Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 195-196)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ سبيل الله } هنا الجهاد ، واللفظ يتناول بعد جميع سبله . وقال أبو عبيدة وقوم : الباء في قوله { بأيديكم } زائدة ، التقدير تلقوا أيديكم . وقال الجمهور : ذلك ضرب مثل ، تقول ألقى فلان بيده في أمر كذا إذا استسلم ، لأن المستسلم في القتال يلقي سلاحة بيده ، فكذلك فعل كل عاجز في أي فعل كان ، ومنه قول عبد المطلب : " والله إن إلقاءنا بأيدينا إلى الموت لعجز " . وقال قوم : التقدير لا تلقوا أنفسكم بأيديكم ، كما تقول لا تفسد حالك برأيك ، و " التهلُكة " بضم اللام مصدر من هلك ، وقرأ الخليل { التهلِكة } بكسر اللام ، وهي تفعلة من " هلّك " بشد اللام . وروي عن أبي أيوب الأنصاري أنه كان على القسطنطينية ، فحمل رجل على عسكر العدو ، فقال قوم ألقى بيده إلى التهلكة ، فقال أبو أيوب : لا إن هذه الآية نزلت في الأنصار حين أرادوا لما ظهر الإسلام أن يتركوا الجهاد ويعمروا أموالهم ، وأما هذا فهو الذي قال الله فيه : { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله } [ البقرة : 207 ] . وقال حذيفة بن اليمان وابن عباس والحسن وعطاء وعكرمة وجمهور الناس : المعنى لا تلقوا بأيديكم بأن تتركوا النفقة في سبيل الله وتخافوا العيلة ، فيقول الرجل ليس عندي ما أنفق . وقال قوم : المعنى لا تقنطوا من التوبة . وقال البراء بن عازب وعبيدة السلماني : الآية في الرجل يقول قد بالغت في المعاصي فلا فائدة في التوبة فينهمك بعد ذلك ، وقال زيد بن أسلم : المعنى لا تسافروا في الجهاد بغير زاد ، وقد كان فعل ذلك قوم فأداهم ذلك إلى الانقطاع في الطريق أو الكون على عالة الناس ، وقوله { وأحسنوا } ، قيل : معناه في أعمالكم بامتثال الطاعات ، وروي ذلك عن بعض الصحابة ، وقيل : المعنى أحسنوا في الإنفاق في سبيل الله وفي الصدقات ، قاله زيد بن أسلم . وقال عكرمة : المعنى وأحسنوا الظن بالله . وقوله تعالى : { وأتموا الحج والعمرة لله } ، قال ابن زيد والشعبي وغيرهما : إتمامهما أن لا تفسخ وأن تتمهما إذا بدأت بهما . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك ، وفعله عمران بن حصين . وقال سفيان الثوري : إتمامهما أن تخرج قاصداً لهما لا لتجارة ولا لغير ذلك ، ويؤيد هذا قوله : { لله } . وقال قتادة والقاسم بن محمد : إتمامهما أن تحرم بالعمرة وتقضيها في غير أشهر الحج ، وأن تتم الحج دون نقص ولا جبر بدم ، وهذا مبني على أن الدم في الحج والعمرة جبر نقص ، وهو قول مالك وجماعة من العلماء . وأبو حنيفة وأصحابه يرون أن كثرة الدم كمال وزيادة ، وكلما كثر عندهم لزوم الدم فهو أفضل ، واحتجوا بأنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : ما أفضل الحج ؟ فقال : العج والثج ، ومالك ومن قال بقوله يراه ثج التطوع . وقالت فرقة : إتمامهما أن تفرد كل واحدة من حجة وعمرة ولا تقرن ، وهذا على أن الإفراد أفضل . وقالت فرقة : القرآن أفضل ، وذلك هو الإتمام عندهم . وقال ابن عباس وعلقمة وإبراهيم وغيرهم : إتمامهما أن تقضي مناسكهما كاملة بما كان فيها من دماء . وفروض الحج : النية ، والإحرام ، والطواف المتصل بالسعي ، والسعي بين الصفا والمروة عندنا خلافاً لأبي حنيفة ، والوقوف بعرفة ، والجمرة