Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 13-16)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما اقتضى قوله { لنعلم أي الحزبين أحصى } [ الكهف : 12 ] اختلافاً وقع في أمر الفتية ، عقب بالخبر عن أنه عز وجل يعلم من أمرهم { بالحق } الذي وقع ، وفي مجموع هذه الآيات جواب قريش عن سؤالهم الذي أمرتهم به بنو إسرائيل . و " القص " الإخبار بأمر يسرد ، لا بكلام يروى شيئاً شيئاً ، لأن تلك المخاطبة ليست بقصص ، وقوله { وزدناهم هدى } أي يسرناهم للعمل الصالح والانقطاع إلى الله عز وجل ومباعدة الناس والزهد في الدنيا ، وهذه زيادات على الإيمان . وقوله { وربطنا على قلوبهم } عبارة عن شدة عزم وقوة صبر أعطاها الله لهم ، ولما كان الفزع وخور النفس يشبه بالتناسب الانحلال ، حسن في شدة النفس وقوة التصميم أن يشبه الربط ، ومنه يقال : فلان رابط الجأش إذا كان لا تفرق نفسه عند الفزع والحرب وغيرها ، ومنه الربط على قلب أم موسى ، وقوله { إذ قاموا فقالوا } يحتمل معنيين ، أحدهما أن يكون هذا وصف مقامهم بين يدي الملك الكافر ، فإنه مقام يحتاج إلى الربط على القلب حيث صلبوا عليه وخالفوا دينه ورفضوا في ذات الله هيبته ، والمعنى الثاني أن يعبر بالقيام عن انبعاثهم بالعزم إلى الهروب إلى الله ومنابذة الناس ، كما تقول قام فلان إلى أمر كذا إذا اعتزم عليه بغاية الجد ، وبهذه الألفاظ التي هي قاموا فقالوا تعلقت الصوفية في القيام والقول ، وقرا الأعمش " إذ قاموا قياماً فقالوا " ، وقولهم : { لقد قلنا إذاً شططاً } أي لو دعونا من دون ربنا إلهاً ، والشطط الجور ، وتعدي الحد والغلو بحسب الأمر ، ومنه اشتط الرجل في السوم إذا طلب في سلعته فوق قيمتها ، ومنه شطوط النوى والبعد ، ومن اللفظة قول الشاعر : [ الطويل ] @ ألا يالقومي قد اشتط عواذلي ويزعمن أن أودى بحقي باطلي @@ وقولهم : { هؤلاء قومنا } مقالة تصلح أن تكون مما قالوا في مقامهم بين يدي الملك ، وتصلح أن تكون من قول بعضهم لبعض عند قيامهم للأمر الذي عزموا عليه ، وقولهم : { لولا يأتون } تحضيض بمعنى التعجيز ، لأنه تحضيض على ما لا يمكن ، وإذا لم يمكنهم ذلك لم يجب أن تلفت دعواهم ، و " السلطان " الحجة ، وقال قتادة : المعنى بعذر بين ، وهذه عبارة محلقة ، ثم عظموا جرم الداعين مع الله آلهة وظلمهم بقوله على جهة التقرير { فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً } وقولهم { وإذ اعتزلتموهم } الآية أن القيام في قوله { إذ قاموا } عزماً كما تضمن التأويل الواحد وكان القول منهم فيما بينهم فهذه المقالة يصح أن تكون من قولهم الذي قالوه عند قيامهم ، وإن كان القيام المذكور مقامهم بين يدي الملك فهذه المقالة لا يترتب أن تكون من مقالهم بين يدي الملك ، بل يكون في الكلام حذف تقديره وقال بعضهم لبعض ، وبهذا يترجح أن قوله تعالى : { إذ قاموا فقالوا } إنما المراد به إذ عزموا ونفذوا لأمرهم ، وقوله { إلا الله } إن فرضنا الكفار الذين فر أهل الكهف منهم لا يعرفون الله ولا علم لهم به ، وإنما يعتقدون الألوهية في أصنامهم فقط ، فهو استثناء منقطع ليس من الأول ، وإن فرضناهم يعرفون الله ويعظمونه كما كانت تفعل العرب لكنهم يشركون أصنامهم معه في العبادة فالاستثناء متصل ، لأن الاعتزال وقع في كل ما يعبد الكفار إلا في جهة الله تعالى ، وفي مصحف ابن مسعود " وما يعبدون من دون الله " ، قال قتادة هذا تفسيرها ، قال هارون وفي بعض مصاحفه " وما يعبدون من دوننا " ، فعلى ما قال قتادة تكون { إلا } بمنزلة غير ، و { ما } من قوله { وما يعبدون } في موضع نصب عطفاً على الضمير في قوله { اعتزلتموهم } ، ومضمن هذه الآية أن بعضهم قال لبعض إذ فارقنا الكفار وانفردنا بالله تعالى فلنجعل الكهف مأوى ونتكل على الله تعالى فإنه سيبسط لنا رحمته وينشرها علينا ويهيىء لنا من أمرنا { مرفقاً } ، وهذا كله دعاء بحسب الدنيا ، وعلى ثقة من الله كانوا في أمر آخرتهم ، وقرأ نافع وابن عامر " مَرفِقاً " بفتح الميم وكسر الفاء ، وهو مصدر كالرفق فيما حكى أبو زيد ، وهي قراءة أبي جعفر والأعرج وشيبة ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي والحسن وطلحة والأعمش وابن أبي إسحاق " مِرفَقاً " بكسر الميم وفتح الفاء ، ويقالان جميعاً في الأمر وفي الجارحة ، حكاه الزجاج ، وذكر مكي عن الفراء أنه قال : لا أعرف في الأمر وفي اليد وفي كل شيء إلا كسر الميم ، وأنكر الكسائي أن يكون " المرفق " من الجارحة إلا بفتح الميم وكسر الفاء ، وخالفه أبو حاتم ، وقال " المَرفق " بفتح الميم الموضع كالمسجد وهما بعد لغتان .