Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 165-167)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ذكر الله الوحدانية ثم الآيات الدالة على الصانع الذي لا يمكن أن يكون إلا واحداً ، ثم ذكر في هذه الآية الجاحدين الضالين معجباً من سوء ضلالهم مع الآيات ، لأن المعنى أن في هذه الأمور لآيات بينة ، ومن الناس مع ذلك البيان من يتخذ ، وخرج { يتخذ } موحداً على لفظ { من } والمعنى جمعه ، و { من دون } لفظ يعطي غيبة ما تضاف إليه { دون } عن القضية التي فيها الكلام ، وتفسير { دون } بسوى أو بغير لا يطرد ، والند والنظير والمقاوم والموازي كان ضداً أو خلافاً أو مثلاً ، إذا قاوم من جهة فهو منها ند ، وقال مجاهد وقتادة : المراد بالأنداد الأوثان ، وجاء ضميرها في { يحبونهم } ضمير من يعقل لما أنزلت بالعبادة منزلة من يعقل ، وقال ابن عباس والسدي : المراد بالأنداد الرؤساء المتبعون يطيعونهم في معاصي الله تعالى ، و { يحبونهم } في موضع نصب نعت للأنداد ، أو على الحال من المضمر في { يتخذ } ، أو يكون في موضع رفع نعت { لمن } وهذا على أن تكون { من } نكرة والكاف من { كحب } في موضع نصب نعت لمصدر محذوف ، و { حب } مصدر مضاف إلى المفعول في اللفظ وهو على التقدير مضاف إلى الفاعل المضمر ، تقديره كحبكم الله أو كحبهم الله حسبما قدر كل وجه منها فرقة ، ومعنى كحبهم أي يسوون بين محبة الله ومحبة الأوثان . ثم أخبر أن المؤمنين { أشد حباً لله } لإخلاصهم وتيقنهم الحق . وقوله تعالى : { ولو ترى الذين ظلموا } قرأ نافع وابن عامر " ترى " بالتاء من فوق ، و " أن " بفتح الألف ، و " أن " الأخرى كذلك عطف على الأولى ، وتقدير ذلك : ولو ترى يا محمد الذين ظلموا في حال رؤيتهم للعذاب وفزعهم منه واستعظامهم له لأقروا أن القوة لله ، فالجواب مضمر على هذا النحو من المعنى ، وهو العامل في " أن " وتقدير آخر : ولو ترى يا محمد الذين ظلموا في حال رؤيتهم للعذاب وفزعهم منه لعلمت أن القوة لله جميعاً ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم علم ذلك ، ولكن خوطب والمراد أمته ، فإن فيهم من يحتاج إلى تقوية علمه بمشاهدة مثل هذا ، وتقدير ثالث : ولو ترى يا محمد الذين ظلموا في حال رؤيتهم للعذاب لأن القوة لله لعلمت مبلغهم من النكال ولاستعظمت ما حل بهم ، فاللام مضمرة قبل " أن " فهي مفعول من أجله ، والجواب محذوف مقدر بعد ذلك ، وقد حذف جواب { لو } مبالغة ، لأنك تدع السامع يسمو به تخيله ، ولو شرحت له لوطنت نفسه إلى ما شرحت ، وقرأ الحسن وقتادة وشيبة وأبو جعفر { ترى } بالتاء من فوق وكسر الهمزة من " إن " ، وتأويل ذلك : ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب لاستعظمت ما حل بهم ، ثم ابتدأ الخبر بقوله " إن القوة لله " ، وتأويل آخر : ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب يقولون إن القوة لله جميعاً لاستعظمت حالهم . وقرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو وعاصم وابن كثير " يرى " بالياء من أسفل ، وفتح الألف من " أن " ، تأويله : ولو يرى في الدنيا الذين ظلموا حالهم في الآخرة إذ يرون العذاب لعلموا أن القوة لله جميعاً ، وتأويل آخر روي عن المبرد والأخفش : ولو يرى بمعنى يعلم الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعاً لاستعظموا ما حل بهم ، فـ " يرى " عامل في " أن " وسدت مسد المفعولين . وقال أبو علي : " الرؤية في هذه الآية رؤية البصر " ، والتقدير