على قول ابن الماجشون ، وأما أعمال العمرة فنية وإحرام ، وطواف ، وسعي . واختلف في فرض العمرة فقال مالك رحمه الله : هي سنة واجبة لا ينبغي أن تترك كالوتر ، وهي عندنا مرة واحدة في العام ، وهذا قول جمهور أصحابه ، وحكى ابن المنذر في الإشراف عن أصحاب الرأي أنها عندهم غير واجبة ، وحكى بعض القرويين والبغداديين عن أبي حنيفة أنه يوجبها كالحج ، وبأنها سنة . قال ابن مسعود وجمهور من العلماء ، وأسند الطبري النص على ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس وابن عمر والشافعي وأحمد وإسحاق والشعبي وجماعة تابعين : أنها واجبة كالفرض ، وقاله ابن الجهم من المالكيين . وقال مسروق : " الحج والعمرة فرض ، نزلت العمرة من الحج منزلة الزكاة من الصلاة " ، وقرأ الشعبي وأبو حيوة " والعمرةُ لله " برفع العمرة على القطع والابتداء ، وقرأ ابن أبي إسحاق " الحجِ " بكسر الحاء ، وفي مصحف ابن مسعود " وأتموا الحج والعمرة إلى البيت لله " ، وروي عنه : " وأقيموا الحج والعمرة إلى البيت " ، وروي غير هذا مما هو كالتفسير . وقوله تعالى : { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } ، قال علقمة وعروة بن الزبير وغيرهما : الآية فيمن أحصر بالمرض لا بالعدو . وقال ابن عباس وغيره بعكس ذلك ، والمشهور من اللغة أحصر بالمرض وحصر بالعدو ، وفي المجمل لابن فارس حصر بالمرض وأحصر بالعدو . وقال الفراء : " هما بمعنى واحد في المرض والعدو " . قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : والصحيح أن حصر إنما هي فيما أحاط وجاور فقد يحصر العدو والماء ونحوه ولا يحصر المرض ، وأحصر معناه جعل الشيء ذا حصر كأقبر وأحمى وغير ذلك ، فالمرض والماء والعدو وغير ذلك قد يكون محصراً لا حاصراً ، ألا ترى أن العدو كان محصراً في عام الحديبية ، وفي ذلك نزلت هذه الآية عند جمهور أهل التأويل ، وأجمع جمهور الناس على أن المحصر بالعدو يحل حيث أحصر ، وينحر هديه إن كان ثم هدي ويحلق رأسه . وقال قتادة وإبراهيم : يبعث بهديه إن أمكنه فإذا بلغ محله صار حلالاً ولا قضاء عليه عند الجميع إلا أن يكون ضرورة فعليه حجة الإسلام . وقال ابن الماجشون : " ليست عليه حجة الإسلام وقد قضاها حين أحصر " . قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف لا وجه له . وقال أشهب : " يهدي المحصر بعدو هدياً من أجل الحصر " . وقال ابن القاسم : " لا يهدي شيئاً إلا إن كان معه هدي فأراد نحره " ، ذكره ابن أبي زيد . وقال عطاء وغيره : المحصر بالمرض كالمحصر بالعدو . وقال مالك رحمه الله وجمهور من العلماء : المحصر بالمرض لا يحله إلا البيت ، ويقيم حتى يفيق ، وإن قام سنين ، فإذا وصل البيت بعد فوت الحج قطع التلبية في أوائل الحرم وحل بعمرة ، ثم تكون عليه حجة قضاء وفيها يكون الهدي ، وقيل : إن الهدي يجب في وقت الحصر أولاً ، ولم ير ابن عباس من أحصره المرض داخلاً في هذه الآية ، وقال : إن المريض إن لم يكن معه هدي حل حيث حبس ، وإن كان معه هدي لم يحل حتى يبلغ الهدي محله ثم لا قضاء عليه ، قال : وإنما قال الله : { فإذا أمنتم } والأمن إنما هو من العدو فليس المريض في الآية . و { ما } في موضع رفع ، أي فالجواب أو فعليكم ما استيسر ، ويحتمل أن تكون في موضع نصب أي فانحروا أو فاهدوا ، و { ما استيسر } عند جمهور أهل