Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 181-184)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الضمير في { بدله } عائد على الإيصاء وأمر الميت وكذلك في { سمعه } ، ويحتمل أن يعود الذي في { سمعه } على أمر الله تعالى في هذه الآية ، والقول الأول أسبق للناظر ، لكن في ضمنه أن يكون المبدل عالماً بالنهي عامداً لخلافه ، والضمير في { إثمه } عائد على التبديل ، و { سميع عليم } صفتان لا يخفى معهما شيء من جنف الموصين وتبديل المتعدين ، وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم " من موَصّ " بفتح الواو وتشديد الصاد ، وقرأ الباقون بسكون الواو ، والجنف الميل ، وقال الأعشى : [ الطويل ] @ تجانِفُ عَنْ حِجْرِ الْيَمَامَةِ نَاقَتي وَمَا قَصَدَتْ مِنْ أَهْلِهَا لِسِوَائِكَا @@ وقال عامر الرامي الحضرمي المحاربي : [ الوافر ] @ هُمُ الْمَوْلَى وَقَدْ جَنَفُوا عَلَيْنَا وإِنَّا مِنْ عَدَواتِهِمْ لَزُورُ @@ ومعنى الآية على ما قال مجاهد : من خشي أن يحيف الموصي ويقطع ميراث طائفة ويتعمد الإذاية أو يأتيها دون تعمد وذلك هو الجنف دون إثم وإذا تعمد فهو الجنف في إثم ، فالمعنى : من وعظه في ذلك ورده عنه فصلح بذلك ما بينه وبين ورثته وما بين الورثة في ذاتهم { فلا إثم ، عليه ، إن الله غفور } عن الموصي إذا عملت فيه الموعظة ورجع عما أراد من الإذاية { رحيم } به . وقال ابن عباس رضي الله عنه وقتادة والربيع : معنى الآية ، من خاف أي علم ورأى وأتى علمه عليه بعد موت الموصي أن الموصي خلف وجنف وتعمد إذاية بعض ورثته فأصلح ما وقع بين الورثة من الاضطراب والشقاق فلا إثم عليه ، أي لا يلحقه إثم المبدل المذكور قبل وإن كان في فعله تبديل ما ولا بد ، لكنه تبديل لمصلحة ، والتبديل الذي فيه الإثم إنما هو تبديل الهوى . وقرأ عبد الله بن عمر رضي الله عنه : " فلإثم عليه " بحذف الألف ، و { كتب } : معناه فرض . والصيام في اللغة الإمساك وترك التنقل من حالٍ إلى حال ، ومنه قول النابغة : [ البسيط ] @ خَيْلٌ صِيَامٌ وَخَيْلٌ غَيْرُ صَائِمَةٍ تَحْتَ العَجَاجِ وَخَيْلٌ تَعْلِكُ اللُّجُمَا @@ أي خيل ثابتة ممسكة ، ومنه قول الله تعالى : { إني نذرت للرحمن صوماً } [ مريم : 26 ] أي إمساكاً عن الكلام ، ومنه قول امرىء القيس : [ الطويل ] @ كأَنَّ الثُّريَّا عُلِّقَتْ في مَصَامها @@ أي في موضع ثبوتها وامتساكها ، ومنه قوله : [ الطويل ] @ فَدَعْ ذَا وَسَلِّ الْهَمِّ عَنْكَ بِجَسْرَةٍ ذَمُولٍ إِذَا صَامَ النَّهَارُ وَهَجَّرَا @@ أي وقفت الشمس عن الانتقال وثبتت ، والصيام في الشرع إمساك عن الطعام والشراب مقترنة به قرائن من مراعاة أوقات وغير ذلك ، فهو من مجمل القرآن في قول الحذاق ، والكاف من قوله { كما } في موضع نصب على النعت ، تقديره كتباً كما ، أو صوماً كما ، أو على الحال كأن الكلام : كتب عليكم الصيام مشبهاً ما كتب على الذين من قبلكم . وقال بعض النحاة : الكاف في موضع رفع على النعت للصيام إذ ليس تعريفه بمحض لمكان الإجمال الذي فيه مما فسرته الشريعة فلذلك جاز نعته بـ { كما } إذ لا تنعت بها إلا النكرات فهو بمنزلة كتب عليكم صيام ، وقد ضعف هذا القول . واختلف المتأولون في موضع التشبيه ، فقال الشعبي وغيره : المعنى كتب عليكم رمضان كما كتب على النصارى ، قال : " فإنه كتب عليهم رمضان فبدلوه لأنهم احتاطوا له بزيادة يوم في أوله ويوم في آخره ، قرناً بعد قرن حتى بلغوه خمسين يوماً ، فصعب عليهم في الحر فنقلوه إلى الفصل الشمسي " . قال النقاش : " وفي ذلك حديث عن دغفل بن حنظلة والحسن البصري والسدي " ، وقيل : بل مرض ملك من ملوكهم فنذر إن برىء أن يزيد فيه عشرة أيام ، ثم آخر سبعة ، ثم آخر ثلاثة ، ورأوا أن الزيادة فيه حسنة بإزاء الخطأ في نقله . وقال السدي والربيع : التشبيه هو أن من الإفطار إلى مثله لا يأكل ولا يشرب ولا يطأ ، فإذا حان الإفطار فلا يفعل هذه الأشياء من نام ، وكذلك كان في النصارى أولاً ، وكان في أول الإسلام ، ثم نسخه الله بسبب عمر وقيس بن صرمة بما يأتي من الآيات في ذلك . وقال عطاء : " التشبيه كتب عليكم الصيام ثلاثة أيام من كل شهر - قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وفي بعض الطرق : ويوم عاشوراء - كما كتب على الذين من قبلكم ثلاثة أيام من كل شهر ويوم عاشوراء ، ثم نسخ هذا في هذه الأمة بشهر رمضان " . وقالت فرقة : التشبيه كتب عليكم كصيام بالإطلاق ، أي قد تقدم في شرع غيركم ، فـ { الذين } عام في النصارى وغيرهم ، و { لعلكم } ترجّ في حقهم ، و { تتقون } قال السدي : معناه تتقون الأكل والشرب والوطء بعد النوم على قول من تأول ذلك ، وقيل : تتقون على العموم ، لأن الصيام كما قال عليه السلام : " جنة " ووجاء وسبب تقوى ، لأنه يميت الشهوات . و { أياماً } مفعول ثان بـ { كتبَ } ، قاله الفراء ، وقيل : هي نصب على الظرف ، وقيل : نصبها بـ { الصيام } ، وهذا لا يحسن إلا على أن يعمل الصيام في الكاف من { كما } على قول من قدر : صوما كما ، وإذا لم يعمل في الكاف قبح الفصل بين المصدر وبين ما عمل فيه بما عمل فيه غيره ، وذلك إذا كان العامل في الكاف { كتب } ، وجوز بعضهم أن يكون { أياماً } ظرفاً يعمل فيه { الصيام } ، و { معدودات } ، قيل : رمضان : وقيل : الثلاثة الأيام . وقوله تعالى { فمن كان منكم مريضاً أو على سفر } ، التقدير : فأفطر { فعدة من أيام أخر } ، وهذا يسمونه فحوى الخطاب . واختلف العلماء في حد المرض الذي يقع به الفطر : فقال قوم : متى حصل الإنسان في حال يستحق بها اسم المريض صح الفطر قياساً على المسافر أنه يفطر لعلة السفر وإن لم تدعه إلى الفطر ضرورة ، وقاله ابن سيرين . وقال جمهور من العلماء : إذا كان به مرض يؤذيه ويؤلمه أو يخاف تماديه أو يخاف من الصوم تزيده صح له الفطر ، وهذا مذهب حذاق أصحاب مالك رحمه الله ، وبه يناظرون ، وأما لفظ مالك فهو : المرض الذي يشق على المرء ويبلغ به . وقال الحسن : " إذا لم يقدر من المرض على الصلاة قائماً أفطر " . وقالت فرقة : لا يفطر بالمرض إلا من دعته ضرورة المرض نفسه الفطر ، ومتى احتمل الضرورة معه لم يفطر ، وهذا قول الشافعي رحمه الله . واختلف العلماء في الأفضل من الفطر أو الصوم في