Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 158-160)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ الصفا والمروة } : جبيلان بمكة ، و { الصفا } جمع صفاة ، وقيل : هو اسم مفرد جمعه صفى وأصفاء ، وهي الصخرة العظيمة ، قال الراجز : [ الرجز ] @ مواقعُ الطَّيرِ على الصَّفى @@ وقيل : من شروط الصفا البياض والصلابة ، و { المروة } واحدة المرو ، وهي الحجارة الصغار التي فيها لين ، ومنه قول الذي أصاب شاته الموت من الصحابة " فذكيتها بمروة " ، ومنه قيل الأمين : " اخرجني إلى أخي فإن قتلني فمروة كسرت مروة ، وصمصامة قطعت صمصامة " ، وقد قيل في المرو : إنها الصلاب . قال الشاعر : [ الوافر ] @ وَتَوَلَّى الأَرْضَ خِفّاً ذَابِلاً فإذَا ما صَادَفَ الْمَرْوَ رَضَخْ @@ والصحيح أن المرو الحجارة صليبها ورخوها الذي يتشظى وترق حاشيته ، وفي هذا يقال المرو أكثر ، وقد يقال في الصليب ، وتأمل قول أبي ذؤيب : [ الكامل ] @ حتى كأني للحوادث مروة بصفا المشقر كل يوم تقرع @@ وجبيل { الصفا } بمكة صليب ، وجبيل { المروة } إلى اللين ماهق ، فبذلك سميا ، قال قوم : ذكر { الصفا } لأن آدم وقف عليه ، ووقفت حواء على المروة فانثت لذلك . وقال الشعبي : " كان على الصفا صنم يدعى إسافاً ، وعلى المروة صنم يدعى نائلة " ، فاطرَد ذلك في التذكير والتأنيث وقدم المذكر ، و { من شعائر الله } معناه من معالمه ومواضع عبادته ، وهي جمع شعيرة أو شعارة ، وقال مجاهد : ذلك راجع إلى القول ، أي مما أشعركم الله بفضله ، مأخوذ من تشعرت إذا تحسست ، وشعرت مأخوذ من الشعار وهو ما يلي الجسد من الثياب ، والشعار مأخوذ من الشعر ، ومن هذه اللفظة هو الشاعر : و { حج } معناه قصد وتكرر ، ومنه قول الشاعر : [ الطويل ] @ وأَشْهَدُ مِنْ عوفٍ حلولاً كثيرةً يحجُّونَ سَبَّ الزِّبْرِقَانِ الْمُزَعْفَرَا @@ ومنه قول الآخر : [ البسيط ] @ يحج مأمومةً في قَعْرِها لجفُ @@ و { اعتمر } زار وتكرر مأخوذ من عمرت الموضع ، والـ { جناح } الإثم الميل عن الحق والطاعة ، ومن اللفظة الجناح لأنه في شق ، ومنه قيل للخبا جناح لتمايله وكونه كذي أجنحة ، ومنه : { وإن جنحوا للسلم فاجنح لها } [ الأنفال : 61 ] ، و { يطوف } أصله يتطوف سكنت التاء وأدغمت في الطاء . وقرأ أبو السمال " أن يطاف " وأصله يطتوف تحركت الواو وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفاً فجاء يطتاف أدغمت التاء بعد الإسكان في الطاء على مذهب من أجاز إدغام الثاني في الأول ، كما جاء في مدكر ، ومن لم يجز ذلك قال قلبت طاء ثم أدغمت الطاء في الطاء ، وفي هذا نظر لأن الأصلي أدغم في الزائد وذلك ضعيف . وروي عن ابن عباس وأنس بن مالك وشهر بن حوشب أنهم قرؤوا " أن لا يتطوف " وكذلك في مصحف عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب " أن لا يطوف " ، قيل : " أن لا يطوف " بضم الطاء وسكون الواو . وقوله تعالى : { إن الصفا والمروة من شعائر الله } خبر يقتضي الأمر بما عهد من الطواف بهما . وقوله { فلا جناح } ليس المقصد منه إباحة الطواف لمن شاء ، لأن ذلك بعد الأمر لا يستقيم ، وإنما المقصد منه رفع ما وقع في نفوس قوم من العرب من أن الطواف بينهما فيه حرج ، وإعلامهم أن ما وقع في نفوسهم غير صواب ، واختلف في كيفية ذلك فروي أن الجن كانت تعرف وتطوف بينهما في الجاهلية فكانت طائفة من تهامة لا تطوف بينهما في الجاهلية لذلك ، فلما جاء الإسلام تحرجوا من الطواف . وروي عن عائشة رضي الله عنها أن ذلك في الأنصار وذلك أنهم كانوا يهلون لمناة التي كانت بالمشلل حذو قديد ويعظمونها فكانوا لا يطوفون بين إساف ونائلة إجلالاً لتلك ، فلما جاء الإسلام تحرجوا فنزلت هذه الآية ، وروي عن الشعبي أن العرب التي كانت تطوف هنالك كانت تعتقد ذلك السعي إجلالاً لإساف ونائلة ، وكان الساعي يتمسح بإساف فإذا بلغ المروة تمسح بنائلة وكذلك حتى تتم أشواطه ، فلما جاء الإسلام كرهوا السعي هنالك إذ كان بسبب الصنمين . واختلف العلماء في السعي بين الصفا والمروة فمذهب مالك والشافعي أن ذلك فرض ركن من أركان الحج لا يجزي تاركه أو ناسيه إلا العودة ، ومذهب الثوري وأصحاب الرأي أن الدم يجزيء تاركه وإن عاد فحسن ، فهو عندهم ندب ، وروي عن أبي حنيفة : إن ترك أكثر من ثلاثة أشواط فعليه دم ، وإن ترك ثلاثة فأقل فعليه لكل شوط إطعام مسكين ، وقال عطاء ليس على تاركه شيء لا دم ولا غيره ، واحتج عطاء بما في مصحف ابن مسعود " أن لا يطوف بهما " وهي قراءة خالفت مصاحف الإسلام ، وقد أنكرتها عائشة رضي الله عنها في قولها لعروة حين قال لها " أرأيت قول الله : { فلا جناح أن يطوف بهما } ؟ فما نرى على أحد شيئاً ألا يطوف بهما " قالت : " يا عروة كلا لو كان ذلك لقال : فلا جناح عليه ألا يطوف بها " . قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وأيضاً فإن ما في مصحف ابن مسعود يرجع إلى معنى أن يطوف وتكون " لا " زائدة صلة في الكلام ، كقوله { ما منعك ألا تسجد } [ الأعراف : 12 ] ، وكقول الشاعر : [ البسيط ] @ ما كان يرضى رسولُ اللَّهِ فِعْلَهُمُ والطِّيبانِ أبو بَكْرٍ ولا عمرُ @@ أي وعمر وكقول الآخر : [ الرجز ] @ وما ألومُ البِيضَ أَنْ لا تَسْخَرَا @@ ومذهب مالك وأصحابه في العمرة أنها سنة إلا ابن حبيب فإنه قال بوجوبها ، وقرأ قوم من السبعة وغيرهم " ومن يطوع " بالياء من تحت على الاستقبال والشرط ، والجواب في قوله { فإن } ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم " تطوع " على بابه في المضي ، فـ { من } على هذه القراءة بمعنى الذي ، ودخلت الفاء في قوله { فإن } للإبهام الذي في { من } ، حكاه مكي ، وقال أبو علي : يحتمل " تطوع " أن يكون في موضع جزم و { من } شرطية ، ويحتمل أن تكون { من } بمعنى الذي والفعل صلة لا موضع له من الإعراب ، والفاء مؤذنة أن الثاني وجب لوجوب الأول ، ومن قال بوجوب السعي قال : معنى { تطوع } أي زاد براً بعد الواجب ، فجعله عاماً في الأعمال ، وقال بعضهم : معناه من تطوع بحج أو عمرة بعد حجة الفريضة ، ومن لم يوجب السعي قال : المعنى من تطوع بالسعي بينهما ، وفي قراءة ابن مسعود " فمن تطوع بخير " ومعنى { شاكر } أي يبذل الثواب والجزاء ، { عليم } بالنيات والأعمال لا يضيع معه لعامل بر ولا غيره عمل . وقوله تعالى { إن الذين يكتمون } الآية ، المراد بالذين أحبار اليهود ورهبان النصارى الذين كتموا أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، قال الطبري : " وقد روي أن معينين منهم سألهم قوم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عما في كتبهم من أمره فكتموا فنزلت ، وتتناول الآية بعد كل من كتم علماً من دين الله يحتاج إلى بثه ، وذلك مفسر في قول النبي صلى الله عليه وسلم : " من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار " ، وهذا إذا كان لا يخاف ولا ضرر عليه في بثه . وهذه الآية أراد أبو هريرة رضي الله عنه في قوله " لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم حديثاً " . وقد ترك أبو هريرة ذلك حين خاف فقال " حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين : أما أحدهما فبثثته وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم " . وهذه الآية أراد عثمان رضي الله عنه في قوله : " لأحدثنكم حديثاً لولا آية في كتاب الله ما حدثتكموه " ، ومن روى في كلام عثمان " لولا أنه في كتاب الله " فالمعنى غير هذا . و { البينات والهدى } : أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم يعم بعد كل ما يكتم من خير ، وقرأ طلحة بن صرف " من بعد ما بينه " على الإفراد ، و { في الكتاب } يراد به التوراة والإنجيل بحكم سبب الآية وأنها في أمر محمد صلى الله عليه وسلم ثم يدخل القرآن مع تعميم الآية ، وقد تقدم معنى اللعنة . واختلف في اللاعنين فقال قتادة والربيع : الملائكة والمؤمنون ، وهذا ظاهر واضح جار على مقتضى الكلام ، وقال مجاهد وعكرمة : هم الحشرات والبهائم يصيبهم الجدب بذنوب علماء السوء الكاتمين فيلعنونهم . قال القاضي أبو محمد : وذكروا بالواو والنون كمن يعقل لأنهم أسند إليهم فعل من يعقل ، كما قال { رأيتهم لي ساجدين } [ يوسف : 4 ] ، وقال البراء بن عازب { اللاعنون } كل المخلوقات ما عدا الثقلين الجن والإنس ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الكافر إذا ضرب في قبره فصاح سمعه الكل إلا الثقلين فلعنه كل سامع " ، وقال ابن مسعود : المراد بها ما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن كل متلاعنين إن استحقا اللعنة وإلا انصرفت على اليهود " . قال القاضي أبو محمد : وهذه الأقوال الثلاثة لا يقتضيها اللفظ ولا تثبت إلا بسند يقطع العذر ، ثم استثنى الله تعالى التائبين وقد تقدم معنى التوبة ، و { أصلحوا } أي في أعمالهم وأقوالهم ، و { بينوا } قال من فسر الآية على العموم : معناه بينوا توبتهم بمبرز العمل والبروع فيه ، ومن فسرها على أنها في كاتمي أمر محمد قال : المعنى بينوا أمر محمد صلى الله عليه وسلم فتجيء الآية فيمن أسلم من اليهود والنصارى ، وقد تقدم معنى توبة الله على عبده وأنها رجوعه به عن المعصية إلى الطاعة .