Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 225-227)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ اللغو } سقط الكلام الذي لا حكم له ، ويستعمل في الهجر والرفث وما لا حكم له من الأيمان ، تشبيهاً بالسقط من القول ، يقال منه لغا يلغو لغواً ولغى يلغي لغياً ، ولغة القرآن بالواو ، والمؤاخذة هي التناول بالعقوبة ، واختلف العلماء في اليمين التي هي لغو ، فقال ابن عباس وعائشة وعامر الشعبي وأبو صالح ومجاهد : لغو اليمين قول الرجل في درج كلامه واستعجاله في المحاورة : لا والله ، وبلى والله ، دون قصد لليمين ، وروي أن قوماً تراجعوا القول بينهم وهم يرمون بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ، فحلف أحدهم : لقد أصبت وأخطأت يا فلان ، فإذا الأمر بخلافه ، فقال رجل : حنث يا رسول الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أيمان الرماة لغو لا إثم فيها ولا كفارة " ، وقال أبو هريرة وابن عباس أيضاً والحسن ومالك بن أنس وجماعة من العلماء : لغو اليمين ما حلف به الرجل على يقينه فكشف الغيب خلاف ذلك . قال القاضي أبو محمد : وهذا اليقين هو غلبة ظن أطلق الفقهاء عليه لفظة اليقين تجوزاً ، قال مالك : " مثله أن يرى الرجل على بعد فيعتقد أنه فلان لا يشك ، فيحلف ، ثم يجيء غير المحلوف عليه " ، وقال سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن وعبد الله وعروة ابنا الزبير : لغو اليمين الحلف في المعاصي كالذي يحلف ليشربن الخمر أو ليقطعن الحرم ، فبره ترك ذلك الفعل ولا كفارة عليه ، وقال سعيد بن جبير مثله ، إلا أنه قال : يكفر ، فأشبه قوله بالكفارة قول من لا يراها لغواً ، وقال ابن عباس أيضاً وطاوس : لغو اليمين الحلف في حال الغضب ، وروى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يمين في غضب " ، وقال مكحول الدمشقي وجماعة من العلماء : لغو اليمين أن يحرم الرجل على نفسه ما أحل الله فيقول مالي عليّ حرام إن فعلت كذا ، أو الحلال عليَّ حرام ، وقال بهذا القول مالك بن أنس إلا في الزوجة فإنه ألزم فيها التحريم إلا أن يخرجها الحالف بقلبه ، وقال زيد بن أسلم وابنه : لغو اليمين دعاء الرجل على نفسه أعمى الله بصره ، أذهب الله ماله ، هو يهودي ، هو مشرك ، هو لغيّة إن فعل كذا ، وقال ابن عباس أيضاً والضحاك : لغو اليمين هو المكفرة ، أي إذا كفرت اليمين فحينئذ سقطت وصارت لغواً ، ولا يؤاخذ الله بتكفيرها والرجوع إلى الذي هو خير ، وقال إبراهيم النخعي : " لغو اليمن ما حنث فيه الرجل ناسياً " ، وحكى ابن عبد البر قولاً إن اللغو أيمان المكره . قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وطريقة النظر أن يتأمل لفظة اللغو ولفظة الكسب ، ويحكم موقعهما في اللغة ، فكسب المرء ما قصده ونواه ، واللغو ما لم يتعمده أو ما حقه لهجنته أن يسقط ، فيقوى على هذه الطريقة بعض الأقوال المتقدمة ويضعف بعضها ، وقد رفع الله عز وجل المؤاخذة بالإطلاق في اللغو ، فحقيقته ما لا إثم فيه ولا كفارة ، والمؤاخذة في الأيمان هي بعقوبة الآخرة في الغموس المصبورة ، وفيما ترك تكفيره مما فيه كفارة ، وبعقوبة الدنيا في إلزام الكفارة ، فيضعف القول بأنها اليمين المكفرة ، لأن المؤاخذة قد وقعت فيها ، وتخصيص المؤاخذة بأنها في الآخرة فقط تحكم . وقوله تعالى : { ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } قال