإما من الفتن ، أو منهما ، وصور ذلك كثيرة لا يعلمها إلا الله عزّ وجل ، فأما ما هلك بالفتنة ، فعن ظلم ولا بد ، إما في كفر أو معاص ، أو تقصير في دفاع ، وحزامة ، وأما القحط فيصيب الله به من يشاء ، وكذلك الخسف . وقوله { مهلكوها } الضمير لها ، وفي ضمن ذلك الأهل ، وقوله { معذبوها } هو على حذف مضاف ، فإنه لا يعذب إلا الأهل ، وقوله { في الكتاب } يريد في سابق القضاء ، وما خطه القلم في اللوح المحفوظ ، و " المسطور " المكتوب إسطاراً ، وقوله تعالى : { وما منعنا أن نرسل } الآية ، هذه العبارة في معناها هي على ظاهر ما تفهم العرب ، فسمى سبق قضائه بتكذيب من كذب وتعذيبه منعاً ، وأن الأولى في موضع نصب ، والثانية في موضع رفع ، والتقدير : وما منعنا الإرسال إلا التكذيب ، وسبب هذه الآية " أن قريشاً اقترحوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهباً ، واقترح بعضهم أن يزيل عنهم الجبال حتى يزرعوا الأرض ، فأوحى الله إلى محمد عليه السلام ، إن شئت أن أفعل ذلك لهم ، فإن تأخروا عن الإيمان عاجلتهم العقوبة ، وإن شئت استأنيت بهم ، عسى أن أجتبي منهم مؤمنين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بل تستأني بهم يا رب " ، فأخبر الله تعالى في هذه الآية أنه لم يمنعه من إرسال الآيات المقترحة إلا الاستيناء ، إذ قد سلفت عادته بمعالجة الأمم الذين جاءتهم الآيات المقترحة فلم يؤمنوا ، قال الزجاج : أخبر تعالى أن موعد كفار هذه الأمة الساعة ، بقوله { بل الساعة موعدهم } [ القمر : 46 ] ، فهذه الآية تنظر إلى ذلك ، ثم ذكر أمر ثمود ، احتجاجاً إن قال منهم قائل نحن كنا نؤمن لو جاءتنا آية اقترحناها ولا نكفر بوجه ، فذكر الله تعالى ثمود ، بمعنى : لا تؤمنون إن تظلموا بالآية كما ظلمت ثمود بالناقة ، وقرأ الجمهور : " ثمود " بغير تنوين ، قال هارون : أهل الكوفة ينونون " ثموداً " في كل وجه ، قال أبو حاتم : لا تنون العامة والعلماء بالقرآن " ثمود " في وجه من الوجوه ، وفي أربعة مواطن ألف مكتوبة ، ونحن نقرؤها بغير ألف ، وقوله { مبصرة } على جهة النسب أي معها إبصار ، كما قال : { آية النهار مبصرة } [ الإسراء : 12 ] أي معها إبصار ممن ينظر ، وهذا عبارة عن بيان أمرها ، ووضوح إعجازها ، وقرأ قوم " مُبصَرة " بضم الميم وفتح الصاد ، حكاه الزجاج ، ومعناه متبينة ، وقرأ قتادة " مَبصَرة " بفتح الميم والصاد ، وهي مَفعَلة من البصر ومثله قول عنترة : [ الكامل ] . @ الكفر مخبثة لنفس المنعم @@ وقوله { فظلموا بها } أي وضعوا الفعل غير موضعه ، أي بعقرها ، وقيل بالكفر في أمرها ، ثم أخبر الله تعالى أنه إنما يرسل { بالآيات } غير المقترحة { تخويفاً } للعباد ، وهي آيات معها إمهال لا معاجلة ، فمن ذلك الكسوف والرعد والزلزلة وقوس قزح وغير ذلك ، قال الحسن والموت الذريع ، وروي أن الكوفة رجفت في مدة عبد الله بن مسعود . فقال : أيها الناس إن ربكم يستعتبكم فاعتبوه ، ومن هذا " قول النبي علي السلام في الكسوف : " فافزعوا إلى الصلاة " الحديث ، وآيات الله المعتبر بها ثلاثة أقسام : فقسم عام في كل شيء إذ حيثما وضعت نظرك وجدت آية ، وهنا فكرة العلماء ، وقسم معتاد غباً كالرعد والكسوف ونحوه ، وهنا فكرة الجهلة فقط ، وقسم خارق للعادة وقد انقضى بانقضاء النبوءة ، وإنما يعتبر به توهماً لما سلف منه .