Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 17-18)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

" المَثَل والمِثْل والمثيل " واحد ، معناه الشبه ، هكذا نص أهل اللغة والمتماثلان المتشابهان وقد يكون مثل الشيء جرماً مثله ، وقد يكون ما تعقل النفس وتتوهمه من الشيء مثلاً له ، فقوله تعالى : { مثلهم كمثل } معناه أن الذي يتحصل في نفس الناظر في أمرهم كمثل الذي يتحصل في نفس الناظر في أمر المستوقد ، وبهذا يزول الإشكال الذي في تفسير قوله تعالى : { مثل الجنة } [ الرعد : 35 ، محمد : 15 ] وفي تفسير قوله تعالى : { ليس كمثله شيء } [ الشورى : 11 ] لأن ما يتحصل للعقل من وحدانيته وأزليته ونفي ما لا يجوز عليه ليس يماثله فيه شيء ، وذلك المتحصل هو المثل الأعلى الذي في قوله عز وجل : { ولله المثل الأعلى } [ النحل : 6 ] . وقد جاء في تفسيره أنه لا إله إلا الله ففسر بجهة الوحدانية . وقوله : { مثلهم } رفع بالابتداء والخبر في الكاف ، وهي على هذا اسم كما هي في قول الأعشى : [ البسيط ] . @ أتنتهون ولا ينهى ذوي شططٍ كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل @@ ويجوز أن يكون الخبر محذوفاً تقديره مثلهم مستقر كمثل ، فالكاف على هذا حرف ، ولا يجوز ذلك في بيت الأعشى لأن المحذوف فاعل تقديره شيء كالطعن ، والفاعل لا يجوز حذفه عند جمهور البصريين ، ويجوز حذف خبر الابتداء إذا كان الكلام دالاً عليه ، وجوز الأخفش حذف الفاعل ، وأن يكون الكاف في بيت الأعشى حرفاً ووحد الذي لأنه لم يقصد تشبيه الجماعة بالجماعة ، وإنما المقصد أن كل واحد من المنافقين فعله كفعل المستوقد ، و { الذي } أيضاً ليس بإشارة إلى واحد ولا بد ، بل إلى هذا الفعل : وقع من واحد أو من جماعة . قال النحويون ، الذي اسم مبهم يقع للواحد والجميع . و { استوقد } قيل معناه أوقد ، فذلك بمنزلة عجب واستعجب بمعنى . قال أبو علي : وبمنزلة هزىء واستهزأ وسخر واستسخر ، وقر واستقر وعلا قرنه واستعلاه ، وقد جاء استفعل بمعنى أفعل أجاب واستجاب ومنه قول الشاعر [ كعب بن سعد الغنوي ] : [ الطويل ] . @ فلم يستجبه عند ذاك مجيب @@ وأخلف لأهله واستخلف إذا جلب لهم الماء ، ومنه قول الشاعر : [ الطويل ] @ ومستخلفات من بلاد تنوفة لمصفرة الأشداق حمر الحواصل @@ ومنه قول الآخر : [ الطويل ] @ سقاها فروّاها من الماء مخلف @@ ومنه أوقد واستوقد قاله أبو زيد ، وقيل استوقد يراد به طلب من غيره أن يوقد له على المشهور من باب استفعل ، وذلك يقتضي حاجته إلى النار ، فانطفاؤها مع حاجته إليها أنكى له . واختلف في { أضاءت } فقيل يتعدى لأنه نقل بالهمزة من ضاء ، ومنه قول العباس بن عبد المطلب في النبي صلى الله عليه وسلم : [ المنسرح ] @ وأنت لما ولدت أشرقَتِ الـ أرضُ وضاءت بنورك الطرق @@ وعلى هذا ، فـ { ما } في قوله : { ما حوله } مفعولة ، وقيل ( أضاءت ) لا تتعدى ، لأنه يقال ضاء وأضاء بمعنى ، فـ ( ما ) زائدة ، وحوله ظرف . واختلف المتأولون في على المنافقين الذي يشبه فعل ( الذي استوقد ناراً ) . فقالت طائفة : هي فيمن آمن ثم كفر