Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 83-86)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اختلف فيمن سأله عن هذه القصة ، فقيل سألته طائفة من أهل الكتاب ، وروى في ذلك عقبة بن عامر حديثاً ذكره الطبري وقيل إنما سألته قريش ، حين دلتها اليهود على سؤاله عن الروح ، والرجل الطواف ، وفتية ذهبوا في الدهر ليقع امتحانه بذلك ، و " ذو القرنين " : هو الإسكندر الملك اليوناني المقدوني ، وقد تشدد قافه ، فيقال المقدوني ، وذكر ابن إسحاق في كتاب الطبري أنه يوناني ، وقال وهب بن منبه هو رومي ، وذكر الطبري حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم " أن ذا القرنين شاب من الروم " وهو حديث واهي السند ، فيه عن شيخين من تجيب ، واختلف الناس في وجه تسميته بـ { ذي القرنين } ، فأحسن الأقوال أنه كان ذا ضفرتين من شعر هما قرناه ، فسمي بهما ، ذكره المهدوي وغيره ، والضفائر قرون الرأس ، ومنه قول الشاعر : [ الكامل ] @ فلثمت فاها آخذاً بقرونها شرب النزيف لبرد ماء الحشرج @@ ومنه حديث في غسل بنت النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت أم عطية : فضفرنا رأسها ثلاثة قرون ، وكثيراً تجيء تسمية النواصي قروناً ، وروي أنه كان في أول ملكه يرى في نومه أنه يتناول الشمس ، ويمسك قرنين لها بيديه ، فقص ذلك ، ففسر أنه سيغلب على ما ذرت عليه ، وسمي " ذا القرنين " ، وقالت فرقة سمي " ذا القرنين " لأنه بلغ المغرب والمشرق ، فكأنه حاز قرني الدنيا ، وقالت فرقة إنه بلغ مطلع الشمس كشف بالرؤية قرنيها ، فسمي بذلك ، أو قرني الشيطان بها ، وقال وهب بن منبه : سمي بذلك لأن جنبتي رأسه كانتا من نحاس ، وقال وهب بن منبه أيضاً كان له قرنان تحت عمامته . قال القاضي أبو محمد : وهذا كله بعيد ، وقال علي بن أبي طالب : إنما سمي " ذا القرنين " لأنه ضرب على قرن رأسه فمات : ثم حيي ثم ضرب على قرن رأسه الآخر فمات ، فسمي بذلك لأنه جرح على قرني رأسه جرحين عظيمين في يومين عظيمين من أيام حربه فسمي بذلك ، وهذا قريب ، والتمكين له في الأرض أنه ملك الدنيا ، ودانت له الملوك كلها ، فروي أن جميع من ملك الدنيا كلها أربعة : مؤمنان وكافران ، والمؤمنان : سليمان بن داود ، والإسكندر ، والكافران نمرود وبخت نصر ، وقوله { وآتيناه من كل شيء سبباً } معناه علماً في كل أمر ، وأقيسة يتوصل بها إلى معرفة الأشياء ، وقوله { كل شيء } عموم ، معناه الخصوص في كل ما يمكن أن يعلمه ويحتاج إليه ، وثم لا محالة أشياء لم يؤتَ منها سبباً يعلمها به ، واختلف في { ذي القرنين } فقيل هو نبي ، وهذا ضعيف . وقيل هو ملَك بفتح اللام ، وروي عن علي بن أبي طالب أنه سمع رجلاً يدعو آخر يا ذا القرنين ، فقال أما كفاكم أن تسميتم بأسماء الأنبياء حتى تسميتم بأسماء الملائكة . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عنه فقال " ملك مسح الأرض من تحتها بالأسباب " وقيل هو عبد ملِك بكسر اللام صالح ، نصح لله فأيده ، قاله علي بن أبي طالب ، وقال فيكم اليوم مثله ، وعنى بذلك نفسه ، والله أعلم . وقوله { فأتبع سبباً } الآية ، قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو " فاتّبع " بشد التاء ، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي " فأتبع " بسكون التاء على وزن أفعل ، قال بعض اللغويين هما بمعنى واحد ، وكذلك تبع ، وقالت فرقة " أتبع " بقطع الألف : هي عبارة عن