العلم : شاة . وقال ابن عمر وعروة بن الزبير { ما استيسر } جمل دون جمل وبقرة دون بقرة . وقال الحسن : أعلى الهدي بدنة وأوسطه بقرة واخسّه شاة ، و { الهدي } جمع هدية كجدية السرج وهي البراد جمعها جدى ، ويحتمل أن يكون { الهدي } مصدراً سمي به كالرهن ونحوه فيقع للإفراد وللجمع . وقال أبو عمرو بن العلاء : " لا أعرف لهذه اللفظة نظيراً " . وقوله تعالى : { ولا تحلقوا رؤوسكم } الآية ، الخطاب لجميع الأمة محصر ومخلى ، ومن العلماء من يراها للمحصرين خاصة ، ومحل الهدي حيث يحل نحره ، وذلك لمن لم يحصر بمنى ولمن أحصر بعدو حيث أحصر إذا لم يمكن إرساله ، وأما المريض فإن كان له هدي فيرسله إلى محله . والترتيب أن يرمي الحاج الجمرة ثم ينحر ثم يحلق ثم يطوف طواف الإفاضة ، فإن نحر رجل قبل الرمي أو حلق قبل النحر فلا حرج حسب الحديث ولا دم . وقال قوم : لا حرج في الحج ولكن يهرق دماً . وقال عبد الملك بن الماجشون من أصحابنا : " إذا حلق قبل أن ينحر فليهد ، وإن حلق رجل قبل أن يرمي فعليه دم قولاً واحداً في المذهب " . قال ابن المواز عن مالك : ويمر الموسى على رأسه بعد الرمي ، ولا دم في ذلك عند أبي حنيفة وجماعة معه . وقرأ الزهري والأعرج وأبو حيوة " الهدِيّ " بكسر الدال وشد الياء في الموضعين واحدته هدية ، ورويت هذه القراءة عن عاصم . وقوله تعالى : { فمن كان منكم مريضاً } الآية ، المعنى فحلق لإزالة الأذى { ففدية } ، وهذا هو فحوى الخطاب عند أكثر الأصوليين ، ونزلت هذه الآية في كعب بن عجرة حين رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه يتناثر قملاً ، فأمره بالحلاق ونزلت الرخصة . و { فدية } رفع على خبر الابتداء ، والصيام عند مالك وعطاء ومجاهد وإبراهيم وغيرهم وجميع أصحاب مالك : ثلاثة أيام ، والصدقة : ستة مساكين ، لكل مسكين نصف صاع ، وذلك مدّان بمدّ النبي صلى الله عليه وسلم ، والنسك : شاة بإجماع ، ومن ذبح أفضل منها فهو أفضل . وقال الحسن بن أبي الحسن وعكرمة : الصيام عشرة أيام ، والإطعام عشرة مساكين . وقرأ الزهري " أو نسْك " بسكون السين . وقال سعيد بن جبير ومجاهد : النسْك شاة ، فإن لم يجدها فقيمتها يشترى بها طعام فيطعم منه مدّان لكل مسكين ، فإن لم يجد القيمة عرفها وعرف ما يشترى بها من الطعام وصام عن كل مدين يوماً . قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ذلك كله حيث شاء ، وقاله إبراهيم وهو مذهب مالك وأصحابه إلا ابن الجهم ، فإنه قال : لا يكون النسك إلا بمكة . وقال عطاء في بعض ما روي عنه وأصحاب الرأي : النسك بمكة ، والصيام والإطعام حيث شاء . وقال الحسن بن أبي الحسن وطاوس وعطاء أيضاً ومجاهد والشافعي : النسك والإطعام بمكة ، والصيام حيث شاء ، والمفتدي مخير في أي هذه الثلاثة شاء ، وكذلك قال مالك وغيره في كل ما في القرآن أو فإنه على التخيير . وقوله تعالى : { فإذا أمنتم } ، قال علقمة وعروة : المعنى إذا برأتم من مرضكم . وقال ابن عباس وقتادة وغيرهما : إذا أمنتم من خوفكم من العدو المحصر ، وهذا أشبه باللفظ إلا أن يتخيل الخوف من المرض فيكون الأمن منه . وقوله تعالى : { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج } الآية ، قال عبد الله بن الزبير وعلقمة وإبراهيم : الآية في المحصرين دون المخلى سبيلهم ، وصورة المتمتع عند ابن الزبير