في قراءة الياء : ولو يرى الذين ظلموا أن القوة لله جميعاً ، وحذف جواب { لو } للمبالغة ، ويعمل في " أن " الفعل الظاهر وهو أرجح من أن يكون العامل فيها مقدراً ، ودخلت { إذ } وهي لما مضى في أثناء هذه المستقبلات تقريباً للأمر وتصحيحاً لوقوعه ، كما يقع الماضي موقع المستقبل في قوله تعالى : { ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة } [ الأعراف : 50 ] ، و { أتى أمر الله } [ النحل : 1 ] ، ومنه قول الأشتر النخعي : [ الكامل ] @ بقيت وفري وانحرفت عن العلا ولقيت أضيافي بوجه عبوس @@ وقرأت طائفة " يرى " بالياء من أسفل وكسر الألف من " إن " ، وذلك إما على حذف الجواب وابتداء الخبر ، وإما على تقدير لقالوا إن القوة لله جميعاً ، وقرأ ابن عامر وحده " يُرون " بضم الياء والباقون بفتحها . وثبتت بنص هذه الآية القوة لله بخلاف المعتزلة في نفيهم معاني الصفات القديمة ، وقالت طائفة : { الذين اتبعوا } : كل من عبد من دون الله ، وقال قتادة : هم الشياطين المضلون ، وقال الربيع وعطاء : هم رؤساؤهم . قال القاضي أبو محمد : ولفظ الآية يعم هذا كله ، و { إذ } يحتمل أن تكون متعلقة بـ { شديد العذاب } ، ويحتمل أن يكون العامل فيها : اذكر ، و { الذين اتبعوا } بفتح الباء هم العبدة لغير الله ، والضالون المقلدون لرؤسائهم أو للشياطين ، وتبريرهم هو بأن قالوا إنّا نضل هؤلاء بل كفروا بإرادتهم ، وتعلق العقاب على المتبعين بكفرهم ولم يتأت ما حاولوه من تعليق ذنوبهم على المضلين ، وقرأ مجاهد بتقديم الفعل المسند إلى المتبعين للرؤساء وتأخير المسند إلى المتبعين . والسبب في اللغة : الحبل الرابط الموصل ، فيقال في كل ما يتمسك به فيصل بين شيئين ، وقال ابن عباس : { الأسباب } هنا الأرحام ، وقال مجاهد : هي العهود ، وقيل : المودات ، وقيل : المنازل التي كانت لهم في الدنيا ، وقال ابن زيد والسدي : هي الأعمال ، إذ أعمال المؤمنين كالسبب في تنعيمهم فتقطعت بالظالمين أعمالهم . وقوله تعالى : { وقال الذين اتبعوا } الآية ، المعنى وقال الأتباع الذين تبرىء منهم : لو رددنا إلى الدنيا حتى نعمل صالحاً ونتبرأ منهم ، والكرة : العودة إلى حال قد كانت ، ومنه قول جرير : [ الكامل ] @ ولقد عطفن على فزارة عطفة كر المنيح وجلن ثم مجالا @@ والمنيح هنا : أحد الأغفال من سهام الميسر ، وذلك أنه إذا خرج من الربابة رد لفوره لأنه لا فرض فيه ولا حكم عنه ، والكاف من قوله { كما } في موضع نصب على النعت إما لمصدر أو لحال تقديرها متبرئين كما ، والكاف من قوله { كذلك يريهم } قيل : هي في موضع رفع على خبر ابتداء تقديره الأمر كذلك ، وقيل : هي كاف تشبيه مجردة ، والإشارة بذلك إلى حالهم وقت تمنيهم الكرة . والرؤية في الآية هي من رؤية البصر ، ويحتمل أن تكون من رؤية القلب ، و { أعمالهم } قال الربيع وابن زيد المعنى : الفاسدة التي ارتكبوها فوجبت لهم بها النار ، وقال ابن مسعود والسدي المعنى : الصالحة التي تركوها ففاتتهم الجنة ، ورويت في هذا القول أحاديث ، وأضيفت هذه الأعمال إليهم من حيث هم مأمورون بها ، وأما إضافة الفاسدة إليهم فمن حيث عملوها ، و { حسرات } حال على أن تكون الرؤية بصرية ، ومفعول على أن تكون قلبية ، والحسرة أعلى درجات الندامة والهم بما فات ، وهي مشتقة من الشيء الحسير الذي قد انقطع وذهبت قوته كالبعير والبصر ، وقيل هي من حسر إذا كشف ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " يحسر الفرات عن جبل من ذهب " .