Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 113-115)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اختلف من المراد بقوله { لا يعلمون } ، فقال الجمهور : عنى بذلك كفار العرب ، لأنهم لا كتاب لهم ، وقال عطاء : المراد أمم كانت قبل اليهود والنصارى ، وقال قوم : المراد اليهود ، وكأنه أعيد قولهم . قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف ، وأخبر تعالى بأنه { يحكم بينهم } ، والمعنى بأن يثيب من كان على شيء ، أي شيء حق ، ويعاقب من كان على غير شيء ، وقال الزجاج : المعنى يريهم عياناً من يدخل الجنة ومن يدخل النار و { يوم القيامة } سمي بقيام الناس من القبور ، إذ ذلك مبد لجميع مبدأ في اليوم وفي الاستمرار بعده ، وقوله { كانوا } بصيغة الماضي حسن على مراعاة الحكم ، وليس هذا من وضع الماضي موضع المستقبل لأن اختلافهم ليس في ذلك اليوم ، بل في الدنيا . وقوله تعالى { ومن أظلم } الآية ، { من } رفع بالابتداء ، و { أظلم } خبره ، والمعنى لا أحد أظلم . واختلف في المشار إليه من هذا الصنف الظالم ، فقال ابن عباس وغيره : المراد النصارى الذين كانوا يؤذون من يصلي ببيت المقدس ويطرحون فيه الأقذار ، وقال قتادة والسدي : المراد الروم الذين أعانوا بختنصر على تخريب بيت المقدس حين قتلت بنو إسرائيل يحيى بن زكرياء عليه السلام ، وقيل : المعنّي بختنصر ، وقال ابن زيد : المراد كفار قريش حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسجد الحرام ، وهذه الآية تتناول كل من منع من مسجد إلى يوم القيامة أو خرب مدينة إسلام ، لأنها مساجد ، وإن لم تكن موقوفة ، إذ الأرض كلها مسجد لهذه الأمة ، والمشهور مسجد بكسر الجيم ، ومن العرب من يقول مسجد بفتحها ، و { أن يذكر } في موضع نصب : إما على تقدير حذف " من " وتسلط الفعل ، وإما على البدل من المساجد ، وهو بدل الاشتمال الذي شأن البدل في أن يتعلق بالمبدل منه ويختص به أو تقوم به صفة ، ويجوز أن يكون مفعولاً من أجله ، ويجوز أن تكون { أن } في موضع خفض على إسقاط حرف الجر ، ذكره سيبويه ، ومن قال من المفسرين إن الآية بسبب بيت المقدس جعل الخراب الحقيقي الموجود ، ومن قال هي بسبب المسجد الحرام جعل منع عمارته خراباً ، إذ هو داع إليه ، ومن جعل الآية في النصارى روى أنه مر زمان بعد ذلك لا يدخل نصراني بيت المقدس إلا أوجع ضرباً ، قاله قتادة والسدي ، ومن جعلها في قريش قال كذلك نودي بأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يحج مشرك ، و { خائفين } نصب على الحال ، وهذه الآية ليست بأمر بين منعهم من المساجد ، لكنها تطرق إلى ذلك وبدأة فيها وعد للمؤمنين ووعيد للكافرين . ومن جعل الآية في النصارى قال : الخزي قتل الحربي وجزية الذمي ، وقيل : الفتوح الكائنة في الإسلام كعمورية وهرقلة وغير ذلك ، ومن جعلها في قريش جعل الخزي غلبتهم في الفتح وقتلهم والعذاب في الآخرة لمن مات منهم كافراً ، و { خزي } رفع بالابتداء وخبره في المجرور . و { المشرق } موضع الشروق ، { والمغرب } موضع الغروب ، أي هما له ملك وما بينهما من الجهات والمخلوقات ، وخصهما بالذكر وإن كانت جملة المخلوقات كذلك لأن سبب الآية اقتضى ذلك ، و " أينما " شرط ، و { تولوا } جزم به ، والجواب في قوله { فثم } ، والمعنى فأينما تولوا نحوه وإليه ، لأن ولّى وإن كان غالب استعمالها أدبر فإنها تقتضي أنه يقبل إلى ناحية ، تقول وليت عن كذا وإلى كذا ، وقرأ الحسن " تولوا " بفتح التاء واللام ، وثمَّ مبنية على الفتح ، وهي في موضع نصب على الظرف ، و { وجه الله } معناه الذي وجهنا إليه ، كما تقول سافرت في وجه كذا أي في جهة كذا . واختلف الناس في تأويل الوجه الذي جاء مضافاً إلى الله تعالى في مواضع من القرآن ، فقال الحذاق : ذلك راجع إلى الوجود ، والعبارة عنه بالوجه من مجاز كلام العرب ، إذ كان الوجه أظهر الأعضاء في الشاهد وأجلها قدراً ، وقال بعض الأئمة : تلك صفة ثابتة بالسمع زائدة على ما توجبه العقول من صفات القديم تعالى ، وضعف أبو المعالي هذا القول ، ويتجه في بعض المواضع كهذه الآية أن يراد بالوجه الجهة التي فيها رضاه وعليها ثوابه ، كما تقول تصدقت لوجه الله تعالى ، ويتجه في هذه الآية خاصة أن يراد بالوجه الجهة التي وجهنا إليها في القبلة حسبما يأتي في أحد الأقوال ، وقال أبو منصور في المقنع : يحتمل أن يراد بالوجه هنا الجاه ، كما تقول فلان وجه القوم أي موضع شرفهم ، فالتقدير فثم جلال الله وعظمته . واختلف المفسرون في سبب هذه الآية ، فقال قتادة : أباح الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بهذه الآية أن يصلي المسلمون حيث شاؤوا ، فاختار النبي صلى الله عليه وسلم بيت المقدس حينئذ ، ثم نسخ ذلك كله بالتحول إلى الكعبة ، وقال مجاهد والضحاك : معناه إشارة إلى الكعبة ، أي جيث كنتم من المشرق والمغرب فأنتم قادرون على التوجه إلى الكعبة التي هي وجه الله الذي وجهكم إليه . قال القاضي أبو محمد : وعلى هذا فهي ناسخة لبيت المقدس ، وقال ابن زيد : كانت اليهود قد استحسنت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت القدس ، وقالوا : ما اهتدى إلا بنا ، فلما حول إلى الكعبة قالت اليهود : ما ولاهم عن قبلتهم ؟ فنزلت { ولله المشرق والمغرب } الآية ، وقال ابن عمر : نزلت هذه الآية في صلاة النافلة في السفر حيث توجهت بالإنسان دابته ، وقال النخعي : الآية عامة أينما تولوا في متصرفاتكم ومساعيكم { فثم وجه الله } ، أي موضع رضاه وثوابه وجهة رحمته التي يوصل إليها بالطاعة ، وقال عبد الله بن عامر بن ربيعة : نزلت فيمن اجتهد في القبلة فأخطأ ، وورد في ذلك حديث رواه عامر بن ربيعة قال : " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر في ليلة مظلمة ، فتحرى قوم القبلة وأعلموا علامات ، فلما أصبحوا رأوا أنهم قد أخطؤوها ، فعرفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، فنزلت هذه الآية " ، وذكر قوم هذا الحديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن مع القوم في السفر ، وذلك خطأ ، وقال قتادة أيضا : نزلت هذه الآية في النجاشي ، وذلك أنه لما مات دعا النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى الصلاة عليه ، فقال قوم كيف نصلي على من لم يصلِّ إلى القبلة قط ؟ فنزلت هذه الآية ، أي إن النجاشي كان يقصد وجه الله وإن لم يبلغة التوجه إلى القبلة ، وقال ابن جبير : نزلت الآية في الدعاء لما نزلت { ادعوني استجب لكم } [ غافر : 60 ] ، قال المسلمون : إلى أين ندعو ، فنزلت { فأينما تولوا فثم وجه الله } ، وقال المهدوي : وقيل هذه الآية منتظمة في معنى التي قبلها ، أي لا يمنعكم تخريب مسجد من أداء العبادات ، فإن المسجد المخصوص للصلاة إن خرب { فثم وجه الله } موجود حيث توليتم . وقال أيضاً : وقيل نزلت الآية حين صد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيت ، و { واسع } معناه متسع الرحمة عليهم أين يضعها ، وقيل { واسع } معناه هنا أنه يوسع على عباده في الحكم دينه يسر ، { عليم } بالنيات التي هي ملاك العمل ، وإن اختلفت ظواهره في قبلة وما أشبهها .