Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 89-92)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه الآية تنبه على فضل الله في القرآن على العالم ، وتوبيخ للكفار منهم على قبيح فعلهم ، وتصريف القول هو ترديد البيان عن المعنى ، وقرأ الجمهور " صرّفنا " بتشديد الراء ، وقرأ الحسن " صرَفنا " بفتح الراء خفيفة ، وقوله { من كل مثل } يجوز أن تكون { من } لابتداء الغاية ، ويكون المفعول بـ { صرفنا } مقدراً تقديره " ولقد صرفنا في هذا القرآن التنبيه والعبر من كل مثل ضربناه " ، ويجوز أن تكون مؤكدة زائدة ، التقدير " ولقد صرفنا كل مثل " ، وهذا كقوله تعالى : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } [ البقرة : 125 ] . وقوله { فأبى } عبارة عن تكسب الكفار الكفر وإعراضهم عن الإيمان ، وفي العبارة يأبى تغليظ ، والكفر بالخلق والاختراع هو من فعل الله تعالى ، وبالتكسب والدؤوب هو من الإنسان ، و { كفوراً } مصدر كالخروج ، وقوله تعالى : { وقالوا لن نؤمن لك } الآية ، قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر " حتى تُفجّر " ، وقرأ عاصم وحمزة الكسائي حتى " تَفجُر " بفتح التاء وضم الجيم ، وفي القرآن { فانفجرت } [ البقرة : 60 ] ، وانفجر مطاوع فجر فهذا مما يقوي القراءة الثانية ، وأما الأولى فتقتضي المبالغة في التفجير . و " الينبوع " الماء النابع ، وهي صفة مبالغة إنما تقع للماء الكثير ، وطلبت قريش هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، وإياها عنوا بـ { الأرض } ، وإنما يراد بإطلاق لفظة { الأرض } هنا الأرض التي يكون فيها المعنى المتكلم فيه ، كقوله { أو ينفوا من الأرض } [ المائدة : 33 ] فإنما يريد من أرض تصرفهم وقطعهم السبل ومعاشهم ، وكذلك أيضاً اقتراحهم الجنة إنما هو بمكة لامتناع ذلك فيها ، وإلا ففي سائر البلاد كان ذلك يمكنه وإنما طلبوه بأمر إلهي في ذلك الموضع الجدب ، وقرأ الجمهور " جنة " ، وقرأ " حبة " المهدوي ، وقوله { فتفجّر } . تضعيف مبالغة لا تضعيف تعدية ، كغلقت الأبواب ، و { خلالها } ظرف ، ومعناه أثناءها وفي داخلها ، وروي في قول هذه المقالة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حديث طويل ، مقتضاه " أن عتبة وشيبة ابني ربيعة ، وعبد الله بن أبي أمية ، والنضر بن الحارث وغيرهم من مشيخة قريش وسادتها ، اجتمعوا عليه فعرضوا عليه أن يملكوه إن أراد الملك ، أو يجمعوا له كثيراً من المال إن أراد الغنى ، أو يطبوه إن كان به داء ونحو هذا من الأقاويل ، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك إلى الله ، وقال " إنما جئتكم عند الله بأمر فيه صلاح دينكم ودنياكم ، فإن سمعتم وأطعتم فحسن ، وإلا صبرت لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم بما شاء " ، فقالوا له حينئذ فإن كان ما تزعمه حقاً ففجر ينبوعاً ونؤمن لك ، ولتكن لك جنة إلى غير ذلك مما كلفوه ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذا كله إلى الله ، ولا يلزمني هذا ولا غيره ، وإنما أنا مستسلم لأمر الله " ، هذا هو معنى الحديث . وفي الألفاظ اختلاف وروايات متشعبة يطول سوق جميعها ، فاختصرت لذلك . وقوله تعالى : { أو تسقط السماء } الآية ، قرأ الجمهور " أو تُسقط " بضم التاء ، " السماءَ " نصب ، وقرأ مجاهد " أو تَسقط السماءُ " برفع " السماءُ " وإسناد الفعل إليها ، وقوله { كما زعمت } إشارة إلى ما تلي عليهم قبل ذلك في قوله عز وجل { إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفاً من السماء } [ سبأ : 9 ] ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي " كسْفاً " بسكون السين إلا في الروم ، فإنهم حركوها ، ومعناه قطعاً واحداً ، قال مجاهد : السماء جميعاً وتقول العرب : كسفت الثوب ونحوه قطعته ، فـ " الكسَف " بفتح السين المصدر ، والكسف الشيء المقطوع ، قال الزجاج : المعنى أو تسقط السماء علينا قطعاً ، واشتقاقه من كسفت الشيء إذا غطيته . قال القاضي أبو محمد : وليس بمعروف في دواوين اللغة كسف بمعنى غطى ، وإنما هو بمعنى قطع ، وكأن كسوف الشمس والقمر قطع منهما ، وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر " كسَفاً " بفتح السين أي قطعاً جمع كسفه ، وقوله { قبيلاً } قيل معناه مقابلة وعياناً ، وقيل معناه ضامناً وزعيماً بتصديقك ، ومنه القبالة وهي الضمان والقبيل ، والمتقبل الضامن ، وقيل معناه نوعاً وجنساً لا نظير له عندنا ، وقرأ الأعرج " قبلاً " وقيل بمعنى المقابلة .