السفر ، فقال قوم والشافعي ومالك في بعض ما روي عنه : الصوم أفضل لمن قوي ، وجل مذهب مالك التخيير . وقال ابن عباس وابن عمر وغيرهما : الفطر أفضل . وقال مجاهد وعمر بن عبد العزيز وغيرهما : أيسرهما أفضلهما ، وكره ابن حنبل وغيره الصوم في السفر . وقال ابن عمر : من صام في السفر قضى في الحضر ، وهو مذهب عمر رضي الله عنه ، ومذهب مالك في استحبابه الصوم لمن قدر عليه . وتقصير الصلاة حسن ، لأن الذمة تبرأ في رخصة الصلاة وهي مشغولة في أمر الصيام ، والصواب المبادرة بالأعمال . وقال ابن عباس رضي الله عنه : " الفطر في السفر عزمة " ، وذهب أنس بن مالك إلى الصوم ، وقال : إنما نزلت الرخصة ونحن جياع نروح إلى جوع ، ونغدو إلى جوع ، والسفر سفر الطاعة كالحج والجهاد بإجماع ، ويتصل بهذين سفر صلة الرحم وطلب المعاش الضروري . وأما سفر التجارة والمباحات فمختلف فيه بالمنع والجواز والقول بالجواز أرجح وأما سفر المعاصي فمختلف فيه بالجواز والمنع والقول بالمنع أرجح ، ومسافة سفر الفطر عند مالك حيث تقصر الصلاة ، واختلف في قدر ذلك ، فقال مالك : يوم وليلة ثم رجع فقال : ثمانية وأربعون ميلاً ، وروي عنه : يومان ، وروي عنه في العتبية : خمسة وأربعون ميلاً ، وفي المبسوط : أربعون ميلاً ، وفي المذهب : ستة وثلاثون ميلاً ، وفيه : ثلاثون . وقال ابن عمر وابن عباس والثوري : الفطر في سفر ثلاثة أيام ، وفي غير المذهب : يقصر في ثلاثة أميال فصاعداً . وقوله تعالى : { فعدة } مرفوع على خبر الابتداء تقديره فالحكم أو فالواجب عدة ، ويصح أن يرتفع على ابتداء والخبر بعده والتقدير فعدة أمثل له ، ويصح فعليه عدة ، واختلف في وجوب تتابعها على قولين ، و { أخر } لا ينصرف عند سيبويه لأنه معدول عن الألف واللام لأن هذا البناء إنما يأتي بالألف واللام كما تقول الفضل والكبر فاجتمع فيه العدل والصفة ، وجاء في الآية { أخر } ولم يجىء أخرى لئلا تشكل بأنها صفة للعدة ، والباب أن جمع ما لا يعقل يجري في مثل هذا مجرى الواحدة المؤنثة ومنه قوله تعالى { يا جبال أوبي معه } [ سبأ : 10 ] ، إلى غير ذلك . وقرأ جمهور الناس " يطيقونه " بكسر الطاء وسكون الياء والأصل " يطوقونه " نقلت حركة الواو إلى الطاء وقلبت ياء لانكسار ما قبلها ، وقرأ حميد " يطوقونه " وذلك على الأصل ، والقياس الإعلال . وقرأ ابن عباس " يطوقونه " بمعنى يكلفونه . وقرأت عائشة وطاوس وعمرو ابن دينار " يَطَّوقونه " بفتح الياء وشد الطاء مفتوحة . وقرأت فرقة " يُطَيَّقونه " بضم الياء وشد الطاء المفتوحة . وقرأ ابن عباس " يَطيَّقونه " بفتح الياء وشد الطاء وشد الياء المفتوحة بمعنى يتكلفونه ، وحكاها النقاش عن عكرمة ، وتشديد الياء في هذه اللفظة ضعيف . وقرأ نافع وابن عامر من طريق ابن ذكوان " فديةُ طعام مساكين " بإضافة الفدية . وقرأ هاشم عن ابن عامر " فديةٌ طعام مساكين " بتنوين الفدية . وقرأ الباقون " فديةٌ " بالتنوين " طعام مسكين " بالإفراد ، وهي قراءة حسنة لأنها بينت الحكم في اليوم ، وجمع المساكين لا يدرى كم منهم في اليوم إلا من غير الآية . قال أبو علي : " فإن قلت كيف أفردوا المساكين والمعنى على الكثرة لأن الذين يطيقونه جمع وكل واحد منهم يلزمه مسكين فكان الوجه أن يجمعوا كما جمع المطيقون ؟ ، فالجواب أن الإفراد حسن لأنه يفهم بالمعنى أن لكل واحد مسكيناً ، ونظير هذا قوله تعالى : { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } [ النور : 4 ] فليست الثمانون متفرقة في جميعهم بل لكل واحد ثمانون . واختلف المتأولون في المراد بالآية فقال معاذ بن جبل وعلقمة والنخعي والحسن البصري وابن عمر والشعبي وسلمة بن الأكوع وابن شهاب : كان فرض الصيام هكذا على الناس من أراد صام ومن أراد أطعم مسكيناً وأفطر ، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } [ البقرة : 185 ] . وقالت فرقة : و { على الذين يطيقونه } أي على الشيوخ والعجّز ، الذين يطيقون ، لكن بتكلف شديد فأباح الله لهم الفدية والفطر ، وهي محكمة عند قائلي هذا القول . وعلى هذا التأويل تجيء قراءة { يطوقونه } و " يطوقونه " . وقال ابن عباس : " نزلت هذه الرخصة للشيوخ والعجّز خاصة إذا أفطروا وهم يطيقون الصوم ثم نسخت بقوله تعالى : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } [ البقرة : 185 ] ، فزالت الرخصة إلا لمن عجز منهم " . وقال السدي : { وعلى الذين يطيقونه } أي على الذين كانوا يطيقونه وهم بحالة الشباب ثم استحالوا بالشَّيَخ فلا يستطيعون الصوم " ، وهي عنده محكمة ، ويلزم الشيوخ عنده الفدية إذا أفطروا ، ونحوه عن ابن عباس . وقال مالك : " لا أرى الفدية على الشيخ الضعيف واجبة ، وتستحب لمن قدر عليها " ، والآية عنده إنما هي فيمن يدركه رمضان وعليه صوم من المتقدم فقد كان يطيق في تلك المدة الصوم فتركه فعليه الفدية . وقال الشافعي وأبو حنيفة : على الشيخ العاجز الإطعام . وحكى الطبري عن عكرمة أنه كان يقرؤها " وعلى الذين يَطَّيَّقونه " فأفطر ، ومذهب مالك رحمه الله وجماعة من العلماء أن قدر الدية مد لكل مسكين . وقال قوم : قوت يوم : وقال قوم : عشاء وسحور . وقال سفيان الثوري : نصف صاع من قمح أو صاع من تمر أو زبيب ، والضمير في { يطيقونه } عائد على { الصيام } ، وقيل على الطعام وهو قول ضعيف . واختلف في الحامل فقال ابن عمر وابن عباس : تفدي وتفطر ولا قضاء عليها . وقال الحسن وعطاء والضحاك والزهري وربيعة ومالك : تقضي الحامل إذا أفطرت ولا فدية عليها . وقال الشافعي وأحمد بن حنبل ومجاهد : تقضي وتفدي إذا أفطرت ، وكذلك قال مالك في المرضع إنها إذا أفطرت تقضي وتفدي ، هذا هو المشهور عنه ، وقال في مختصر ابن عبد الحكم : لا إطعام على المرضع . وقوله تعالى : { فمن تطوع خيراً فهو خير له } الآية ، قال ابن عباس وطاوس عطاء والسدي : المراد من أطعم مسكينين فصاعداً . وقال ابن شهاب : " من زاد الإطعام على الصوم " وقال مجاهد : " من زاد في الإطعام على المد " ، و { خير } الثاني صفة تفضيل ، وكذلك الثالث ، و { خير } الأول قد نزل منزلة مالاً أو نفعاً ، وقرأ أبيّ بن كعب " والصوم خير لكم " بدل { وأن تصوموا } . وقوله تعالى : { إن كنتم تعلمون } يقتضي الحض على الصوم أي فاعلموا ذلك وصوموا .