Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 102-104)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { فيتعلمون } : قال سيبويه : التقدير فهم يتعلمون ، وقيل هو معطوف على قوله { يعلمون الناس } ، ومنعه الزجاج ، وقيل : هو معطوف على موضع { وما يعلمان } لأن قوله { وما يعلمان } وإن دخلت عليه ما النافية فمضمنه الإيجاب في التعليم ، وقيل التقدير فيأتون فيتعلمون ، واختاره الزجاج ، والضمير في { يعلمان } هو لهاروت وماروت الملكين أو الملكين العلجين على ما تقدم ، والضمير في { منهما } قيل : هو عائد عليهما ، وقيل : على { السحر } وعلى الذي أنزل على الملكين ، و { يفرقون } معناه فرقة العصمة ، وقيل معناه : يؤخِّذون الرجل عن المرأة حتى لا يقدر على وطئها فهي أيضاً فرقة . وقرأ الحسن والزهري وقتادة : " المرِء " براء مكسورة خفيفة ، وروي عن الزهري تشديد الراء ، وقرأ ابن أبي إسحاق " المُرء " بضم الميم وهمزة وهي لغة هذيل ، وقرأ الأشهب العقيلي " المِرء " بكسر الميم وهمزة ، ورويت عن الحسن ، وقرأ جمهور الناس " المَرء " بفتح الميم وهمزة ، والزوج هنا امرأة الرجل ، وكل واحد منهما زوج الآخر ، ويقال للمرأة زوجة قال الفرزدق . [ الطويل ] @ وإن الذي يسعى ليفسِدَ زوجتي كساعٍ إلى أُسْد الشرى يسْتبيلها @@ وقرأ الجمهور " بضارين به " ، وقرأ الأعمش " بضاري به من أحد " فقيل : حذفت النون تخفيفاً ، وقيل : حذفت للإضافة إلى { أحد } وحيل بين المضاف والمضاف إليه بالمجرور ، و { بإذن الله } معناه . بعلمه وتمكينه ، و { يضرهم } معناه في الآخرة { ولا ينفعهم } فيها أيضاً ، وإن نفع في الدنيا بالمكاسب فالمراعى إنما هو أمر الآخرة ، والضمير في { علموا } عائد على بني إسرائيل حسب الضمائر المتقدمة ، وقيل : على { الشياطين } ، وقيل على { الملكين } وهما جمع ، وقال { اشتراه } لأنهم كانوا يعطون الأجرة على أن يعلموا ، والخلاق النصيب والحظ ، وهو هنا بمعنى الجاه والقدر ، واللام في قوله { لمن } المتقدمة للقسم المؤذنة بأن الكلام قسم لا شرط ، وتقدم القول في " بئسما " ، و { شروا } معناه باعوا ، وقد تقدم مثله ، والضمير في { يعلمون } عائد على بني إسرائيل باتفاق ، ومن قال إن الضمير في { علموا } عائد عليهم خرج هذا الثاني على المجاز ، أي لما عملوا عمل من لا يعلم كانوا كأنهم لا يعلمون ، ومن قال إن الضمير في { علموا } عائد على { الشياطين } أو على { الملكين } قال : إن أولئك علموا أن لا خلاق لمن اشتراه وهؤلاء لم يعلموا فهو على الحقيقة ، وقال مكي : الضمير في { علموا } لعلماء أهل الكتاب ، وفي قوله { لو كانوا يعلمون } للمتعلمين منهم . وقوله تعالى : { ولو أنهم آمنوا } : موضع " أن " رفع ، المعنى لو وقع إيمانهم ، ويعني الذين اشتروا السحر ، { ولو } تقتضي جواباً ، فقالت فرقة جوابها { لمثوبة } ، لأنها مصدر للمضي والاستقبال ، وجواب { لو } لا يكون إلا ماضياً أو بمعناه ، وقال الأخفش : لا جواب لـ { لو } في هذه مظهراً ولكنه مقدر ، أي لو آمنوا لأثيبوا . وقرأ قتادة وأبو السمال وابن بريدة " لمثْوَبة " بسكون الثاء وفتح الواو ، وهو مصدر أيضاً كمشورة ومشورة ، ومثوبة رفع بالابتداء و { خير } خبره والجملة خبر أن ، والمثوبة عند جمهور الناس بمعنى الثواب والأجر ، وهذا هو الصحيح ، وقال قوم : معناه لرجعة إلى الله من ثاب يثوب إذا رجع ، واللام فيها لام القسم لأن لام الابتداء مستغنى عنها ، وهذه لا غنى عنها ، وقوله تعالى : { لو كانوا يعلمون } يحتمل نفي العلم عنهم ، ويحتمل أن يراد : لو كانوا يعلمون علماً ينفع . وقرأ جمهور الناس " راعِنا " من المراعاة بمعنى فاعلنا أي أرعنا نرعك ، وفي هذا جفاء أن يخاطب به أحد نبيه ، وقد حض الله تعالى على خفض الصوت عنده وتعزيره وتوقيره ، فقال من ذهب إلى هذا المعنى إن الله تعالى نهى المؤمنين عنه لهذه العلة ، ولا مدخل لليهود في هذه الآية على التأويل ، بل هو نهي عن كل مخاطبة فيها استواء مع النبي صلى الله عليه وسلم : وقالت طائفة : هي لغة كانت الأنصار تقولها ، فقالها رفاعة بن زيد بن التابوت للنبي صلى الله عليه وسلم ليّاً بلسانه وطعناً كما كان يقول : اسمع غير مسمع ، فنهى الله المؤمنين أن تقال هذه اللفظة . قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : ووقف هذه اللغة على الأنصار تقصير ، بل هي لغة لجميع العرب فاعل من المراعاة . فكانت اليهود تصرفها إلى الرعونة ، يظهرون أنهم يريدون المراعاة ويبطنون أنهم يريدون الرعونة التي هي الجهل ، وحكى المهدوي عن قوم أن هذه الآية على هذا التأويل ناسخة لفعل قد كان مباحاً ؛ وليس في هذه الآية شروط النسخ لأن الأول لم يكن شرعاً متقرراً . وقرأ الحسن بن أبي الحسن وابن أبي ليلى وابن محيصن وأبو حيوة " راعناً " بالتنوين ، وهذه من معنى الجهل ، وهذا محمول على أن اليهود كانت تقوله فنهى الله تعالى المؤمنين عن القول المباح سد ذريعة لئلا يتطرق منه اليهود إلى المحظور ، إذ المؤمنون إنما كانوا يقولون " راعنا " دون تنوين ، وفي مصحف ابن مسعود " راعونا " ، وهي شاذة ، ووجهها أنهم كانوا يخاطبون النبي صلى الله عليه وسلم كما تخاطب الجماعة ، يظهرون بذلك إكباره وهم يريدون في الباطن فاعولاً من الرعونة . و { انظُرنا } مضمومة الألف والظاء معناها انتظرنا وأمهل علينا ، ويحتمل أن يكون المعنى تفقدنا من النظر ، وهذه لفظة مخلصة لتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم على المعنيين ، والظاهر عندي استدعاء نظر العين المقترن بتدبر الحال ، وهذا هو معنى { راعنا } ، فبدلت للمؤمنين اللفظة ليزول تعلق اليهود ، وقرأ الأعمش وغيره " أنظِرنا " بقطع الألف وكسر الظاء بمعنى أخرنا وأمهلنا حتى نفهم عنك ونتلقى منك . ولما نهى الله تعالى في هذه الآية وأمر ، حض بعد على السمع الذي في ضمنه الطاعة ، واعلم أن لمن خالف أمره فكفر عذاباً أليماً ، وهو المؤلم ، { واسمعوا } معطوف على { قولوا } لا على معمولها .