أن يحصر الرجل حتى يفوته الحج ثم يصل إلى البيت فيحل بعمرة ويقضي الحج من قابل ، فهذا قد تمتع بما بين العمرة إلى حج القضاء ، وصورة المتمتع المحصر عند غيره أن يحصر فيحل دون عمرة ويؤخرها حتى يأتي من قابل فيعتمر في أشهر الحج ويحج من عامه . وقال ابن عباس وجماعة من العلماء : الآية في المحصرين وغيرهم ممن خلي سبيله ، وصورة المتمتع أن تجتمع فيه ستة شروط : أن يكون معتمراً في أشهر الحج ، وهو من غير حاضري المسجد الحرام ، ويحل وينشىء الحج من عامه ذلك دون رجوع إلى وطنه أو ما ساواه بعداً . هذا قول مالك وأصحابه ، واختلف لم سمي متمتعاً ، فقال ابن القاسم : لأنه تمتع بكل ما لا يجوز للمحرم فعله من وقت حله في العمرة إلى وقت إنشائه الحج ، وقال غيره : سمي متمتعاً لأنه تمتع بإسقاط أحد السفرين ، وذلك أن حق العمرة أن تقصد بسفرة وحق الحج كذلك ، فلما تمتع بإسقاط أحدهما ألزمه الله هدياً كالقارن الذي يجمع الحج والعمرة في سفر واحد . قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : هذه شدة على القادم مكة من سائر الأقطار لما أسقط سفراً ، والمكي لا يقتضي حاله سفراً في عمرة ولا حج لأنه في بقعة الحج فلم يلزم شيئاً لأنه لم يسقط شيئاً ، ومن قال إن اسم التمتع وحكمه إنما هو من جهة التمتع بالنساء والطيب وغير ذلك فيرد عليه أنه يستغرق قوله : { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج } المكي وغيره على السواء في القياس ، فكيف يشتد مع ذلك على الغريب الذي هو أعذر ويلزم هدياً ، ولا يفعل ذلك بالمكي ، فيترجح بهذا النظر أن التمتع إنما هو من أجل إسقاط أحد السفرين ، إلا أن أبا عبيد قال في كتاب الناسخ والمنسوخ له : إن العمرة في أشهر الحج ممنوعة للمكي لا تجوز له ، ورخص الله تعالى للقادم لطول بقائه محرماً وقرن الرخصة بالهدي . قال القاضي أبو محمد : فهذه شدة على أهل مكة ، وبهذا النظر يحسن أن يكون التمتع من جهة استباحة ما لا يجوز للمحرم ، لكنه قول شاذ لا يعول عليه ، وجل الأمة على جواز العمرة في أشهر الحج للمكي ولا دم عليه ، وذكر أبو عبيد القولين عن ابن عمر واستند إليه في الذي وافقه ، وقد حكاه الطبري عن ابن عباس وقال : إنه قال يا أهل مكة لا متعة لكم ، إن الله قد أحلها لأهل الآفاق وحرمها عليكم ، إنما يقطع أحدكم وادياً ثم يحرم بعمرة . قال القاضي أبو محمد : فمعنى هذا أنهم متى أحرموا داموا إلى الحج ، وقال السدي : المتمتع هو الذي يفسخ الحج في العمرة ، وذلك لا يجوز عند مالك ، وفي صحيح مسلم حديث " سراقة بن مالك قال : قلت يا رسول الله : فسخ الحج في العمرة ألنا خاصة أم للأبد ؟ فقال : " بل لأبد أبد ، بل لأبد أبد " . قال القاضي أبو محمد : وإنما شرط في المتمتع أن يحل في أشهر الحج لأنها مدة يملكها الحج فمن كان فيها محرماً فحقه أن يصل الإحرام إلى الحج ، وفي كتاب مسلم إيعاب الأحاديث في هذا المعنى ، ومذهب عمر وقول أبي ذر إن متعة النساء ومتعة الحج خاصتان لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال طاوس : " من اعتمر في غير أشهر الحج ثم أقام حتى حج من عامه فهو متمتع " . وقال الحسن بن أبي الحسن البصري " من اعتمر بعد يوم النحر في بقية العام فهو متمتع " ، وهذان قولان شاذان لم يوافقهما أحد من العلماء ، وتقدم القول فيما استيسر من الهدي . قوله : { لم يجد } إما بعدم المال وإما بعدم الحيوان ، و { في الحج } قال عكرمة وعطاء : له أن يصومها في أشهر الحج وإن كان لم يحرم بالحج . وقال ابن عباس ومالك بن أنس : له أن يصومها منذ يحرم بالحج . وقال عطاء أيضاً ومجاهد : لا يصومها إلا في عشر ذي الحجة . وقال ابن عمر والحسن الحكم : يصوم يوماً قبل يوم التروية ويوم التروية ويوم عرفة ، وكلهم يقول : لا يجوز تأخيرها عن عشر ذي الحجة لأن بانقضائه ينقضي الحج . