Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 1-5)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
كان حفص عن عاصم يسكت عند قوله { عوجاً } سكتة خفيفة ، وعند { مرقدنا } [ ص : 52 ] في سورة يس ، وسبب هذه البدأة في هذه السورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سألته قريش عن المسائل الثلاث ، الروح ، والكهف ، وذي القرنين ، حسبما أمرتهم بهن يهود ، قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم غداً أخبركم ، بجواب سؤالكم ، ولم يقل إن شاء الله ، فعاتبه الله عز وجل بأن استمسك الوحي عنه خمسة عشر يوماً ، فأرجف به كفار قريش ، وقالوا : إن محمداً قد تركه ربه الذي كان يأتيه من الجن ، وقال بعضهم : قد عجز عن أكاذيبه إلى غير ذلك ، فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ منه ، فلما انقضى الأمد الذي أراد الله عتاب محمد إليه ، جاءه الوحي من الله بجواب الأسئلة وغير ذلك ، فافتتح الوحي بحمد الله { الذي أنزل على عبده الكتاب } أي بزعمكم أنتم يا قريش ، وهذا كما تقول لرجل يحب مساءتك فلا يرى إلا نعمتك الحمد لله الذي أنعم علي وفعل بي كذا على جهة النقمة عليه ، و { الكتاب } هو القرآن ، وقوله { ولم يجعل له عوجاً } أي لم يزله عن طريق الاستقامة ، و " العوج " فقد الاستقامة ، وهو بكسر العين في الأمور والطرق وما لا يحس متنصباً شخصاً ، و " العوج " بفتح العين في الأشخاص كالعصا والحائط ونحوه ، وقال ابن عباس : معناه ولم يجعله مخلوقاً ، وقوله { ولم يجعل له عوجاً } يعم هذا وجميع ما ذكره الناس من أنه لا تناقض فيه ومن أنه لا خلل ولا اختلاف فيه . وقوله { قيماً } نصب على الحال من { الكتاب } ، فهو بمعنى التقديم ، مؤخر في اللفظ ، أي أنزل الكتاب قيماً ، واعترض بين الحال وذي الحال قوله : { ولم يجعل له عوجاً } وذكر الطبري هذا التأويل عن ابن عباس ، ويجوز أن يكون منصوباً بفعل مضمر تقديره أنزله أو جعله { قيماً } ، وفي بعض مصاحف الصحابة " ولم يجعل له عوجاً لكن جعله قيماً " قاله قتادة ، ومعنى " قيم " مستقيم ، هذا قول ابن عباس والضحاك ، وقيل معناه أنه قيم على سائر الكتب بتصديقها ، ذكره المهدوي ، وهذا محتمل وليس من الاستقامة ويصح أن يكون معنى " قيم " قيامه بأمر الله عز وجل على العالم ، وهذا المعنى يؤيده ما بعده من النذارة والبشارة اللذين عما العالم . و " البأس الشديد " عذاب الآخرة ، ويحتمل أن يندرج معه في النذارة عذاب الدنيا ببدر وغيرها ، ونصبه على المفعول الثاني ، والمعنى لينذر العالم ، وقوله { من لدنه } أي من عنده ومن قبله ، والضمير في { لدنه } عائد على الله تعالى ، وقرأ الجمهور من " لدُنْهُ " بضم الدال وسكون النون وضم الهاء ، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر " من لدْنِهِ " بسكون الدال وإشمام الضم فيها وكسر النون والهاء ، وفي " لدن " لغات ، يقال " لدن " مثل سبع ، " ولدْن " بسكون الدال " ولُدن " بضم اللام ، " ولَدَن " بفتح اللام والدال وهي لفظة مبنية على السكون ، ويلحقها حذف النون مع الإضافة ، وقرأ عبد الله وطلحة " ويَبْشُر " بفتح الياء وسكون الباء وضم الشين ، وقوله { أن لهم أجراً } تقديره بأن لهم أجراً ، والأجر الحسن نعيم الجنة ، ويتقدمه خير الدنيا ، و { ماكثين } حال من الضمير في { لهم } و { أبداً } ظرف لأنه دال على زمن غير متناه . قال القاضي أبو محمد : وقد أشرت في تفسير هذه الآية إلى أمر اليهود قريشاً بسؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن المسائل الثلاث ، وينبغي أن تنص كيف كان ذلك . ذكر ابن إسحاق عن ابن عباس بسند ، أنه قال : بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط ، إلى أحبار يهود بالمدينة ، فقالوا لهما سلاهم عن محمد وصفا لهم صفته ، فإنهم أهل الكتاب الأول ، وعندهم ما ليس عندنا من علم الأنبياء ، فخرجا حتى أتيا المدينة ، فسألا أحبار اليهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت لهما أحبار يهود : سلوه عن ثلاث نأمركم بهن ، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل ، وإن لم يفعل فالرجل متقول ، فروا فيه رأيكم ، سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول وما كان من أمرهم ؟ فإنه كان لهم حديث عجيب ، وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه ؟ وسلوه عن الروح . فأقبل النضر وعقبة إلى مكة وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، وكان الأمر ما ذكرناه ، وقوله { وينذر الذين قالوا اتخذ الله } الآية ، أهل هذه المقالة هم بعض اليهود في عزير ، والنصارى في المسيح ، وبعض العرب في الملائكة ، والضمير في { به } يحتمل أن يعود على القول الذي يتضمنه { قالوا } المتقدم ، وتكون جملة قوله { ما لهم به من علم } في موضع الحال ، أي قالوا جاهلين ، ويحتمل أن يعود على " الولد " الذي ادعوه ، فتكون الجملة صفة للولد ، قاله المهدوي ، وهو معترض لأنه لا يصفه إلا القائل ، وهم ليس في قصدهم أن يصفوه ، والصواب عندي أنه نفي مؤتنف أخبر الله تعالى بجهلهم في ذلك ، فلا موضع للجملة من الإعراب ، ويحتمل أن يعود على الله عز وجل ، وهذا التأويل أذم لهم وأقضى بالجهل التام عليهم ، وهو قول الطبري . وقوله { ولا لآبائهم } يريد الذين أخذ هؤلاء هذه المقالة عنهم ، وقرأ الجمهور " كبرت كلمةً " بنصب الكلمة ، كما تقول نعم رجلاً زيد ، وفسر " الكلمة " ووصفها بالخروج من أفواههم ، وقال بعضهم : نصبها على التفسير على حد نصب قوله تعالى { وساءت مرتفقاً } [ الكهف : 29 ] وقالت فرقة نصبها على الحال ، والتقدير { كبرت } فريتهم أو نحو هذا { كلمة } ، وسميت هذه الكلمات { كلمة } من حيث هي مقالة واحدة ، كما يقولون للقصيدة كلمة ، وهذه المقالة قائمة في النفس معنى واحداً ، فيحسن أن تسمى كلمة ، وقرأ الحسن ويحيى بن يعمر وابن محيصن والقواس عن ابن كثير " كبرت كلمةٌ " برفع الكلمة على أنها فاعلة بـ { كبرت } ، وقوله { إن يقولون } أي ما يقولون .