المجد المسرع الحثيث الطلب ، و " اتبع " إنما يتضمن معنى الاقتفاء دون هذه القرائن ، قاله أبو زيد وغيره . قال القاضي أبو محمد : واستقرأ هذا القائل هذه المقالة من القرآن كقوله عز وجل { فأتبعه شهاب ثاقب } [ الصافات : 10 ] ، وكقوله { فأتبعهم فرعون } [ يونس : 90 ] [ طه : 78 ] ، وكقوله تعالى : { فأتبعه الشيطان } [ الأعراف : 175 ] ، وهذا قول حكاه النقاش عن يونس بن حبيب ، وإذا تأملت " اتّبع " بشد التاء لم تربط لك هذا المعنى ولا بد . و " السبب " في هذه الآية ، الطريق المسلوكة ، لأنها سبب الوصول إلى المقصد ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم " في عين حَمِئة " ، على وزن فَعِلة ، أي ذات حُماة ، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر ، والباقون في " عين حامية " ، أي حارة ، وقد اختلف في ذلك قراءة معاوية وابن عباس فقال ابن عباس " حمئة " ، وقال معاوية " حامية " ، فبعثا إلى كعب الأحبار ليخبرهم بالأمر كيف هو في التوراة ، فقال لهما أما العربية فأنتما أعلم بها مني ، ولكني أجد في التوراة أنها تغرب في عين ثاط ، والثاط الطين . فلما انفصلا قال رجل لابن عباس : لوددت أني حضرت يا أبا العباس ، فكنت أنجدك بشعر تبع الذي يقول فيه في ذكر ذي القرنين : [ الكامل ] @ قد كان ذو القرنين جدي مسلماً ملكاً تدين له الملوك ويحشد بلغ المشارق والمغارب يبتغي أسباب أمر من حيكم مرشد فرأى مغار الشمس عند غروبها في عين ذي خلب وثاط حرمد @@ فالخلب : الطين ، والثاط : الحمأة ، الحرمد : الأسد ، ومن قرأ " حامئة " ، وجهها إلى الحرارة ، وروي عن عبد الله بن عمرو " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى الشمس وهي تغيب فقال " في نار الله الحامية ، لولا ما يزعها من الله لأحرقت ما على الأرض " ، وروى أبو ذر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى الشمس عند غروبها فقال " أتدري أين تغرب يا أبا ذر ؟ " قلت لا ، قال : " إنها تغرب في عين حامية " ، فهذا يدل على أن العين هنالك حارة ، و " حامية " هي قراءة طلحة بن عبيد الله ، وعمرو بن العاص وابنه ، وابن عمر ، وذهب الطبري إلى الجمع بين الأمرين : فيقال يحتمل أن تكون العين حارة ، ذات حمأة فكل قراءة وصف بصفة من أحوالها ، وذهب بعض البغداديين إلى أن { في } بمنزلة عند ، كأنها مسامتة من الأرض فيما يرى الرائي لـ { عين حمئة } وقال بعضهم : قوله { في عين } إنما المراد أن ذا القرنين كان فيها ، أي هي آخر الأرض . قال القاضي أبو محمد : وظاهر هذه الأقوال تخيل والله أعلم ، قال أبو حاتم : وقد يمكن أن تكون " حاميئة " مهموزة ، بمعنى ذات حمأة ، فتكون القراءتان بمعنى واحد ، واستدل بعض الناس عل أن ذا القرنين نبي ، بقوله تعالى : { قلنا يا ذا القرنين } ومن قال إنه ليس بنبي ، قال كانت هذه المقالة من الله له بإلهام ، و { إما أن تعذب } بالقتل على الكفر { وإما أن تتخذ فيهم حسناً } أي بالإجمال على الإيمان ، واتباع الهدى ، فكأنه قيل له هذه لا تعطيها إلا إحدى خطتين : إما أن تكفر فتعذبها ، وإما أن تؤمن فتحسن إليها ، وذهب الطبري إلى أن اتخاذ الحسن هو الأسر مع كفرهم ، فالمعنى ، على هذا ، أنهم كفروا ولا بد فخيره الله بين قتلهم أو أسرهم ، ويحتمل أن يكون الاتخاذ ضرب الجزية . قال القاضي أبو محمد : ولكن تقسيم { ذي القرنين } بعد هذا الأمر إلى كفر أو إيمان ، يريد هذا القول بعض الرد ، فتأمله .