Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 187-187)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لفظة { أحل } تقتضي أنه كان محرماً قبل ذلك ، و { ليلة } نصب على الظرف ، وهي اسم جنس فلذلك أفردت ، ونحوه قول عامر الرامي الحضرمي المحاربي : [ الوافر ] @ همُ المَولَى وَقَدْ جَنَفُوا عَلَيْنا وإنّا مِنْ عَدَواتِهِمْ لَزُورُ @@ و { الرفث } كناية عن الجماع ، لأن الله تعالى كريم يكني ، قاله ابن عباس والسدي ، وقرأ ابن مسعود " الرفوث " ، و { الرفث } في غير هذا ما فحش من القول ، ومنه قول الشاعر : [ الرجز ] @ عَنِ اللّغَا وَرَفَثِ التَّكَلُّمِ @@ وقال أبو إسحاق : " الرفث كل ما يأتيه الرجل مع المرأة من قبل ولمس وجماع " . قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : أو كلام في هذه المعاني ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من خطاياه كيوم ولدته أمه " وسبب هذه الآية فيما قال ابن عباس وغيره أن جماعة من المسلمين اختانوا أنفسهم وأصابوا النساء بعد النوم ، أو بعد صلاة العشاء ، على الخلاف ، منهم عمر بن الخطاب ، جاء إلى امرأته فأرادها ، فقالت له : قد نمت ، فظن أنها تعتل ، فوقع بها ثم تحقق أنها قد كانت نامت ، وكان الوطء بعد نوم أحدهما ممنوعاً : وقال السدي : جرى له هذا في جارية له ، قالوا : فذهب عمر فاعتذر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجرى نحو هذا لكعب بن مالك الأنصاري ، فنزل صدر الآية فيهم ، فهي ناسخة للحكم المتقرر في منع الوطء بعد النوم ، وحكى النحاس ومكي أن عمر نام ثم وقع بامرأته ، وهذا عندي بعيد على عمر رضي الله عنه ، وروي أن صرمة بن قيس ، ويقال صرمة بن مالك ، ويقال أبو أنس قيس بن صرمة ، نام قبل الأكل فبقي كذلك دون أكل حتى غشي عليه في نهاره المقبل ، فنزل فيه من قوله تعالى : { وكلوا واشربوا } ، واللباس أصله في الثياب ثم شبه التباس الرجل بالمرأة وامتزاجهما وتلازمهما بذلك ، كما قال النابغة الجعدي : [ المتقارب ] @ إِذَا مَا الضَّجِيعُ ثَنَى جِيدَهَا تَدَاعتْ فَكَانَتْ عَلَيْهِ لِبَاسَا @@ وقال النابغة أيضاً : [ المتقارب ] @ لَبِسْت أُنَاساً فَأَفْنَيْتُهُمْ وَأَفْنَيْت بَعْدَ أُنَاسِ أُنَاسَا @@ فشبه خلطته لهم باللباس ، نحا هذا المنحى في تفسير اللباس الربيع وغيره ، وقال مجاهد والسدي : { لباس } : سكن ، أي يسكن بعضهم إلى بعض ، وإنما سميت هذه الأفعال اختياناً لعاقبة المعصية وجزائها ، فراكبها يخون نفسه ويؤذيها ، و { فتاب عليكم } معناه من المعصية التي واقعتموها ، و { عفا عنكم } يحتمل أن يريد عن المعصية بعينها فيكون ذلك تأكيداً ، وتأنيساً بزيادة على التوبة ، ويحتمل أن يريد عفا عما كان ألزمكم من اجتناب النساء فيما يؤتنف ، بمعنى تركه لكم ، كما تقول شيء معفو عنه أي متروك . قال ابن عباس وغيره : { باشروهن } كناية عن الجماع ، مأخوذ من البشرة ، وقد ذكرنا لفظة { الآن } في ماضي قصة البقرة . { وابتغوا ما كتب الله لكم } . قال ابن عباس ومجاهد والحكم بن عتيبة وعكرمة والحسن والسدي والربيع والضحاك : معناه ابتغوا الولد . وروي أيضاً عن ابن عباس وغيره أن المعنى وابتغوا ليلة القدر ، وقيل : المعنى ابتغوا الرخصة والتوسعة ، قاله قتادة ، وهو قول حسن ، وقرأ الحسن فيما روي عنه ومعاوية بن قرة " واتبعوا " من الاتباع ، وجوزها ابن عباس ، ورجح { ابتغوا } من الابتغاء . { وكلوا واشربوا حتى يتبين } نزلت بسبب صرمة بن قيس ، و { حتى } غاية للتبين ، ولا يصح أن يقع التبين لأحد ويحرم عليه الأكل إلا وقد مضى لطلوع الفجر قدر ، و { الخيط } استعارة وتشبيه لرقة البياض أولاً ورقة السواد الحاف به ، ومن ذلك قول أبي داود : @ فَلَمَّا بَصُرْنَ بِهِ غدْوَةً وَلاَحَ مِنَ الْفَجْرِ خَيْطٌ أَنَارا @@ ويروى فنارا ، وقال بعض المفسرين : { الخيط } اللون ، وهذ لا يطرد لغة ، والمراد فيما قال جميع العلماء بياض النهار وسواد الليل ، وهو نص قول النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم في حديثه المشهور ، و { من } الأولى لابتداء الغاية ، والثانية للتبعيض ، و { الفجر } مأخوذ من تفجر الماء ، لأنه يتفجر شيئاً بعد شيء ، وروي عن سهل بن سعد وغيره من الصحابة أن الآية نزلت إلا قوله { من الفجر } فصنع بعض الناس خيطين أبيض وأسود ، فنزل قوله تعالى : { من الفجر } ، وروي أنه كان بين طرفي المدة عام . قال القاضي أبو محمد : من رمضان إلى رمضان ، تأخر