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عمر ومالك بن أنس وجماعة من أهل العلم : من فاته صيامها قبل يوم النحر فله صيامها في أيام التشريق ، لأنها من أيام الحج . وقال قوم : له ابتداء تأخيرها إلى يوم التشريق لأنه لا يجب عليه الصيام إلا بأن لا يجد يوم النحر . وقوله تعالى : { وسبعة إذا رجعتم } قال مجاهد وعطاء وإبراهيم : المعنى إذا رجعتم من منى فمن بقي بمكة صامها ، ومن نهض إلى بلده صامها في الطريق . وقال قتادة والربيع : هذه رخصة من الله تعالى ، والمعنى إذا رجعتم إلى أوطانكم فلا يجب على أحد صوم السبعة إلا إذا وصل وطنه ، إلا أن يتشدد أحد كما يفعل من يصوم في السفر في رمضان ، وقرأ زيد بن علي " وسبعةً " بالنصب ، أي وصوموا سبعة ، ولما جاز أن يتوهم متوهم التخيير بين ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع أزيل ذلك بالجملة من قوله تعالى : { تلك عشرة كاملة } قال الحسن بن أبي الحسن : المعنى كاملة في الثواب كمن أهدى ، وقيل كاملة في الثواب كمن لم يتمتع ، وهذا على أن الحج الذي لم تكثر فيه الدماء أخلص وأفضل خلافاً لأبي حنيفة ، وقيل : { كاملة } توكيد كما تقول كتبت بيدي ، وكقوله تعالى : { فخر عليهم السقف من فوقهم } [ النحل : 6 ] ، وقيل : لفظها الإخبار ومعناها الأمر أي أكملوها فذلك فرضها . وقال الاستاذ الأجل أبو الحسن علي بن أحمد : المعنى تلك كاملة ، وكرر الموصوف تأكيداً كما تقول زيد رجل عاقل . وقوله تعالى : { ذلك لمن لم يكن أهله } الآية ، الإشارة إلى التمتع وهديه وحكمه ، وهذا على قول من يرى أن المكي لا تجوز له المتعة في أشهر الحج ، فكان الكلام ذلك الترخيص ، ويتأيد هذا بقوله { لمن } ، لأن اللام أبداً إنما تجيء مع الرخص ، تقول لك إن تفعل كذا ، وأما مع الشدة فالوجه أن تقول عليك ، وأما من يرى أن المكي يعتمر ولا دم عليه لأنه لم يسقط سفراً فالإشارة بذلك - على قوله - هي إلى الهدي ، أي ذلك الاشتداد والإلزام . واختلف الناس في { حاضري المسجد الحرام } بعد الإجماع على أهل مكة وما اتصل بها ، وقال الطبري : بعد الإجماع على أهل الحرم ، وليس كما قال : فقال بعض العلماء : من كان حيث تجب الجمعة عليه بمكة فهو حضري ، ومن كان أبعد من ذلك فهو بدوي . قال القاضي أبو محمد : فجعل اللفظة من الحضارة والبداوة ، وقال بعضهم : من كان بحيث لا تقصر الصلاة إلى مكانه فهو حاضر أي شاهد ، ومن كان أبعد من ذلك فهو غائب ، وقال عطاء بن أبي رباح : مكة وضجنان وذو طوى وما أشبهها حاضرو المسجد الحرام . وقال ابن عباس ومجاهد : أهل الحرم كله حاضرو المسجد الحرام ، وقال مكحول وعطاء : من كان دون المواقيت من كل جهة حاضرو المسجد الحرام . وقال الزهري : من كان على يوم أو يومين فهو من حاضري المسجد الحرام ، ثم أمر تعالى بتقواه على العموم ، وحذر من شديد عقابه .