ابن عباس والنخعي وغيرهما : ما كسب القلب هي اليمين الكاذبة الغموس ، فهذه فيها المؤاخذة في الآخرة ، والكفارة إنما هي فيما يكون لغواً إذا كفر ، وقال مالك وجماعة من العلماء : الغموس لا تكفر ، هي أعظم ذنباً من ذلك ، وقال الشافعي وقتادة وعطاء والربيع : اليمين الغموس تكفر ، والكفارة مؤاخذة ، والغموس ما قصد الرجل في الحلف به الكذب ، وكذلك اليمين المصبورة : المعنى فيهما واحد ، ولكن الغموس سميت بذلك لأنها غمست صاحبها في الإثم ، المصبورة سميت بذلك لأنها صبرها مغالبة وقوة عليها ، كما يصبر الحيوان للقتل والرمي ، وقال زيد بن أسلم : قوله تعالى : { ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } هو في الرجل يقول هو مشرك إن فعل ، أي هذا لغو إلا أن يعقد الإشراك بقلبه ويسكبه ، و { غفور حليم } صفتان لائقتان بما ذكر من طرح المؤاخذة ، إذ هو باب رفق وتوسعة . وقوله تعالى : { للذين يؤلون من نسائهم } الآية ، قرأ أبي بن كعب وابن عباس " للذين يقسمون " ، و { يولون } معناه يحلفون ، يقال آلى الرجل يولي إيلاء ، والألية اليمين ، ويقال فيها أيضاً ألوة بفتح الهمزة وبضمها وبكسرها ، والتربّص التأنّي والتأخر ، وكان من عادة العرب أن يحلف الرجل أن لا يطأ امرأته ، يقصد بذلك الأذى عند المشارّة ونحوها ، فجعل الله تعالى في ذلك هذا الحد لئلا يضر الرجال بالنساء ، وبقي للحالف على هذا المعنى فسحة فيما دون الأربعة الأشهر ، واختلف من المراد أن يلزمه حكم الإيلاء فقال مالك رحمه الله : " هو الرجل يغاضب امرأته فيحلف بيمين يلحق عن الحنث فيها حكم ، أن لا يطأها ، ضرراً منه ، أكثر من أربعة أشهر ، لا يقصد بذلك إصلاح ولد رضيع ونحوه " ، وقال بن عطاء وغيره ، وقال علي بن أبي طالب وابن عباس والحسن بن أبي الحسن : هو الرجل يحلف أن لا يطأ امرأته على وجه مغاضبة ومشارة ، وسواء كان في ضمن ذلك إصلاح ولد أو لم يكن ، فإن لم يكن عن غضب فليس بإيلاء . وقال ابن عباس : " لا إيلاء إلا بغضب " ، وقال ابن سيرين : " سواء كانت اليمين في غضب أو غير غضب هو إيلاء " . وقاله ابن مسعود والثوري ومالك والشافعي وأهل العراق ، إلا أن مالكاً قال : ما لم يرد إصلاح ولد . وقال الشعبي والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وابن المسيب : كل يمين حلفها الرجل أن لا يطأ امرأته أو أن لا يكلمها أو أن يضارها أو أن يغاضبها فذلك كله إيلاء ، وقال ابن المسيب منهم : إلا أنه إن حلف أن لا يكلم وكان يطأ فليس بإيلاء ، وإنما تكون اليمين على غير الوطء إيلاء إذا اقترن بذلك الامتناع من الوطء . قال القاضي أبو محمد : وأقوال من ذكرناه مع سعيد مسجلة محتملة ما قال سعيد ومحتملة أن فساد العشرة إيلاء ، وذهب إلى هذا الاحتمال الأخير الطبري ، وقال ابن عباس أيضاً : لا يسمى مولياً إلا الذي يحلف أن لا يطأ أبداً ، حكاه ابن المنذر ، وقال مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور : لا يكون مولياً إلا إن زاد على الأربعة الأشهر ، وقال عطاء والثوري وأصحاب الرأي : الإيلاء أن يحلف على أربعة أشهر فصاعداً ، وقال قتادة والنخعي وحماد بن أبي سليمان وإسحاق وابن أبي ليلى : من حلف على قليل من الوقت أو كثير فتركها أربعة أشهر فهو مول . قال ابن المنذر : وأنكر هذا القول كثير من أهل العلم . وقوله تعالى { من نسائهم } يدخل فيه الحرائر والإماء إذا تزوجن ، والعبد يلزمه الإيلاء من زوجته ، وقال الشافعي وأحمد وأبو ثور : أجله أربعة أشهر ، وقال مالك والزهري وعطاء بن أبي رباح وإسحاق : أجله شهران ، وقال الحسن : أجله من حرة أربعة أشهر ومن أمة زوجة شهران ، وقاله النخعي ، وقال الشعبي : " الإيلاء من الأمة نصف الإيلاء من الحرة " ، وقال مالك والشافعي وأصحاب الرأي والأوزاعي والنخعي وغيرهم : المدخول بها وغير المدخول بها سواء في لزوم الإيلاء فيهما ، وقال الزهري وعطاء والثوري : لا إيلاء إلا بعد الدخول ، قال مالك : " ولا إيلاء من صغيرة لم تبلغ ، فإن آلى منها فبلغت لزمه الإيلاء من يوم بلوغها " ، وقال عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وأبو الدرداء وابن عمر وابن المسيب ومجاهد وطاوس ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد : إذا انقضت الأربعة الأشهر وقف : فإما فاء ، وإما طلق ، وإلا طلق عليه ، وقال ابن مسعود وابن عباس وعثمان وعلي أيضاً وزيد بن ثابت وجابر بن زيد والحسن ومسروق بانقضاء الأربعة الأشهر دخل عليه الطلاق دون توقيت ، واختلف العلماء في الطلاق الداخل على المولي ، فقال عثمان وعلي وابن عباس وابن مسعود وعطاء والنخعي والأوزاعي وغيرهم : هي طلقة بائنة لا رجعة له فيها ، وقال سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن ومكحول والزهري ومالك : هي رجعية ، و { فاؤوا } معناه رجعوا ، ومنه { حتى تفيء إلى أمر الله } [ الحجرات : 9 ] ، والفيء الظل الراجع عشياً ، وقال الحسن وإبراهيم : إذا فاء المولي ووطىء فلا كفارة عليه في يمينه ، لقوله تعالى { فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم } . قال القاضي أبو محمد : وهذا متركب على أن لغو اليمين ما حلف في معصية ، وترك وطء الزوجة معصية ، وقال الجمهور : إذا فاء كفر ، والفيء عند ابن المسيب وابن جبير لا يكون إلا بالجماع ، وإن كان مسجوناً أو في سفر مضى عليه حكم الإيلاء إلا أن يطأ ولا عذر له ولا فيء بقول ، وقال مالك رحمه الله ، " لا يكون الفيء إلا بالوطء أو بالتفكير في حال العذر كالغائب والمسجون " ، قال ابن القاسم في المدونة : " إلا أن تكون يمينه مما لا يكفرها لأنها لا تقع عليه إلا بعد الحنث ، فإن القول يكفيه ما دام معذوراً " ، واختلف القول في المدونة في اليمين بالله تعالى هل يكتفى فيه بالفيء بالقول والعزم على التكفير أم لا بد ، من التفكير وإلا فلا فيء ، وقال الحسن وعكرمة والنخعي وغيرهم : الفيء من غير المعذور الجماع ولا بد ، ومن المعذور أن يشهد أنه قد فاء بقلبه ، وقال النخعي أيضاً : يصح الفيء بالقول والإشهاد فقط ، ويسقط حكم الإيلاء . أرأيت إن لم ينتشر للوطء ؟ . وقال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : ويرجع في هذا القول إن لم يطأ إلى باب الضرر ، وقرأ أبي بن كعب " فإن فاؤوا فيهن " وروي عنه " فإن فاؤوا فيها " . وقوله تعالى : { وإن عزموا الطلاق } الآية ، قال القائلون إن بمضي الأربعة أشهر يدخل الطلاق : عزيمة الطلاق هي ترك الفيء حتى تنصرم الأشهر ، وقال القائلون لا بد من التوقيف بعد تمام الأشهر : العزيمة هي التطليق أو الإبانة وقت التوقيف حتى يطلق الحاكم ، واستدل من قال بالتوقيف بقوله { سميع } ، لأن هذا الإدراك إنما هو في المقولات ، وقرأ ابن عباس " وإن عزموا السراح " .