البيان إلى وقت الحاجة ، وعدي بن حاتم جعل خيطين على وساده وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له : " إن وسادك لعريض " ، وروي أنه قال له : " إنك لعريض القفا " ولهذه الألفاظ تأويلان ، واختلف في الحد الذي بتبينه يجب الإمساك . فقال الجمهور وبه أخذ الناس ومضت عليه الأمصار والأعصار ووردت به الأحاديث الصحاح : ذلك الفجر المعترض الآخذ في الأفق يمنة ويسرة ، فبطلوع أوله في الأُفق يجب الإمساك ، وهو مقتضى حديث ابن مسعود وسمرة بن جندب ، وروي عن عثمان بن عفان وحذيفة بن اليمان وابن عباس وطلق بن علي وعطاء بن أبي رباح والأعمش وغيرهم أن الإمساك يجب بتبين الفجر في الطرق وعلى رؤوس الجبال ، وذكر عن حذيفة أنه قال : " تسحرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو النهار ، إلا أنّ الشمس لم تطلع " ، وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه صلى الصبح بالناس ثم قال : " الآن تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود " . قال الطبري : " ومما قادهم إلى هذا القول أنهم يرون أن الصوم إنما هو في النهار ، والنهار عندهم من طلوع الشمس لأن آخره غروبها ، فكذلك أوله طلوعها " . وحكى النقاش عن الخليل بن أحمد أن النهار من طلوع الفجر ، ويدل على ذلك قول الله تبارك وتعالى : { أقم الصلاة طرفي النهار } [ هود : 114 ] ، قال القاضي أبو محمد : والقول في نفسه صحيح ، وقد ذكرت حجته في تفسير قوله تعالى : { واختلاف الليل والنهار } [ البقرة : 164 ، آل عمران : 190 ، الجاثية : 5 ] ، وفي الاستدلال بهذه الآية نظر ، ومن أكل وهو يشك هل طلع الفجر أم لم يطلع فعليه عند مالك القضاء . وقوله تعالى : { ثم أتموا الصيام إلى الليل } أمر يقتضي الوجوب ، و { إلى } غاية ، إذا كان ما بعدها من جنس ما قبلها فهو داخل في حكمه ، كقولك اشتريت الفدان إلى حاشيته ، وإذا كان من غير جنسه كما تقول اشتريت الفدان إلى الدار لم يدخل في المحدود ما بعد { إلى } ، ورأت عائشة رضي الله عنها أن قوله { إلى الليل } يقتضي النهي عن الوصال ، وقد واصل النبي صلى الله عليه وسلم ونهى الناس عن الوصال ، وقد واصل جماعة من العلماء وقد تقدم أن هذه الآية نسخت الحكم الذي في قوله { كما كتب على الذين من قبلكم } [ البقرة : 183 ] على قول من رأى التشبيه في الامتناع من الوطء والأكل بعد النوم في قول بعضهم ، وبعد صلاة العشاء في قول بعضهم ، والليل الذي يتم به الصيام مغيب قرص الشمس ، فمن أفطر وهو شاكّ هل غابت الشمس فالمشهور من المذهب أن عليه القضاء والكفارة . في ثمانية أبي زيد : عليه القضاء فقط قياساً على الشك في الفجر ، وهو قول جماعة من العلماء . وقال إسحاق والحسن : لا قضاء عليه كالناسي . وقوله تعالى : { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } ، قالت فرقة : المعنى لا تجامعوهن . وقال الجمهور : ذلك يقع على الجماع فما دونه مما يتلذذ به من النساء ، و { عاكفون } ملازمون ، يقال عكف على الشيء إذا لازمه مقبلاً عليه ، قال الراجز : [ الرجز ] @ عكف النبيط يلعبونَ الفَنْزَجا @@ وقال الشاعر : [ الطويل ] @ وَظَلَّ بَنَاتُ اللَّيْلِ حَوْليَ عُكَّفاً عَكُوفَ الْبَوَاكِي بَيْنَهُنَّ صَرِيعُ @@ وقال أبو عمرو وأبو حاتم ، قرأ قتادة " عكفون " بغير ألف ، والاعتكاف سنة ، وقرأ الأعمش " في المسجد " بالإفراد ، وقال : " وهو المسجد الحرام " . قال مالك رحمه الله وجماعة معه : لا اعتكاف إلا في مساجد الجمعات ، وروي عن مالك أيضاً أن ذلك في كل مسجد ، ويخرج إلى الجمعة كما يخرج إلى ضروري أشغاله . وقال قوم : لا اعتكاف إلا في أحد المساجد الثلاثة التي تشد المطي إليها حسب الحديث في ذلك . وقالت فرقة لا اعتكاف إلا في مسجد نبي . وقال مالك : " لا يعتكف أقل من يوم وليلة ، ومن نذر أحدهما لزمه الآخر " . وقال سحنون : " من نذر اعتكاف ليلة لم يلزمه شيء " . وقالت طائفة : أيهما نذر اعتكفه ولم يلزمه أكثر . وقال مالك : " لا اعتكاف إلا بصوم " . وقال غيره : يعتكف بغير صوم ، وروي عن عائشة أنه يعتكف في غير مسجد . و { تلك } إشارة إلى هذه الأوامر والنواهي ، والحدود : الحواجز بين الإباحة والحظر ، ومنه قيل للبواب حداد لأنه يمنع ، ومنه الحاد وهي المرأة الممتنعة من الزينة ، والآيات : العلامات الهادية إلى الحق ، و { لعلهم } ترّجٍ في حقهم ، وظاهر ذلك عموم ومعناه خصوص فيمن يسره الله للهدى بدلالة الآيات التي تتضمن أن الله يضل من يشاء .