Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 199-203)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال ابن عباس وعائشة وعطاء وغيرهم : المخاطب بهذه الآية قريش ومن ولدت وهم الحمس ، وذلك أنهم كانوا يقولون نحن قطين الله فينبغي لنا أن نعظم الحرم ولا نعظم شيئاً من الحل ، فسنوا شق الثياب في الطواف إلى غير ذلك وكانوا مع معرفتهم وإقرارهم أن عرفة هي موقف إبراهيم لا يخرجون من الحرم ويقفون بجمع ويفيضون منه ، ويقف الناس بعرفة ، فقيل لهم أن يفيضوا مع الجملة ، و { ثم } ليست في هذه الآية للترتيب ، إنما هي لعطف جملة كلام على جملة هي منها منقطعة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحمس ، ولكنه كان يقف مذ كان بعرفة ، هداية من الله . وقال الضحاك : " المخاطب بالآية جملة الأمة " والمراد بـ { الناس } إبراهيم عليه السلام كما قال : { الذين قال لهم الناس } [ آل عمران : 173 ] وهو يريد واحداً ، ويحتمل على هذا أن يؤمروا بالإفاضة من عرفة ، ويحتمل أن تكون إفاضة أخرى وهي التي من المزدلفة فتجيء { ثم } على هذا الاحتمال على بابها ، وعلى هذا الاحتمال عول الطبري ، وقرأ سعيد بن جبير " الناسي " وتأوله آدم عليه السلام ، ويجوز عند بعضهم تخفيف الياء فيقول الناس كالقاض والهاد . قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : أما جوازه في العربية فذكره سيبويه ، وأما جوازه مقروءاً به فلا أحفظه ، وأمر تعالى بالاستغفار لأنها مواطنه ومظان القبول ومساقط الرحمة ، وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب عشية عرفة فقال : " أيها الناس ، إن الله عز وجل قد تطاول عليكم في مقامكم هذا ، فقبل من محسنكم ووهب مسيئكم لمحسنكم إلا التبعات فيما بينكم ، أفيضوا على اسم الله " ، فلما كان غداة جمع ، خطب فقال : " أيها الناس إن الله تطاول عليكم فعوض التبعات من عنده " . وقالت فرقة : المعنى واستغفروا الله من فعلكم الذي كان مخالفاً لسنة إبراهيم في وقوفكم بقزح من المزدلفة . وقوله تعالى : { فإذا قضيتم مناسككم } الآية ، قال مجاهد : " المناسك الذبائح وهراقة الدماء " ، والمناسك عندي العبادات في معالم الحج ومواضع النسك فيه ، والمعنى إذا فرغتم من حجكم الذي هو الوقوف بعرفة فاذكروا الله بمحامده وأثنوا عليه بآلائه عندكم ، وخص هذا الوقت بالقضاء لما يقضي الناس فيه مناسكهم في حين واحد ، وما قبل وما بعد فهو على الافتراق : هذا في طواف وهذا في رمي وهذا في حلاق وغير ذلك ، وكانت عادة العرب إذا قضت حجها تقف عند الجمرة فتتفاخر بالآباء وتذكر أيام أسلافها من بسالة وكرم وغير ذلك ، فنزلت الآية ليلزموا أنفسهم ذكر الله تعالى أكثر من التزامهم ذكر آبائهم بأيام الجاهلية ، هذا قول جمهور المفسرين . وقال ابن عباس وعطاء : معنى الآية اذكروا الله كذكر الأطفال آباءهم وأمهاتهم ، أي فاستغيثوا به والجؤوا إليه كما كنتم تفعلون في حال صغركم بآبائكم . وقالت طائفة : معنى الآية اذكروا الله وعظموه وذبوا عن حرمه ، وادفعوا من أراد الشرك والنقص في دينه ومشاعره ، كما تذكرون آباءكم بالخير إذا غض أحد منهم وتحمون جوانبهم وتذبون عنهم ، وقرأ محمد بن كعب القرظي " كذكركم آباؤكم " أي اهتبلوا بذكره كما يهتبل المرء بذكر ابنه ، فالمصدر على هذه القراءة مضاف إلى المفعول ، و { أشد } في موضع خفض عطفاً على { ذكركم } ويجوز أن يكون في موضع نصب ، التقدير أو اذكروه أشد ذكراً . وقوله تعالى : { فمن الناس من يقول } الآية ، قال أبو وائل والسدي وابن زيد : كانت عادتهم في الجاهلية أن يدعوا في مصالح الدنيا فقط إذ كانوا لا يعرفون الآخرة ، فنهوا عن ذلك الدعاء المخصوص ، بأمر الدنيا ، وجاء النهي في صيغة الخبر عنهم ، والخلاق : النصيب والحظ ، و { من } زائدة لأنها بعد النفي ، فهي مستغرقة لجنس الحظوظ . وقال قتادة : " حسنة الدنيا العافية وكفاف المال " . وقال الحسن بن أبي الحسن : " حسنة الدنيا العلم والعبادة " . وقال السدي : " حسنة الدنيا المال " ، وقيل : حسنة الدنيا المرأة الحسناء ، واللفظة تقتضي هذا كله وجميع محابّ الدنيا ، وحسنة الآخرة الجنة بإجماع ، و { قنا عذاب النار } دعاء في أن لا يكون المرء ممن يدخلها بمعاصيه وتخرجه الشفاعة ، ويحتمل أن يكون دعاء مؤكداً لطلب دخول الجنة ، لتكون الرغبة في معنى النجاة والفوز من الطرفين ، كما " قال أحد الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم : " أنا إنما أقول في دعائي اللهم أدخلني الجنة وعافني من النار ، ولا أدري ما دندنتك ولا دندنة معاذ " ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حولها ندندن " " . وقوله تعالى : { أولئك لهم نصيب مما كسبوا } الآية ، وعد على كسب الأعمال الصالحة في صيغة الإخبار المجرد ، والرب تعالى سريع الحساب لأنه لا يحتاج إلى عقد ولا إلى إعمال فكر ، وقيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : كيف يحاسب الله الخلائق في يوم ؟ فقال " كما يرزقهم في يوم " ، وقيل : الحساب هنا المجازاة ، كأن المجازي يعد أجزاء العمل ثم يجازي بمثلها ، وقيل معنى الآية سريع مجيء يوم الحساب ، فالمقصد بالآية الإنذار بيوم القيامة ، وأمر الله تعالى عباده بذكره في الأيام المعدودات ، وهي الثلاثة التي بعد يوم النحر ، وهي أيام التشريق ، وليس يوم النحر من المعدودات ، ودل على ذلك إجماع الناس على أنه لا ينفر أحد يوم القر وهو ثاني يوم النحر ، فإن يوم النحر من المعلومات ، ولو كان يوم النحر في المعدودات لساغ أن ينفر من ينفر من شاء متعجلاً يوم القر ، لأنه قد أخذ يومين من المعدودات ، وحكى مكي والمهدوي عن ابن عباس أنه قال : " المعدودات هي أيام العشر " ، وهذا إما أن يكون من تصحيف النسخة ، وإما أن يريد العشر الذي بعد يوم النحر ، وفي ذلك بعد ، والأيام المعلومات هي يوم النحر ويومان بعده لإجماعهم على أنه لا ينحر أحد في اليوم الثالث ، والذكر في المعلومات إنما هو على ما رزق الله من بهيمة الأنعام . وقال ابن زيد : " المعلومات عشر ذي الحجة وأيام التشريق " ، وفي هذا القول بعد ، وجعل الله الأيام المعدودات أيام ذكر الله ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " هي أيام أكل وشرب وذكر الله " . ومن جملة الذكر التكبير في إثر الصلوات ، واختلف في طرفي مدة التكبير : فقال عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عباس : يكبر من صلاة الصبح من يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق . وقال ابن مسعود وأبو حنيفة : يكبر من غداة عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر . وقال يحيى بن سعيد : يكبر من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الظهر من آخر يوم التشريق . وقال مالك : يكبر من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق ، وبه قال الشافعي . وقال ابن شهاب : " يكبر من الظهر يوم النحر إلى العصر من آخر أيام التشريق " . وقال سعيد بن جبير : " يكبر من الظهر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق " . وقال الحسن بن أبي الحسن : " يكبر من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الظهر يوم النفر الأول " . وقال أبو وائل : " يكبر من صلاة الظهر يوم عرفة إلى صلاة الظهر يوم النحر " . ومشهور مذهب مالك أنه يكبر إثر كل صلاة ثلاثة تكبيرات ، وفي المذهب رواية أنه يقال بعد التكبيرات الثلاث : لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد . وقوله تعالى : { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه } ، قال ابن عباس والحسن وعكرمة ومجاهد : المعنى من نفر في اليوم الثاني من الأيام المعدودات فلا حرج عليه ، ومن تأخر إلى الثالث فلا حرج عليه ، فمعنى الآية كل ذلك مباح ، وعبر عنه بهذا التقسيم اهتماماً وتأكيداً إذ كان من العرب من يذم المتعجل وبالعكس ، فنزلت الآية رافعة للجناح في كل ذلك ، ومن العلماء من رأى أن التعجل إنما أبيح لمن بعد قطره لا للمكي والقريب ، إلا أن يكون له عذر ، قاله مالك وغيره ، ومنهم من رأى أن الناس كلهم مباح لهم ذلك ، قاله عطاء وغيره . وقال علي بن أبي طالب وابن مسعود وإبراهيم : معنى الآية من تعجل فقد غفر له ومن تأخر فقد غفر له ، واحتجوا بقوله عليه السلام : " من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من خطاياه كيوم ولدته أمه " ، فقوله تعالى : { فلا إثم عليه } نفي عام وتبرئة مطلقة ، وقال مجاهد أيضاً : معنى الآية من تعجل أو تأخر فلا إثم عليه إلى العام القابل ، وأسند في هذا القول أثر . وقال أبو العالية : المعنى في الآية لا إثم عليه لمن اتقى بقية عمره ، والحاج مغفور له البتة . وقال أبو صالح وغيره : معنى الآية لا إثم عليه لمن اتقى قتل الصيد وما يجب عليه تجنبه في الحج ، وقال أيضاً : لمن اتقى في حجه فأتى به تاماً حتى كان مبروراً ، واللام في قوله { لمن اتقى } متعلقة إما بالغفران على بعض التأويلات ، أو بارتفاع الإثم في الحج على بعضها ، وقيل : بالذكر الذي دل عليه قوله { واذكروا } ، أي الذكر لمن اتقى ، ويسقط رمي الجمرة الثالثة عمن تعجل . وقال ابن أبي زمنين : " يرميها في يوم النفر الأول حين يريد التعجل " . قال ابن المواز : " يرمي المتعجل في يومين بإحدى وعشرين حصاة ، كل جمرة بسبع حصيات ، فيصير جميع رميه بتسع وأربعين حصاة " . قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : لأنه قد رمى جمرة العقبة بسبع يوم النحر . قال ابن المواز : " ويسقط رمي اليوم الثالث " . وقرأ سالم بن عبد الله { فلا إثم عليه } بوصل الألف ، ثم أمر تعالى بالتقوى وذكر بالحشر والوقوف بين يديه .