Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 79-79)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ الجمهور " لمساكين " بتخفيف السين ، جمع مسكين ، واختلف في صفتهم ، فقالت فرقة كانت لقوم تجار ، ولكنهم من حيث هم مسافرون على قلة ، وفي لجة بحر ، وبحال ضعف عن مدافعة غصب جائر ، عبر عنهم بـ " مساكين " ، إذ هم في حالة يشفق عليهم بسببها . قال القاضي أبو محمد : وهذا كما تقول لرجل غني إذا وقع في وهدة وخطب مسكين وقالت فرقة : كانوا عشرة إخوة : أهل عاهات خمسة منهم : عاملون بالسفينة لا قدرة بهم على العمل ، وقرأت فرقة " لمسّاكين " بتشديد السين . واختلف في تأويل ذلك فقالت فرقة أراد بـ " المساكين " ملاحي السفينة وذلك أن المساك هو الذي يمسك رجل المركب وكل الخدمة يصلح لإمساكه ، فسمي الجميع " مساكين " ، وقالت فرقة : أراد " المسّاكين " دبغة المسوك ، وهي الجلود واحدها مسك . قال القاضي أبو محمد : والأظهر في ذلك القراءة الأولى وأن معناها أن السفينة لقوم ضعفاء ينبغي أن يشفق لهم ، واحتج الناس بهذه الآية في أن المسكين الذي له البلغة من العيش كالسفينة لهؤلاء ، وأنه أصلح حالاً من الفقير ، واحتج من يرى خلاف هذا بقول الشاعر : [ البسيط ] @ أما الفقير الذي كانت حلوبته وفق العيال فلم يترك له سبد @@ وتحرير هذا عندي أنهما لفظان يدلان على ضعف الحال جداً ، ومع المسكنة انكشاف وذل وسؤال ، ولذلك جعلها الله صنفين ، في قسم الصدقات ، فأما حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو : " ليس المسكين بهذا الطواف " فجعل المساكين في اللغة أهل الحاجة الذين قد كشفوا وجوههم ، وأما قول الله تعالى : { للفقراء الذين أحصروا } [ البقرة : 273 ] . فجعل الفقراء أهل الحاجة الذين لم يكشفوا وجوههم ، وقد تقدم القول في هذه المسألة بأوعب من هذا . وقوله { وكان وراءهم ملك } قال قوم معناه أمامهم ، وقالوا وراء من الأضداد ، وقرأ ابن جبير وابن عباس : " وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة " صحيحة وقرأ عثمان بن عفان " وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة " . قال القاضي أبو محمد : وقوله { وراءهم } هو عندي على بابه وذلك أن هذه الألفاظ إنما تجيء مراعاً بها الزمن ، وذلك أن الحادث المقدم الوجود هو الإمام ، وبين اليد : لما يأتي بعده في الزمن ، والذي يأتي بعد : هو الوراء وهو ما خلف ، وذلك بخلاف ما يظهر ببادي الرأي ، وتأمل هذه الألفاظ في مواضعها حيث وردت تجدها تطرد ، فهذه الآية معناها : أن هؤلاء وعملهم ، وسعيهم ، يأتي بعده في الزمن غصب هذا الملك ، ومن قرأ " أمامهم " ، أراد في المكان ، أي إنهم كانوا يسيرون إلى بلده ، وقوله تعالى في التوراة والإنجيل إنها بين يدي القرآن ، مطرد على ما قلنا في الزمن ، وقوله { من وراءهم جهنم } [ الجاثية : 10 ] مطرد كما قلنا مراعاة الزمن وقول النبي صلى الله عليه وسلم " الصلاة أمامك " يريد في المكان ، وإلا فكونهم في ذلك الوقت كان أمام الصلاة في الزمن وتأمل هذه المقالة فإنها مريحة من شغب هذه الألفاظ ، ووقع لقتادة في كتاب الطبري { وكان وراءهم ملك } قال قتادة أمامهم ، ألا ترى أنه يقول { من وراءهم جهنم } [ الجاثية : 10 ] وهي بين أيديهم . وهذا القول غير مستقيم وهذه هي العجمة التي كان الحس بن أبي الحسن يضج منها قاله الزجاج ويجوز إن كان رجوعهم في طريقهم على الغاصب ، فكان وراءهم حقيقة ، وقيل اسم هذا الغاصب هدد بن بدد ، وقيل اسمه الجلندا ، وهذا كله غير ثابت ، وقوله { كل سفينة } عموم معناه الخصوص في الجياد منها الصحاح المارة به .