بالنفاق ، فإيمانه بمنزلة النار إذا أضاءت ، وكفره بعد بمنزلة انطفائها وذهاب النور . وقال الحسن بن أبي الحسن وغيره : " إن ما يظهر المنافق في الدنيا من الإيمان فيحقن به دمه ويحرز ماله ويناكح ويخالط كالنار التي أضاءت ما حوله ، فإذا مات صار إلى العذاب الأليم ، فذلك بمنزلة انطفائها وبقائه في الظلمات " . وقالت فرقة : إن إقبال المنافقين إلى المسلمين وكلامهم معهم كالنار وانصرافهم إلى مردتهم وارتكاسهم عندهم كذهابها . وقالت فرقة : إن المنافقين كانوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين في منزلة بما أظهروه ، فلما فضحهم الله واعلم بنفاقهم سقطت المنزلة ، فكان ذلك كله بمنزلة النار وانطفائها . وقالت فرقة منهم قتادة : نطقهم بـ " لا إله إلا الله " والقرآن كإضاءة النار ، واعتقادهم الكفر بقلوبهم كانطفائها . قال جمهور النحاة : جواب " لما " ذهب ، ويعود الضمير من " نورهم " في هذا القول على ( الذي ) ، ويصح شبه الآية بقول الشاعر : [ الأشهب بن رميلة ] : [ الطويل ] . @ وإنّ الذي حانتْ بفلجٍ دماؤهم همُ القومُ كلُّ القومِ يا أمّ خالدِ @@ وعلى هذا القول يتم تمثيل المنافق بالمستوقد ، لأن بقاء المستوقد في ظلمات لا يبصر كبقاء المنافق على الاختلاف المتقدم . وقال قوم : جواب " لما " مضمر ، وهو طفئت ، والضمير في " نورهم " على هذا للمنافقين والإخبار بهذا هو عن حال تكون في الآخرة وهو قوله تعالى : { فضرب بينهم بسور له باب } [ الحديد : 13 ] . قال القاضي أبو محمد : هذا القول غير قوي ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن وأبو السمال " في ظلْمات " بسكون اللام ، وقرأ قوم " ظلَمات " بفتح اللام . قال أبو الفتح : في ظلمات وكسرات ثلاثة لغات : اتباع الضم الضم والكسر الكسر أو التخفيف بأن يعدل إلى الفتح في الثاني أو التخفيف بأن يسكن الثاني ، وكل ذلك جائز حسن ، فأما فعلة بالفتح فلا بد فيه من التثقيل إتباعاً فتقول ثمرة وثمرات . قال القاضي أبو محمد : وذهب قوم في " ظلَمات " بفتح اللام إلى أنه جمع ظلم فهو جمع الجمع ، والأصم الذي لا يسمع ، والأبكم الذي لا ينطق ولا يفهم ، فإذا فهم فهو الأخرس ، وقيل الأبكم والأخرس واحد ، ووصفهم بهذه الصفات إذ أعمالهم من الخطأ وقلة الإجابة كأعمال من هذه صفته ، وصم رفع على خبر ابتداء فإما أن يكون ذلك على تقدير تكرار أولئك ، وإما على إضمار هم . وقرأ عبد الله بن مسعود وحفصة أم المؤمنين رضي الله عنهما . " صماً ، بكماً ، عمياً " بالنصب ، ونصبه على الحال من الضمير في { مهتدين } ، وقيل هو نصب على الذم ، وفيه ضعف ، وأما من جعل الضمير في " نورهم " للمنافقين لا للمستوقدين فنصب هذه الصفات على قوله على الحال من الضمير في { تركهم } . قال بعض المفسرين قوله تعالى { فهم لا يرجعون } إخبار منه تعالى أنهم لا يؤمنون بوجه . قال القاضي أبو محمد : وإنما كان يصح هذا إن لو كانت الآية في معينين ، وقال غيره : معناه { فهم لا يرجعون } ما داموا على الحال التي وصفهم بها ، وهذا هو الصحيح ، لأن الآية لم تعين ، وكلهم معرض للرجوع مدعو إليه .